مهرجان مسرحي ينتقد أوضاع العراق على قارعة الطريق

علي لفته سعيد

يعدّ “مسرح الشارع” أول مهرجان عراقي تقام فعالياته على قارعة الطريق، والمهرجان الذي أقامته وزارة الشباب والرياضة العراقية بشارع المتنبي بالعاصمة بغداد، بمشاركة خمس فرق عراقية، أريد به كما يقول المشرفون عليه “التخلّص من سيطرة المسارح واستيعاب الجمهور وجعله مواجها للفن ورسالته، مثلما يأتي لتنمية مواهب الشباب وجعل صوتهم الفني في التحدّي وإعلان مسرح الرفض والمواجهة، لكلّ ما حصل في العراق، سواء من الأحزاب والكتل السياسية، أو ممّا خلّفته عصابات داعش من إرهاب وقتل وتدمير للعراق تحت ذريعة الدين”.

خمسة عروض مسرحية كان الزمن فيها لا يتعدى في كل واحدة منها ربع الساعة، إلاّ إن الزمن الذي تحركت فيه أفكار العرض المسرحي أخذت مساحة جيل كامل عاش زمن النظام السابق ومأساة سقوطه وما حلّ بالعراق الحالي، لذا فرضت لغة الاحتجاج هيمنتها على العروض جميعها بطرق مختلفة، بل إن بعض العروض تميّزت بالجرأة في نقد حتى المؤسسات الدينية سواء بصورة علنية أو بطريقة غير مباشرة، من خلال استخدام الديكور المصاحب لها.

ويقول مدير المهرجان محمد عمر رئيس قسم السينما والمسرح “أطلقنا على الدورة الأولى من المهرجان اسم الفنان العراقي الراحل فاضل خليل الذي توفي قبل أيام حيث قرأنا على روحه الفاتحة بشارع المتنبي الحاضن للتظاهرة، لتبدأ بعدها العروض أمام لجنة تحكيم جلست على الأرض لمتابعة العروض شانها في ذلك شأن الجمهور، واللجنة كانت برئاسة المخرج جبار محيبس وعضوية علاء كريم وسعد عزيز عبدالصاحب وعلي حسين حمدان”.

وتباينت العروض ليس من حيث المستوى الذي كان مفاجئا، بل من حيث الرؤية الإخراجية والمعالجة الفكرية للثيمات التي تحملها أفكار المسرحيات التي انطلقت جميعها مما يفكر به الشباب وما يعانيه، فتم إسقاط هذا الواقع على العرض المسرحي، في محاولة للخروج من عنق زجاجة الكبت الذي يعيشه جيل الشباب، ومع ذلك أتت جل العروض مشعّة بالجمال والفكر، بالرغم من عدم توفر تقنيات المسرح الحقيقية كالديكور والإضاءة، عدا ما يصاحب العروض من موسيقى بثّت عبر جهاز تكبير ولابتوب، وهو ما جعل المسرحيات تحمل لونا جديدا في العرض المسرحي.

وحملت العروض المسرحية بين ثناياها العديد من رسائل الاحتجاج والتمرّد على الواقع الذي يحيط ويخنق الشاب العراقي، الباحث عن لحظة الانعتاق منها سواء التخلّص من الحرب أو بالتخلّص ممن تسبّب بإشعال الحرائق، وهو ما أكده عضو لجنة التحكيم علي حسين الحمداني لـ”العرب” بقوله “إنه من الجميل أن يتناول المسرح الشبابي قضايا الوطن وبجرأة، ربما لا يملكها إلّا الشباب أنفسهم، لأنهم ينظرون إلى الأمام حتى لا يخسروا الخطوة التالية، وهذه الجرأة سواء كانت انتقادا للواقع السياسي، أو ما أفرزه الاحتلال والكتل السياسية، أو ما فعله المواطن جاءت لتأكيد حقيقة أن الشباب هم ضحية كل المتغيرات، من خلال عدم الممارسة الفعلية لدورهم في بناء الوطن وما يصادفونه من انعكاسات الخراب السياسي”.

ويسترسل الحمداني “وهو ما يعني أن أفكار المسرحيات سواء منها العروض الحوارية الأرسطوية أو المونودرامية أو الراقصة والبانتومايم، جاءت لتقدّم احتجاجها، وتقول إنها حاضرة في إشاعة الجمال، فضلا عن إشاعة مبدأ الرفض لكل ما هو زائف وفاسد في المجتمع”.

تنوّع العروض ساهم في تنوّع اطلاع الجمهور على أفكارٍ متعدّدة لم تكن تحمل التشابه، فما بين عرض مسرحية “حذائي” و”أنكيدو” و”سيزيف” و”صلاة بعد منتصف الوطن” و”احتجاج”، تنوّعت الرؤى الإخراجية في استمالة النصّ لصالح المكان/ الشارع/ المتنبي/ بيت المحاكم العراقية القديم المحترق، واستمالة الذائقة والتعامل مع خاصيتي العقل والعاطفة في إنتاج وحدات قابلة لتوصيل الرسالة إلى الجمهور الذي هو جهمور مثقّف بالأساس.

ولكن الجامع الذي يجمع النصوص في الأفكار، هو الرفض لكلّ ما هو سائد في الواقع العراقي الحالي، والبحث عن ضوء من خلال فعل الصدمة وردّة الفعل التي منحتها الصدمة التي كانت عميقة على واقع الشباب، إلاّ أنها في جانب آخر كما قال الفنان جبار محيبس، رئيس لجنة التحكيم، “كانت ردّة فعل على العروض المسرحية التي تقدمها الجهات المعروفة في العراق”، والتي عدّها عروضا خاملة.

وأكّد محيبس أنّ “الجمهور بات حاضرا أمام المسرحيات المبتكرة من قبل الشباب، حيث قدمّوا أفكارا وعروضا متنوعة من حيث استغلال الفضاء المكاني من أعمدة وأرض وشبابيك محترقة وجدران متآكلة، وجاء المكان- شارع المتنبي- متناسقا مع الرؤية الإخراجية وما يبحث عنه الشباب، وهذه الفرق الفنية التي ربما سيكون لبعضها شأن في المهرجانات العربية، لم تحصل على دعم في السابق، حيث كانت تقدّم عروضها بصمت، ومبادرة وزارة الشباب أخرجت هذه العروض للشارع ليراها الجمهور فتذهب هي إليه عوض أن يأتي هو إليها، فكان التفاعل رائعا”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى