أي مستقبل للإعلام العربي في زمن العولمة؟

ابراهيم الصياد

تنظر دراسات كثيرة في علوم السياسة والإعلام إلى فكرة العولمة (Globalization) على أنها الخروج من الإطار المحدود إلى النطاق اللامحدود، الأمر الذي يفرض نسقاً قيمياً مختلفاً عن عادات وموروثات الشعوب، وما يعد تخطياً لما تمكن تسميته الفكر القومي إلى الفكر العولمي. وإذا كنت أتحفظ على العولمة السياسية لأسباب تتعلق بالهوية والانتماء والاستقلالية الوطنية قد نتحدث عنها في وقت لاحق، فإنني أرحب بالعولمة الإعلامية في مجال الخدمات الإخبارية وتبادل الأفكار والخبرات وحوار الحضارات التي يمكن أن تضع العالم كله عند أطراف أصابعك من خلال أجهزة الريموت كنترول والحاسوب والهاتف النقال.
على أي حال، ساعد على تأكيد هذا المفهوم التقدم التكنولوجي الهائل في كل مجالات حياة الإنسان بما فيها مجال الاتصال الجماهيري (الإعلام) أو «الميديا» كما يحلو لبعضهم أن يسمي الإعلام. وترتب على هذا أن العالم أصبح قرية صغيرة، ووضح هذا في عالمنا العربي خلال العقود الثلاثة الأخيرة منذ بداية التسعينات من القرن الماضي عندما اتسع نطاق استخدام الإنترنت والتقدم السريع والمتلاحق في تقنية الهاتف المحمول، حيث تغير مفهوم الخبر من تغطية الحدث فور وقوعه إلى تغطية الحدث لحظة وقوعه وأصبح في إمكان المتلقي متابعة أحداث سياسية ورياضية وكوارث طبيعية وإنسانية طارئة أو غير متوقعة أو ما يعرف «Breaking News» في وقت وقوعها.
وأهم مثال اعتداءات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001 على مركز التجارة العالمي في نيويورك، وغزو القوات الأميركية بغداد في 21 آذار (مارس) 2003. وإذا كان الأمر كذلك في الحوادث الطارئة فما بالكم بدقة النقل في الحوادث المتوقعة مثل لقاءات الدول وتنصيب الرؤساء ومنها حفلا تنصيب الرئيس الأميركي ترامب والرئيس الفرنسي ماكرون هذه السنة. ومن الحوادث الطبيعية كسوف كلي للقمر في أميركا الشمالية أخيراً وهي ظاهرة كونية تحدث على فترات متباعدة.
وما يهمنا هنا أن كل هذه الحوادث يشاهدها في اللحظة ذاتها البلايين من سكان كوكب الأرض والوطن العربي جزء منه، ومعظمها على الهواء أي تصويراً حياً من موقع الحدث. وساعد في انتشار هذا النوع من التغطية الإعلامية استحداث ما يسمى «صحافة المواطن» أي أن كثيراً من الصور الأولى المنقولة للحدث الطارئ غير المتوقع يصورها مواطن عادي سواء بكاميرته الشخصية أو بهاتفه النقال خصوصاً في الحوادث المتعلقة بالإرهاب. فغالبية التغطية الأولى للعمليات الإرهابية تعتمد على صور المواطن أو كاميرات المراقبة الأمنية ويتضح هذا في اعتداءات الدهس في فرنسا العام الماضي وأخيراً في برشلونة بإسبانيا. وأصبحت وسائل الإعلام تعتمد على هذه التغطية لسد الفجوة الزمنية الناجمة عن عملية انتقال فرق التصوير التليفزيوني إلى مواقع الحوادث سواء كانت بعيدة أو قريبة.
ولهذا عظم الاهتمام بموقع «يوتيوب» لأنه يحوي ثروة هائلة من صور مرئية للحوادث الكبرى في العالم، ووجد أن كثيراً منها يتم بواسطة هواة وليسوا محترفين.
وقد استوعب الإعلام الجديد أو «New Media» هذا الدرس وخصصت المواقع الإلكترونية الإخبارية على صفحتها الرئيسة رابط النقل المرئي، واعتمدت آليات سريعة الحركة للوجود بقلب الحدث لحظة وقوعه. ولهذا نلاحظ أن بعض المحطات التلفزيونية تستخدم صوراً منقولة من مواقع إخبارية إلكترونية لحوادث تقع هنا أو هناك ريثما يصلها مادتها الإخبارية من مراسليها وطواقمها الميدانية.
ويمكن القول أن الثورة الاتصالية جعلت من الإعلام صناعة ضخمة ومهمة لها تأثير في سرعة تشكيل الرأي العام أو دعوني أقول «المزاج العام» في الاتجاهين الإيجابي والسلبي.
وهنا نتساءل أليس هناك تأثيرات سلبية للعولمة الإعلامية؟
من وجهة نظري، هناك تأثيرات سلبية لظاهرة العولمة أسوق منها ست ملاحظات:
التدخل في الشأن الوطني للدول طالما أصبح الفضاء يعج بالأقمار الاصطناعية ومن برامج موجهة.
أصبح من السهل تسلل الأفكار الوافدة إلى العقل والفكر العربي عبر الفضائيات وشبكة المعلومات الدولية – الإنترنت – خصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي وأهمها «فايسبوك» و «تويتر».
دخول الخطاب الإعلامي إلى مناطق تتسم بالحساسية مثل السياسة والدين والمعتقدات والعادات والتقاليد وقيم المجتمعات المحلية.
ظهور قطاع من الشباب في غالبية الدول العربية يعطي الأولوية للانتماء للعالم الافتراضي، بدليل أن الرابطة النفسية بين الشخص وهاتفه النقال باتت ظاهرة مرضية – بكسر الضاد – وأصبحت مطالعة الهاتف عادة يومية منذ أن يستيقظ الشخص حتى ينام في آخر الليل.
تراجع حجم المشاركة السياسية خصوصاً من جانب القطاع السني الممتد من 18 عاماً إلى 30 عاماً في العزوف عن التوجه لصناديق الاقتراع في الانتخابات والاستفتاءات العامة.
تراجعت مشاعر الدفء الأسري حتى وصلت للعلاقة بين الزوج وزوجته وبين الوالدين والأبناء، ما أثر في العلاقات الاجتماعية وأضر بتربية النشء.
ولهذا يصبح من الضروري أن تهتم جهات صنع القرار في الوطن العربي، لاسيما ما يتعلق بوضع السياسات الإعلامية، بتعظيم إيجابيات ظاهرة العولمة الإعلامية وتجنب آثارها السلبية واتخاذ كل السبل والإجراءات والآليات التي تحد من أضرارها.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى