«شيخ جاكسون» للمصري عمرو سلامة… فيلم يمنينا بالكثير ولا يفي

نسرين سيد أحمد

جافاه الدمع في الصلاة منذ أن سمع نبأ وفاة مايكل جاكسون، ووضعه جفاف دموع الخشوع في السجود وسط أزمة إيمانية، وبحث عن هوية فُقدت وعن ذكريات قُمعت.
هكذا يبدأ عمرو سلامة فيلمه «شيخ جاكسون»، الذي يعرض ضمن برنامج «الرحلة» في مهرجان لندن السينمائي في دورته 61 (4 إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول) والذي يمثل مصر في الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.
في «شيخ جاكسون» نجد أنفسنا أمام فيلم يمنينا بالكثير، ويفتح نوافذ لنقاش الكثير من القضايا الاجتماعية والإيمانية والروحية، ولكنه لا يراوح السطح في الكثير من القضايا التي يسعى لنقاشها. لا نجد في الفيلم إلا قشور البعد الروحي لرجل متدين، متشدد التدين والالتزام الديني، يواجه أزمة دينية. ولا نجد سوى مسحة ابتسامة وحنين للمغني الذي منح اسمه للفيلم. يبقى الفيلم معلقا في المنتصف في كل طروحاته، فهو لا يوصلنا إلى ذرى المتعة والصنعة السينمائية، ولا يهبط إلى الرداءة. فيلم يرسم الابتسامة على الوجوه أحيانا، ولكنه لا يجاوز الابتسامة إلى ما هو أعمق وأبقى.
تبدأ أحداث الفيلم في القاهرة عام 2009، بمشهد موكب جنائزي وإهالة التراب على جثمان يدفن، ويتضح لنا أننا داخل أحد أحلام خالد (أحمد الفيشاوي)، رجل الدين الشاب الذي يعتمر جلبابا أبيض ويطلق لحيته، ويبيت ليله أسفل فراشه بدلا من فوقه ليتذكر القبر وضيقه. يؤم «الشيخ» الشاب المصلين في الصلاة ويعد أشرطة الكاسيت، التي تنذر بعذاب القبر. هكذا نرى خالد في مستهل الفيلم، ولكننا سريعا ما نكتشف أنه ليس بالقناعة الإيمانية التي تبدو على السطح.
يثير الفيلم عددا من القضايا من أهمها التصور المجتمعي لصورة الرجل ولصورة الأب والقدوة. نجد أن التزام خالد الديني الصارم يخفي الكثير من القلق والكثير من النزاعات مع الذات التي لم تحسم، والتي تطفو على السطح بعد سماع نبأ وفاة «ملك البوب» مايكل جاكسون.
تصحبنا سلسلة من مشاهد العودة إلى الماضي (فلاش باك) إلى أصل مشكلة خالد وصراعه مع نفسه. توفيت والدة خالد في طفولته إثر مرضها، لتتركه مع والده هاني (ماجد الكدواني). يمثل والد خالد إحدى الصور المجتمعية المقبولة للأب والذكر، فعند بث التلفزيون لأغنية لمايكل جاكسون، وسؤال خالد عن هذا المغني الذي لفت انتباهه، يجيب الأب أن جاكسون «مخنث» يجب على ابنه أن لا يسمع أغانيه أو أن يحبه. وما يزيد من حرج خالد أمام والده الخشن القوي هو أن أصدقاءه في المدرسة كانوا يدللونه باسم «دودا»، ذلك الاسم الصغير الذي يحمل سمات مؤنثة، وينفصل كل الانفصال عن صورة الذكر القوي الصلب المواظب على الرياضة الذي يريد الأب لابنه أن يكون.
تتضارب صور مختلفة للرجل والقدوة داخل خالد. والده علماني يحتسي الخمر أحيانا وله علاقات نسائية بعد وفاة زوجته، وبطل كمال أجسام سابق يواظب على الرياضة، ويملأ البيت بعد وفاة زوجته بأجهزة التريض. إنها صورة الرجل ذي القوة الجسمانية، الرجل الفحل الذي يتفاخر بفتوته وبعلاقاته النسائية.
والصورة الثانية للرجل والأب والذكر التي تتصارع داخل خالد هي صورة خاله.
الخال ملتح يرتدي الجلباب، لا يستمع للموسيقى، ولا يستخفه الطرب، ويرى في أسلوب حياة والد خالد مجونا وفسقا، ويود لخالد أن ينشأ تنشئة «إسلامية» متدينة.
أما الصورة الثالثة للذكر والرجل كما يراها خالد فهو مايكل جاكسون، ذلك المغني الذي أحبه وعشق الرقص على أنغام أغانيه وتشبّه به شكلا في صباه (أحمد مالك في دور خالد الصبي). ربما يجد خالد في مايكل جاكسون تمردا على الصورة التي يريد له والده أن يكونها، أو ربما يجد فيه رمزا لحرية يفتقر إليها.
يتمرد خالد على صورة والده، ذلك الأب الذي كان دائم التعنيف له ودائم الصفع له في وقت صباه، ولكن يتولد لديه إحساس بالذنب إزاء إعجابه بمايكل جاكسون، الذي أكد له خاله أنه سيكون في النار. ويقرر خالد أن ينزع عنه صورة الأب وصورة مايكل جاكسون ويقرر التشبه بصورة الخال، تلك الصورة التي يراها الصورة القويمة للرجل المسلم، الصورة التي ستقيه النار وعذاب جهنم. علاقة خالد مع الله قوامها الخوف منه والخوف من العذاب، لا حب ولا بهجة فيها، ولكنه تعلم التعايش معها.
ولكن وفاة مايكل جاكسون تجلب إلى السطح كل ما يتضارب داخل خالد، وكل الصور المتناقضة للرجل بداخله، وتواجهه بزيف علاقته بالله. علً صورة الرجل أقوى ما يطرحه الفيلم من قضايا، ولكن رسم شخصيات الرجال في الفيلم أقرب إلى الصور النمطية وأقرب إلى تقديم شخصية الأب والخال كمجرد أنماط وليس كشخوص ذات عمق نتفاعل معه. ولا يوضح سيناريو الفيلم، الذي تعاون في كتابته عمرو سلامة وعمر خالد، أسباب تعلق خالد في صباه بصورة مايكل جاكسون. لا تصلنا أسباب تعلق الصبي بصورة هذا المغني دون غيره أو أسباب بقاء حبه الدفين له حتى بعد أن كبر وتزوج وتغير مساره في الحياة.
يحاول الفيلم أيضا نقاش صورة المرأة متمثلة في والدة خالد وفي زوجته وحبيبته في صباه وفي ابنته الصغيرة. الأم ترتدي الملابس غربية الطراز وتحب مايكل جاكسون، ولكنها لا تجرؤ على الإفصاح عن إعجابها به حتى لا تغضب زوجها. أما زوجة خالد فهي منقبة مطيعة، تبدو دوما مسالمة ودودة. وكما هو الحال مع شخصيات الرجال، فإن الشخصيات النسائية تأتي مسطحة نمطية لا عمق فيها.
ويحاول الفيلم نقاش مفهوم الإيمان والتدين، ولكن الأمر يأتي بلا روح أو عمق أو تأمل. تأتي صورة الرجل المتشدد نمطية لا تعدو الرموز الشكلية من الجلباب واللحية، ولا تصل قط إلى جوهر ما يدفع المرء إلى التشدد في الدين.
ومن الغريب أن يأتي فيلم يحتفي بمايكل جاكسون وأغانيه وتأثيرها، بدون أن يحتوي على أغنية واحدة أصلية لجاكسون، مما يفقد الفيلم الكثير من مصداقيته والكثير من تجاوب الجمهور مع الأغاني التي ما زالت تحتفظ بحب الجماهير. وعند سؤال سلامة عن السبب في هذا الاختيار الغريب في مهرجان لندن، أجاب أنه رغم محاولات متعددة لم يتمكن من الحصول على التصاريح اللازمة لاستخدام أغاني جاكسون.
يأتي أداء الأدوار الرئيسية في الفيلم جيدا، خاصة من الفيشاوي والكدواني، لا سيما في لحظات هشاشتهما وضعفهما، ولكن السيناريو وفقدان الشخصيات للعمق النفسي يضع الكثير من العقبات أمام أداء الممثلين. وتبدو نهاية الفيلم وحسم خالد لصراعه النفسي غير مقنعة، نهاية وضعت على عجل لإرضاء الجمهور ولرسم بسمة غير مقنعة على الوجوه. لا يتضح لنا قط كيف تمكن خالد من حسم خلافه الداخلي مع نفسه، أو كيف تصالح مع ماضيه أو كيف ساعده الرقص بمفرده في منزله على موسيقى جاكسون التي لا نسمعها على حل مشاكله الداخلية.
يبدو لنا «شيخ جاكسون» في نهاية المطاف فيلما لا يشفي ظمأ سينمائيا ولا يروي قصة مقنعة ولا يرسم شخصيات نقتنع بها ونتفهم نوازعها ودواخلها. يبدو الفيلم محاولة غير مقنعة يشوبها الكثير من الافتعال لرسم شخصيات تفتقر للكثير من العمق ولنقاش قضايا بلا زخم حقيقي.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى