أعمال التشكيلي عبد الله اليماني تحاكي الواقع الثقافي في بلاده

محمد البندوري

ترتكز التجربة التشكيلية للفنان التشكيلي عبد الله اليماني على نمط تعبيري شخوصي يلامس الواقعية في أبعادها الجمالية، بوظائف بنائية ودلالية مغايرة للمعتاد، فهو يتغيا الاشتغال في المنحى الواقعي التعبيري، المستند إلى المقومات التراثية العربية والحضارية اليمنية، حيث يشتغل على مساحات متوسطة وكبيرة، وبكتل وركامات لونية خفيفة ومركزة، وينتقي الألوان وفق التشكلات الرمزية، ووفق تصوراته ورؤاه التعبيرية التي يحاكي بها الواقع، وهو شكل من التأثر بمسلك معظم التعبيريين الواقعيين. الشيء الذي يدفق له نوعا من السيولة اللونية وبعضا من الأشكال التراثية والشخوصات الدالة على معاني واقعية، بل إن مضامين أعماله تتشوّف أبعادا إنسانية تروم واقع الحياة الأليمة، وفي تشكيلها تتعدى حدود الواقع فتلبس مختلف المعايير الفنية الدقيقة لتتجه نحو التعبير بتصورات تستنطق اللون والشكل والواقع، فتتجه نحو أشكال ذات قوالب فنية منظمة ودقيقة التعبير، تتجسد مجتمعة في الفضاء الناعم باجتهادات وابتكارات تمتح مادتها الأساسية من الانفعال الباطني الذي يعبر عن مشاعر وأحاسيس داخلية وعن رؤى ذهنية، يقاربها بمنجزه التشكيلي وبنسيجه الإبداعي في مجمله، حتى يظهر مليئا بالإيحاءات والعلامات الرمزية الدالة على معان واقعية، وعلى سميولوجية اجتماعية وسوسيوثقافية تستمد كينونتها من الواقع اليمني.
وعملا بالقاعدة النقدية، فإن تفاعل الفنان عبد الله اليماني تشكيليا مع الواقع في شقه الحضاري وفي شكله الشخوصي يجعله ينزاح إلى مفارقة تتموقع بؤرتها في الفضاء بين الصمت واللغة المتحركة، وبين الهدوء والحركة، فصناعة مختلف الشخوصات التعبيرية الواقعية بصيغ تشكيلية وبألوان مختلفة يدعم مجال الحركة ويمنح أعماله رشاقة، ما يؤدي إلى إنتاج دلالات ومعان واقعية تعبر عن الواقع الاجتماعي والثقافي والبيئي، وفق منظور فني يولد المادة التعبيرية بمقومات فنية وجمالية ذات مضامين ودلالات، في حين يردفها بالموروث الحضاري في بعده الصامت فتسكن المادة التعبيرية ويهدأ الفضاء.
إنها مفارقة غريبة تحد من تشخيص الأسلوب بدقة، بل إنها تجعل المبدع لا يزال يبحث عن مسلك تعبيري واقعي علّه يجد فيه ضالته، وهو ما يحيل إلى قلة العمليات الفنية المهاراتية أثناء توزيع المفردات التشكيلية والعناصر الفنية المكونة لأعماله، فيغيب مجال جلب النظر، خصوصا أثناء غياب جماليات التنوع في ما يخص المساحة والفراغ. ويتضاءل عنصر البساطة في التكوين نتيجة المفارقات المفرداتية التشكيلية. وعلى الرغم من ذلك، فتنوع تقنياته وجمالية تشكيلاته وسحر فنيته يجعل من أعماله الواقعية – خاصة ما يرتبط منها بجمالية التباين والتناغم في الشكل واللون- عنصرا جماليا رائقا، كما أن الإضفاءات الرمزية والعلاماتية والأشكال المتنوعة، تمنح القارئ إشارات بصرية لما يتوافر فيها من معالجة شكلية متفردة، تتمظهر بين البناء الفضائي والألوان وباقي المفردات، ولما يضفيه على أعماله من إنجازات تعبيرية مدعمة بعناصر جديدة مما تحمله تقنياته المتميزة من تغيرات، فاستخداماته اللونية وتثبيته لعناصر شخوصية في مشهد فني، يرفع من خاصية الإيحاء. فالمبدع له القدرة على تغيير المنحى التعبيري والانزياح به نحو تعددية القراءة، لأنه يبلور مختلف عملياته الإبداعية، وفق خاصيات فنية رائقة تأخذ بعين الاعتبار النزق اللوني المتفاعل مع التشكيل ومع المضامين التي ينشدها المبدع، حيث يركب بين المنحى الجمالي والتعبير بواقعية متعددة الأشكال بطرائق فنية رائقة. الفنان التشكيلي عبد الله اليماني يبني جسرا تشكيليا واقعيا بأبعاد دلالية تفاعلية، ليجول بالقارئ في عمق الخامة والطلاء اللوني والصورة التعبيرية بصيغ إشكالية جمالية متعددة، وهي في جوهرها أدوات أيقونية تستجيب لنظام الفضاء التعبيري، وتستجيب لتفاعلات الرؤية البصرية والحس الانفعالي، مما تحمله التصورات التي يضمرها اللون والشكل وطريقة توظيفهما، وهو ما تفسره قدرة المبدع التحكمية في الفضاء، وتنم عنه المسالك الواقعية في الإنجاز. وكل ذلك هو بمثابة وضعيات فـنية تقــود إلى عوالم اجتماعية وثقافية تُؤطر الطرائق التعبيرية لدى المبدع، وفق ما تسمح به تجربته المائزة في التشكيل العربي المعاصر.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى