الصور ترقص برواق عين التونسي

شمس الدين العوني

 

“وهل يدري العشاق أن العين بحر”.. نعم من العين تمضي اللغة الفكرة المتشحة بالسرد. هي العين تروي لحظتها الحاسمة نحتا للعلو في هدأة وغفلة من هذا الضياع المبين حيث الصورة عنوان كلام لا كالكلام ولافتة كبرى للنشيد.. هكذا عن للفتى المأسور بالحلم العيني والمأخوذ بدهشة العدسة وسواد العلبة أن يركن الى الحدائق رفقة الصورة المتعددة في البهاء والأغاني الشجية لا يلوي على غير القول بالأمنية.

من هنا لمعت فكرتان واحدة للذات بعد أكثر من نصف قرن في عناق الآلة وواحدة تواصلا مع الجديد والمستحدث عند الفتية الشرسين تجاه الصورة وتقنياتها الحديثة والفوتوغرافيا في تشظيها الجمالي المتعدد.

هي شواسع العين المفتوحة على الابداع في تجلياته حيث الصورة في حالة من شاعرية الحال بفعل اللعب على الاضافة والتصرف في المتاح من التقنية ليظل الموضوع مفتوحا على دهشة فارقة.

إنها إبداعية المساحة الحافة بالصورة.. نهم بالدخول تدعونا لوحات وأعمال ضمن التشكيل الفوتوغرافي والفني لكل من الفنانين المميزين أحلام محجوب وأنور سفطة ورجاء سعيد وسفيان نواشري ولسعد بن علية وريم بن شيخ وخيرالدين بن حليمة ومحمد العايب الفنان الأمهر على عبارة الشاعر الكبير ت. س. اليوت تجاه صديقه ازرا باوند.

أعمال متنوعة وفيها لمسات ابداعية مبتكرة، فاللصورة هي تعلة للذهاب الى ممكنات جمالية أخرى حيث النور والضوء والخطوط في تداعيات أشبه بالتأليف الفني والتشكيلي. كل ذلك ضمن ” تشويشات بصرية 3 “.

وهكذا .. مجموعة المشاركين في هذا المعرض من المتخصصين والباحثين والجامعيين. فالفنانة التشكيلية ريم بن الشيخ تعرض أعمالا ضمن التقنية الفنية الخزفية التي تعرف ضمن الحالة الفنية اليابانة والتي تشهد مجالات فنية تشكيلية عالية. ووظفت ريم بهذا الأسلوب الفني الجمالي الأعمال المعروضة للقول بعوالم المرأة واستحقاقاتها الحياتية ككائن حالم بالحرية لنجد عناوين مثل “Les Femmes Brochettes” و”المرأة المسلسلة”. وهذه تجربة حرية بالدرس والقراءة بالنظر للطرح الجمالي المغاير والتقنيات والأسلوب الفني.

كما يعرض الفنان لسعد بن علية لوحات مختلفة تتماهى مع الأبعاد الاجتماعية وبشكل مخصوص على غرار لوحة “ولد الغولة”.

ويقدم الفنان خير الدين بن حليمة عملين بالحجم الكبير ضمن مجالات ابتكاراته ورصد الجديد بين الفوتوغرافيا والتشكيل ونذكر “سهرت منه الليالي” كعنوان دال حيث يشتغل بن حليمة بوعي عميق ضمن المسافة السردية الفنية المتاحة من فنون التشكيل الفوتوغرافي.

وبالنسبة للماتر الفنان محمد العايب صاحب الرواق فهو يمضي في دأبه منذ عقود حيث الفوتوغرافيا والتشكيل العنوان الواحد وعمله في هذا اللقاء الفني كبير الحجم وعلى القماش انطلاقا من وعي دفين وحارق بخصوص ممكنات الصورة في مختلف المساحات والمحامل.

ويشارك الفنان سفيان نواشري بعملين فوتوغرافيين كبيرين في سياق البحث في تفاعلات الصورة والتشكيل كما تشارك الفنانة رجاء سعيد بعملين في فنون الفوتوغرافيا حيث التقنيات المختلفة وحضور هواجس المرأة وجماليات أخرى للحرف

وبالنسبة للفنان أنور سفطة ومن خلال عمليه كبيري الحجم تبرز التقنيات الرقمية في صلاتها بالصورة وممكناتها الجمالية الأخرى ضمن التعاطي مع مواضيع تهم الانسان منها الأرض.

الفنانة أحلام محجوب ذهبت بلوحاتها المتعددة في هذا المعرض ضمن أسئلة القناع والوجوه وتعدد الحالات في سياق اجتماعي ثقافي متحول لتبرز مهاراتها الفنية تجاه الذات والآخر وبتقنيات فنية وجمالية بينة.

معرض بدلالات فنية عميقة فيها البحث عن الجديد واكتشاف العادي وهذه مرامي الرواق وصاحبه الفنان الكبير محمد العايب الذي يقول لنا ضمن استراحة بالطابق العلوي لهذه التحفة الغالريهاتية ونعني رواق عين “… لقد تحقق الحلم الذي حلمناه منذ السبعينيات وصارت فنون الفوتوغرافيا تدرس بالبوزار والمؤسسات الجامعية المختصة وصارت هناك دكتوراه واختصاص وصارت الفوتوغرافيا مادة تشكيلية بعد أن كان هناك إقصاء للفوتوغرافيا.

لدينا اليوم مقاربات بين الفوتوغرافيا من ناحية والرسم والحفر والنحت من ناحية أخرى. وهناك جدل بين هذه الخامات والمواد. والاضافة الحاصلة هي أنه صار لدينا عدد من الفوتوغرافيين التشكيليين والمادة تدرس.

في هذا المعرض تفاعلنا مع الصورة الفوتوغرافية من جانبها الابداعي من خلال المعطيات التقنية الحديثة والحصول على أعمال قيمة عبر التكنولوجيا المعاصرة والمؤثرات الفنية والبرمجيات وكل ذلك ضمن بحث. والحصيلة وصوابها سيقول التاريخ الحكم عليها والزمن والنقد…”.

وقبل سنة احتفل رواق عين بضاحية صلامبو بمرور 30 سنة على تأسيسه حيث شهدت سنة 1986 اعلان الفنان محمد العايب انطلاق نشاط هذا الرواق الذي فسح المجال لمعارض الفن الفوتوغرافي والرسم. وصمد الرواق بوجه الرداءة ولم يسقط في المناحي التجارية الربحية بل مثل جهة نوعية وفق رؤية جمالية للعرض وأصبح في السنوات الاخيرة ركنا مفتوحا على الأساليب المعاصرة وفق وعي الفنان العايب الحارق.

أسماء وتجارب متنوعة ومبدعة مرت بالرواق ومنها فيكتور سرفاتي ومختار هنان وبديع شوشان والهاشمي مرزوق. فسحة جمالية اسمها رواق عين تقصدها فتأخذك حدائق النظر وبساتين التمعن وجنان الأعماق.

حدائق صلامبو تسعد كما تونس وفي كل مرة بمحتويات هذا الفضاء وهي تعرض تباعا لفنانين ومبدعين.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى