الحامض.. قلبا وقالبا نجم معرض ‘بيروت آرت فير’

اعتبر القيمون على معرض “بيروت آرت فير” 2017 أن هناك معرضين بارزين في هذه الدورة، الأول هو المساحة التي حملت توقيع المنسّق الفرنسي للمعرض باسكال أوديل، والتي خُصّصت لكتاب “النبيّ” لجبران خليل جبران، بروح وريشة الفنان الجزائري رشيد قريشي.

علما أن في لبنان حاضرا وسابقا ما يضاهي إبداع جبران خليل جبران، ولكن جرت العادة وأراد الفولكلور ألا، وربما لن يحضر غير اسمه في المحافل الفنية/السياحية/الدولية مقرونا بالتبولة والملاهي الليلية.

ويجدر الذكر أن الفنان رشيد قريشي يتمتع بحساسية مُلفتة وأعماله على مستوى عال من الفنية، ربما دفعت بعض الزائرين الى التمني لو كانت مستوحاة من كتاب آخر لكاتب آخر.

أما الثاني فهو مجسد بمساحة بعنوان “عروبة” بإشراف المنسّقة اللبنانية/الإيرانية روز عيسى، وبدت عروبة هذا الحيز مُنتقصة وغارقة في دمائها التي بعضها لم “ينزف من تلقاء ذاته”، عروبة مُعاصرة كما يراها أو يريد أن يراها العالم الغربي.

غير أن في المعرض حيزا مهما جدا لا يقل عنهما لدلالاته الوجودية، وقد جاء تحت عنوان “حامض وقوس قزح”، حيث وصف منظمو هذا الحيز بهذه الكلمات “معرض جماعي ومرح في الوقت عينه وذلك للكشف عن البعدين الجمالي والفني للطعام”.

معرض يدعو إلى الابتسام وكما يدل عنوانه، مخُصص للحامض ولظهوراته ولتداعياته البصرية و”المذاقية” بداية في نفس ثلاثة فنانين قاموا بإنجاز الأعمال، ونهاية في نفس الجمهور، وحبذا لو وضع القيمون على المعرض مساحة للحامض العابر لقوس قزح، ما بين “نبيّ” باسكال أوديل و”عروبة” روز عيسى.

وشاركت في دورة هذا العام كل من السعودية والبحرين ومصر والإمارات العربية المتحدة والأردن وفلسطين وقطر وسلطنة عُمان وسوريا وتونس وتايلاند والأورغواي وفرنسا واليونان والجمهورية التشيكية وسويسرا وبلجيكا وأرمينيا وإسبانيا والمملكة المتحدة.

ورافقت المعرض نشاطات ثقافية بعنوان “بيروت آرت ويك”، حيث تم خلال هذا الأسبوع عرض 27 عملا فنيا متنوعا خارج الصالة الشاسعة وعبر الأماكن العامة والمتاجر “المرموقة”، بحسب تصنيف القيمين على المعرض. وجمعت هذه الرحلة الفنية تحفة روميرو بريتو بالاشتراك مع جمعية “بيروت ماراتون” ومنحوتات ضخمة لماورو كوردا، وتخللت البرنامج سينما في الهواء الطلق على “مدرجات أوبرا غاليري” بالتعاون مع مهرجان الفيلم اللبناني.

وساهم هذا الحدث الأخير في تكريم مخرجي الأفلام السينمائية الذين حازوا على أهم الجوائز في المهرجانات الدولية، أما الأفلام التي عرضت فهي “سبمارين” للمخرجة منيّة عقل وعرضت فيه أزمة النفايات من خلال فتاة اسمها هالا، وفيلم “وايفز 98” للمخرج إيلي داغر عن مغامرات عمر المراهق المُقيم في ضواحي بيروت، وفيلم “افتر شايف” للمخرج هاني طمبا الذي تدور أحداثه حول حلاّق خسر صالونه خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

كما قدم “بيروت آرت فير” منسّقة المعارض المُتخصصة في الفنّ المعاصر في الشّرق الأوسط والكاتبة والمنتجة المقيمة في لندن روز عيسى، التي قدّمت بانوراما للإبداع المعاصر في المنطقة على مدى العقد الماضي.

وأدرج الملف الصحافي الذي سبق أن رافق افتتاح المعرض، أن مساحة “عروبة” التي توسطت الصالة “سلّطت الضوء على مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والذاكرة في الفنّ المعاصر في المنطقة”.

وبالفعل تمكن الزائر من رؤية أعمال مؤثرة لفنانين من أمثال محمد سعيد بعلبكي وتغريد درغوث وأسامة بعلبكي ومنى حاطوم وعبدالرحمن قطاني وغيرهم من الفنانين، ولا يخفى على أحد الجهد الذي لا بد أن تكون بذلته روز عيسى لجمع الأعمال الفنية وعرضها ضمن حيز “عروبة”.

ربما ما افتقد له هذا المعرض عدد أكبر لأعمال حروفية معاصرة ونابغة وأعمال فنية أخرى لا تحمل بالضرورة، ولضرورة العرض سمات التأثر بالأساليب الفنية الغربية، وأعمال لا تتحدث فقط عن الثورات والحروب والانكسارات وانتهاك حقوق المرأة، بل تتحدث عن الأمل والفرح والزخم العاطفي/المشرقي الذي لا يزال يتنفس تحت ماء العولمة.

وفي سياق آخر لا بد من القول إن لا الملف الصحافي ولا كتالوغ المعرض، ولا النشرات الصحافية المُلحقة ولا البيانات الصحافية التي تلت الحدث السنوي عن مجريات البيع أو مستوى نجاح المعرض كانت مُقصرة أو مُقلة، لا بل كانت مثلها كمثل الوجبات السريعة، ولكن مُقدمة على أطباق من كريستال وفي ملاعق من فضة للجمهور وخاصة للصحافيين في حال راودتهم أنفسهم للكتابة عن المعرض.

وقد ساهم ذلك وبجدارة في تشجيع الكسل التحليلي وتنويم العين الناقدة خارج التأثيرات المغناطيسية التي مارسها القيمون على المعرض لما جرى في الصالة وخارجها، ولعل أكبر دليل على ذلك أن معظم المقالات التي تناولتها الصحافة العربية كانت إعادة صياغة ما ورد في الملف الصحافي الذي تخطى بدهاء ترويجي الاكتفاء بعرض لموجودات الصالة.

الحامض الذي استقبلنا عند دخولنا هو “نجم المعرض” على حد القول المُمازح لنيللي شقير زيدان، القيّمة على مساحة “حامض و قوس قزح”، يبقى التمني في أن تستطيع معدة الجمهور استيعاب كل هذا الكم الأسيدي من الفيتامين سي.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى