شاعرات ‘المعلِّقين’ في ظاهرة ثقافية محاطة بالسكوت

حنان بيروتي

 

للشعرِ مكانتُه الرفيعة في قلوب المتلقين؛ فهو همسُ القلب وهسيسُ الروح وصدى الإحساس، وهو فن مطواع قابل للتطوير والتجريب، فمنذ القصيدة التقليدية المقيِّدة بالبحور الشعرية للخليل بن أحمد الفراهيدي وحتى ولادة الشّعر الحر أو شعر التفعيلة وهو يشعُّ من مكانته في سماء الإبداع كنجمٍ لا يدانيه نجم، وصولاً لفوضى المسميات وحالة التخبّط التي يعيشها الشعر بين النثر الفني وافتقاده الموسيقى لكنه يواصل رفعة مكانته في سماء الإبداع وقدرته على التأثير في النفس البشرية، ويحتل مساحته الخاصة كطفلٍ مدلل.
وإذا اختلف المؤرخون في عدد شعراء المعلَّقات التي تتراوح ما بين سبعٍ وعشر، فربما يحارون اليومَ في عدد شاعرات”المعلّقين” في عصر النشر الإلكتروني ويسره والذي يتيح التعليق المباشر على ما يُنشر من نصوص تُدرج تحت مسمى الشعر، وهو فضاء مفتوح ينشر فيه الجميع، وهو متنفس في زمن الاختناق والانكسار النفسي وحالة الخذلان التي يعيشها المواطن العربي تحديدا.
وفضاء التجريب المتاح يفرز أصواتا جديدة بعضها أصيل وبعضها باهت كأنه صدى أو حالة ركيكة من الإدِّعاء… الأمرُ اللافت للنظر هو تزايد عدد الأقلام التي صعدت على سلم “اللايكات” والمجاملات والآراء النقدية المادحة والمغشوشة، وهذه الظاهرة تتضح أكثر لدى فئة يمكن تسميتها بـ”شاعرات المعلّقين” ممن يشدُّهم المظهر الخارجي للشاعرة ومجاملتها ويقدّرون طموحها في أن تكون شاعرة يُشار لها بالبَنان، فيكيلون لها المديح وربما تجد من يساعدها في تعديل ما كتبتْ أو الإضافة على حروفها الذهبية لتصبح سبيكة فنية لا يضاهيها في البناء والإحكام قصائد المعلّقات، والمؤسف أن تجد من بين هؤلاء كتّابا وأساتذة ونقادًا ممن يساهمون في مدح ودعم ما تخطه الأنامل الذهبية.
الكثيراتُ ممن وقعن في فخ الشّعرية الكاذبة لا يتحملنّ إلا جزءًا يسيرًا من المسؤولية؛ ربما لأنّ الإنسان بطبعه يميل للنجاح وتحقيق حلمه في التميز وإثبات الذات، وهو أمر مشروع، أو لعدم المقدرة على الإحتكام لميزان نقدي لغياب الأدوات والثقافة والتجربة الكافية، لكن المسؤولية الكبرى تقع على النقّاد والشعراء ممن مالوا للمجاملة وساهموا في خلق حالة من الفوضى والركاكة وعدم المصداقية وصعود من لا يستحقون منابر أكبر منهم.
الزمن كفيل بغربلة النتاج الأدبي، ولا يمكث في الأرض إلا ما فيه خير لها، ولكن ربما التنبه لهذه الظاهرة أمر يسهم في الحد من تفاقمها ويقلل عدد شاعرات المعلّقين!
فهل تخضع الكلمة لعمليات التجميل؟ وهل تحتمل الموهبة الأدبية الصناعة والمجاملات التي تكون للشخص على حساب النص؟ وهل يمكن أن يزوّر الإبداع؟
أسئلة عديدة تتوالد حول القضية وما نقصد تناوله هو شأن ثقافي بعيدا عن الشخصنة وضيق الأفق فما يستشري في الفضاء الافتراضي باتت أعراضه تظهر على أرض الواقع، نورد بعض التفاعلات والآراء للأكاديمين وكتاب مبدعين والتي تضاربت آراؤهم بين التفاؤل بزوال هذه الظاهرة الثقافية المسيئة وسقوط المدّعين/المدّعيات وبين القناعة باستمرارها، أعتز بها جميعا وأنشرها وفق الترتيب الهجائي:
طرافة التجانس وجمال التشاكل
د.امتنان الصمادي: أشكر لك طرحك لما فيه من طرح يلامس واقعا مؤلما وأشكر لك تسميتك للحالة بشاعرات المعلقين لطرافة التجانس وجمال التشاكل الذي يتقاطع مع القامة الكبيرة في زمن الشعر الشعر (المعلقات) وشتان ما بين وبين فيما وصل إليه الشعر تحت أضراس غير المتمرسين في مضغ الطعام وتمييزه مذاقاته وجودته، ولكن لا تتوقف هذه الظاهرة عند الشاعرات المتشاعرات فقط بل نجدها عند الشعارير أيضا، وكما تفضل زملائي سابقا هذا زمن الانضاج بلا نار.
هذه الأعمال ستسقط في ميزان النَّقدِ الحقيقيِّ
الشاعرة أمل المشايخ: الفكرةُ عميقةٌ وحقيقيةٌ وتعكسُ واقعًا مرّا جاءَ به الفضاءُ الالكترونيُّ، بحيثُ أصبحَ المدَّعون أكثرَ من الحقيقيين، وسامحيني إنْ قلتُ: إنه زمنُ التَّسيَّبُ الإلكترونيُّ الذي جلبَ هؤلاءِ الشَّواعرَ والمتشاعرين الدُّخلاءَ، أما المعالجة فجاءت عميقة كما الفكرة وبما يليق بها من تأنٍ وهدوء ساهم في توضيح الفكرة وجلاء جوانبها وتقليبها على أوجهها المتعددة، اما اللغةُ فهي لغةُ المبدعةِ حنان، اللغةُ التي أعرفُ، لغةٌ جمعتْ بين الرَّصانةِ والشَّاعريَّةِ بحيثُ تنبدّدُ المللَ والسأمَ عن القارئ وفيها آياتٌ للسّائلين، إن إصرارَ الكثيرين على أنْ يكونوا كتّابًا وشعراءَ ظانّين أنَّ ذلكَ يصنعُ نجوميَّةً جعلَ هذا الفضاءَ يزخرُ بالغثِّ على حسابِ السَّمينِ، بلْ أصبحْنا نجدُ صعوبةً في تمييزه، وينضوي تحتَ هذا الموضوعِ – أيضًا – السِّرقاتُ الأدبيَّةُ التي جعلتْ عددًا من الأصدقاءِ ينشؤونَ صفحاتٍ لفضحِ هؤلاءِ الأدعياءِ الذين يحاولونَ أنْ يأخذوا شهرةً على حسابِ غيرِهم من المبدعين في هذا الفضاء الإلكتروني، والسَّببُ أنَّه لا شروطَ لإنشاءِ حسابٍ على هذه المواقعِ، فكلُّ ما عليكَ أنْ تدخلَ اسمًا – وإنْ كانَ مستعارًا – وكلمةَ مرورٍ.
وبالطَّبعِ يشكو عددٌ من الأصدقاءِ ممَّا يُنشر على مواقعِ التَّواصلِ ويرون أنَّ كثيرًا منه غُثاء لا طائلَ تحته، ويشكو آخرون منْ أنَّ هذه الملصقاتِ تحظى بأعدادٍ كبيرةٍ منْ علاماتِ الإعجابِ، وفيضٍ من التَّعليقات قياسًا بموادَّ حقيقيةٍ لا تحظى بنصفِ ولا ربعِ ما تحظى به هذه الملصقاتُ (الرَّديئةُ) والذي أراه أنَّه لا ينبغي أنْ يقلقَنا ما ينشرُ على مواقع التَّواصل وإنْ هبطتْ سويَّتُه الفنيَّةُ؛ لأنَّ هذه الأعمالَ ستسقطُ في ميزانِ النَّقدِ الحقيقيِّ الذي هو فنٌّ بنكهةِ العلم، له مقاييسُه وله شروطُه؛ وحينئذٍ لنْ يُعتدَّ بها وإنْ تراكمتْ؛ لأنَّ الزَّبدَ يذهبُ جُفاءَ، وما ينفعُ النَّاسَ يمكثُ في الأرضِ.
الكاتبة أمل زقطان: فعلا هذا الفضاء أوجد مجموعه كما سميتها أنت شاعرات المعلقين، جمال قصيدتها من جمال صورتها، والمأساة الأكبر ان عددا كبيرا كما قلت من الأدباء الكبار ساعدوهن على تصديق الكذبة.
الذكور يسقطون في هذا الوهم أيضا
الشاعرة ايمان زياد: دعينا نضيف مسألة الشعراء أو الكتّاب المعلقين ايضا لأن الذكور يسقطون في هذا الوهم أيضا. اضافة إلى الإشارة أن هذا النجاح هو وهمي ويحدث تحت وقع الاتفاقيات الضمنية مثل أنه اللايك باللايك ومثل تقديم التنازلات مقابل خدمات التصليح والتعديل.
اتفق معك في كل ما قلت وأنه لا يبق في الوادي غير حجارته، ولكن الكاتب أو الكاتبة الصادقين لا يملكون جميعا نفس المستوى من الصبر للابقاء على صراخ اقلامهم بشكل حر، وأن كل ما تقدم الخاسر الوحيد فيه هم الذين يوهمون بأنهم شعراء فيسبوك ويفتخرون باللايك. أكثر ما يزعجني أنهم يخرجون للمنابر العربية والدولية ويقرأون نيابة عن أوطانهم.
من أمراض الساحات الثقافية
الكاتب باسل رفايعة: الحكمُ النقديُّ على إنتاج المرأة الأدبي في معظمه الآن يتعلّقُ بها شخصيا، وليس بما تكتبُ، وقيمته الفنية.
ذلك من أمراض الساحات الثقافية، ولا سيما في الأردن. أقرأ تعليقات لـ”نقاد” على محاولات شعرية وقصصية بسيطة لكاتبات، إِنْ لم أقل ساذجة، وأتساءل عن دوافع المديح والإشادة، وأعرف جيّداً أنَّ الدوافع هرمونية ذكوريّة ليس أكثر.
غياب النقد الجاد
الشاعر حسن منصور: لعل السبب الكبير في استشراء هذه الظاهرة (ظاهرة تكاثر أدعياء الشعر والكتابة) هو غياب النقد الجاد الواعي وانتشار المجاملات و(الشللية) سواء القائمة على العلاقات العامة المختلفة أو القائمة على العقلية العشائرية، هذا بالإضافة إلى عوامل كثيرة ذكرتها في كتابي (نقد النقد) الذي طبع العام الماضي… ولعل صوتك هذا يسهم في التنبيه إلى ظاهرة الهبوط في المستوى العام للثقافة والتي نتج عنها ظواهر مؤسفة لعل من أهمها (شاعرات المعلقين)، وهي تسمية موفقة ولكن أضيف إليها صفةً هي (الرُّعَناء).
ليست موجة وتعبر
الكاتبة جواهر رفايعة: ظاهرة مسيئة للشعر والكتابة كرسها النقاد او الكتاب او المعلقون الرجال بالتحديد.. ومعروفة طبعا الأسباب ولا داعي لذكرها.. يؤسفني أن أقول إنها ليست موجة وتعبر ولا مؤشرات على ذلك.. ربما في يوم تتأصل الرداءة وينزوي الإبداع بعيدا وتنتفخ البالونات الشعرية أكثر وأكثر.
نوع من العطر المغشوش
د. راشد العيسى: هو تشخيص لظاهرة ثقافية فاقعة محاطة بالسكوت… هذه الظاهرة سائدة في كل الدول العربية الآن بسبب تعدد مواقع الإتصال الاجتماعي وسرعة النشر وسهولته، سواء كان النص الرديء المنسوب للشعر لرجل او امرأة فهو نوع من العطر المغشوش سرعان ما يكشفه العطارون الخبراء… انهم وأنهن يضحكن ويضحكون على انفسهم.. ثمة تبادل للخدائع والمرايا المهشمة… كلا الشاعرة المزورة والناقد النفعي ذو مكاسب سريعة الزوال… فقط لنشفق عليهم وعليهن في ظل هذه الفوضى والحرية السائبة… انها لذة الوهم.
اللايكات لا تصنع شاعرا أو شاعرة
الكاتب رشاد أبو داود: قلت للخالد محمود درويش مرة وكنت في زيارة له بشقته في عمان برفقة الصديق الشاعر زهير ابو شايب: يؤخذ عليكم انتم شعراءنا الكبار انكم لا تأخذون بيد الشعراء الشباب. احتد رحمه الله وقال: ابدا.. مش صحيح .. من كان موهوبا فانه يفرض إبداعه علي وعلى الشعر نفسه.
أوردت هذه المقدمة لأقول إن اللايكات لا تصنع شاعرا أو شاعرة. لكننا نعيش في زمن الفاست فود حيث يعتقد البعض أن القصيدة تؤكل سريعا وترمى وان “الديوان” بنطلون جينز وقميص شفاف يغري ويغوي ويعلق في فترينة تحت لافتة الشعر والأدب.. والإعلام.
المجاملات على حساب الإبداع الحقيقي
الشاعر عبدالسلام العطاري من فلسطين: هذا الأمر القديم الجديد، والسؤال الدائم الذي وصل حد الإبتعاد عن طرحه بسبب ما وصلت إليه الأمور من حالة لم يعد هناك جدوى من طرحها، ومع أن مسألة الكتابة هنا على هذا الفضاء مسألة لا نستطيع الحد منها او منعها لأننا لا يمكن أن نكون أوصياء متسلطين وقمعيين لمن يرغب ومن يحاول الكتابة او التعبير عن حالته العاطفية بما تحمله هذا الحالة من تنوع من العاطفة.
ولكن السخط الذي يجب أن يصب جام غضبنا عليه هي تلك المجاملات على حساب الإبداع الحقيقي ما خلق حالة مشوهة للأدب بشكل عام واختلط الحابل بالنابل والجميل بالقبيح وهذا كله بسبب غياب النقد الحقيقي البنّاء، وغياب المصداقية الحقيقية لرؤية النص من جوانبه الإبداعية وغياب محاكمة النص على حساب الشخص.
وربما أقول إنّ هذه المسألة لا تتعلق بجانبها الأنثوي فحسب وإنما تشمل ايضا الجانب الذكوري. فثمة من يكيل المديح بغير محله لنص أنثوي باهت وأيضا ثمة من يكيل المديح لنص ذكوري باهت.
مجموعة ممن يتمسّحون على جدران بيت القصيد الشامخ
الناقدة فاطمة نصير من الجزائر: تجاور الرّداءة والجودة وانتشار ما بينهما من مراتب في أصناف الكتابة الإبداعية، ليس ظاهرة عصرية بل كان منذ البدء، منذ الحضارة الإغريقية التي خلّفت آثاراً خالدة، ومنذ أيام العرب الأولى حيث كان الشعراء يدبّجون القصائد وينقّحونها حولا كاملا، ليتمّ عرضها في سوق عكاظ الشهير ثمّ يتمّ ترشيح أجود القصائد لتكون معلّقة عند صدر الكعبة، حيث يطوف الحجيج، وبالطبع كان النّقد في تلك الفترة نقداً انطباعيا غير معلّل منطلقه الأساس الاستحسان والاستهجان وإن كان ثمّة تعليل فيكون لفظيا واللغويا وبلاغياً، رغم غيوب علوم اللغة والبلاغة والنحو آنذاك لكن العربي كان يحتكم إلى الصواب من خلال العرف والذوق والسليقة.
لم تظل الأمور كما هي شعرياً ونقدياً، بل شهدت تحوّلات عديدة كان للبيئة والتاريخ والتطوّر الدّلالي للألفاظ وغيرها إسهام في ذلك وهو أمر طبيعي جدّا إذ لا فنّ من الفنون ظلّ على هيئته الأولى، لكن ثمّة تجاوزات عديدة طرأت على الشّعر وما هي من الشّعر في شيء، ومنها وجد المدّعون منافذ للولوج إلى مملكة الشّعر بدعم من أصوات وجهات استسهلت الأمر وعدّته إسهاماً في الحراك الأدبي والثقافي العصري.
في زمننا الحالي، زمن التقنية، زمن السرعة المذهلة، صارت النصوص تقرأ طازجة حيث يكون القارئ خلف شاشة والكاتب خلف شاشة أخرى، زمن العولمة، زمن المدوّنات، زمن مواقع التواصل الاجتماعي والوسائط التكنولوجية المتعدّدة، كلّ هذه التغييرات من شأنها أن تحدث تغييرات على مستوى النّصوص التي تكتب، فليس منطقيا أن يكتب كاتب ما في القرن الواحد والعشرين بلغة وخيال وصور وألفاظ شعراء القرون الغابرة، هذا ما أخضع القصيدة العربية لتحوّلات عبر مسار الخط الزمني، من القصيدة العمودية الموحّدة من حيث حرف الروي والقافية وتشابه الصّور المستلّة من بيئة مشتركة إلى قصيدة المنفتحة التي تحرّرت من الوحدة العضوية وأحدثت تنويعا على مستوى حرف الروي والقافية إلى شعر التفعيلة وبعدها قصيدة النثر.
هذه الأخيرة التي شهدت جدلا كبيراً وتراوحاً بين القبول والرّفض،مع أنّها جزء من مسار التحوّلات التي مرّت بها الكتابة الشعرية، وفي خضم هذا الجدل القديم الجديد حول قصيدة النثر تسلّل مجموعة ممن يتمسّحون على جدران بيت القصيد الشامخ، ليكتبوا كلاماً لا يصنّف حتّى في خانة الخربشات، ولكن يسمونه شعراً، ولكن الشّعر منه براء، يسمّونه شعراً وينشرونه في مدوّناتهم وصفحات الوسائط التكنولوجية ويستقبلون تعليقات وتعقيبات الاستحسان كلمات الدّعم والتبشير بميلاد شاعر(ة).
وكثيراً ما يكون ذلك دافعاً لصاحب التدوينات ليذهب بها إلى الطباعة بعد أن يضيف لها شيئاً ممّا يجعله في هيئة كتاب، كإضافة بعد النّصوص من نفس المستوى أو أقل مع تزيينها بمقدّمة أو تصدير بقلم نقدي، تنشر تلك النّصوص في كتب سريعة التحضير كالسندويتشات، ويجدون التصفيقات الحارّة من حولهم والتشجيع والتكريم والتبجيل.
هذا على مستوى بعض وسائل الإعلام أو في صفحات الانترنت، لكن برأيي أنّ ظاهرة الكتابة وكثافة انتاج الكتب في الشّعر وغيره ظاهرة صحيّة فهي تتيح للقارئ الحقيقي أن يفرز ويفتّش وينقّب عن المكتبات الورقية والالكترونية عن ضالته المنشودة، بعيداً عن الأجواء الصّاخبة التي تفرز له الكتب بطريقة عشوائية استعجالية في أحيان كثيرة.
معلقو الفيسبوك
د. صبحة علقم: التقيت بإحداهن وعرّفتني بنفسها أنها شاعرة وعندما طلبت منها القراءة ارتبكت وسألتها من قال لك بالشعر قالت معلقو الفيسبوك.. علينا مواجهة هذه الظاهرة ولكن للأسف بعض أدعياء النقد يتواطؤون.. لأن وزر هذا اللقب سيطيح بصاحبه.
من ليس لهم صلة بالأدب أصبحوا أدباء
د. صلاح جرار: فعلا أصبح النقد والأدب كلاهما ضحية المجاملة الزائدة والزائفة حيث عمت الركاكة والضحالة، وزادت وسائل التواصل الاجتماعي الطين بلة عندما أصبح كل من ليس لهم صلة بالنقد نقادا فنجم عن ذلك أن كثيرا ممن ليس لهم صلة بالأدب أصبحوا أدباء وربما أدباء مرموقين.
النفاق النقدي
د.محمد حسين السماعنة: النفاق النقدي الذي يجامل في أحكامه وتحليلاته حتى النفاق ويزين ما لا نفع فيه ولا له، ولا طعم له ولا لون ولا يغني ولا يسمن من جوع أدبي لتحصل به قصائد تافهة على آلاف الإعجابات وتترك قصائد عالية متقنة راقية بلا نقد بل بلا قراءة لا شك أن لغتنا وأدبنا بشعره ونثره يمران بأزمة عميقة من أسبابها القارئ والكاتب والناشر والناقد وهذا إنعكاس طبيعي لوضعنا الحضاري والثقافي والسياسي.
التردّي الأخلاقي والفني والثقافيّ
د. مريم جبر: لكل زمن صانعو مظاهره المختلفة، ومنها صناعة النجوم والمشاهير، سواء توافرت لها الأسباب أم لا، غير أن ما يسّرت له تقنيات العصر ووسائل التواصل المختلفة فاق كل الاحتمالات والتوقعات، وربما تكون السهولة والمجانية والانفتاح وإغواء تحقيق المكتسبات الخاصة السريعة، كلها ربما أسهمت في ما آل إليه الحال من التردّي الأخلاقي والفني والثقافيّ، ما جعل اللايك الطائر والتحرّش المغلّف باللغة الأدبية الناقدة وألفاظ المبالغة المبهرة الفارغة من مضامينها أدوات اصطياد وإيهام وقتي لا شك زائل لحظة يوضع نتاج صناعة الإيهام على محك الواقع وتضارب المصالح وهشاشة البناء، يستوي في ذلك صانعو هذا المشهد البائس تذكيراً وتأنيثاً.
لوبي الفيسبوك
الكاتب محمد مشّة: هو نفسه زمن الشللية الورقية تحت مسميات كانت عدة تسمى بأسماء مختلفة يربطها التوجه الأيديولوجي حينا والمصالح الشخصية حينا أو ما يطلق عليه اسم المدرسة الابداعية والمزاج الواحد، نجده قد انتقل لعالم صفحات التواصل الاجتماعي باسم المجموعات المسمى معظمها تجنيا بالإبداعية ما أدى إلى ظهور ما كان يسمى بالأصوات الانتخابية والشللية يسمى الآن بالمعلقين واللايكات.
الزمن نفس الزمن والحالة نفسها وما تغيرت إلا بعض ملامح الوجوه، إنه لوبي الفيسبوك خاصة وهناك ما يسمى بالإعلان الفيسبوك الممول لجلب الإعجابات والتعليقات ما لا يقل عن خمسة آلاف تعليق واعجاب في أقل من اسبوع مقابل ثمن، وهناك ذوات الصورة الفاتنة الجاذبة شبه العارية، وهناك دعوات التوسل على الخاص للتعليق والإعجاب والنخوة.
تتكشف حقيقة الإبداع الكاذب
الناقد موسى أبو رياش: ستبقى للشعر مكانته الأثيرة الخاصة لأنه يخاطب الروح والمشاعر والوجدان، مع التأكيد أن كل ما يُكتب تحت اسم شعر ليس شعراً بالضرورة.
أما ظاهرة “شاعرات المعلقين” فهي من أمراض العصر وآفات الإنترنت ومواقع تواصله التي تتقن النفاق بامتياز. والمديح المجاني الزائف لا يقتصر على الشاعرات فقط، بل كل ما تكتبه النساء عموماً، مع الأفضلية للشكل بالتأكيد. وهذا يعبر عن عدم أهلية المعلق وعدم موضوعيته وفراغه الثقافي.
صحيح أن هذه الظاهرة معيبة، ولها آثار سيئة وخاصة نفخ الشاعرات والكاتبات بحمل الإبداع الكاذب، ولكن سرعان ما تهب رياح المنصفين فتقشع الزيف والنفاق والخداع، وتتكشف حقيقة الإبداع الكاذب، الذي لا أشك أن كل شاعرة/كاتبة تشعر به منذ البداية وإلا لم تكن أنثى سوية، ولكن “الغواني يغرهنَّ الثناء”.
هذه الظاهرة الخادعة ستزول يوما ما ويتم كنسها
الروائي يحيى القيسي: ساهم الفيسبوك بشكل غير مباشر بالزيادة المفرطة لأدعياء الأدب شعرا ونثرا إذ ان التواصل الاجتماعي السهل والمباشر بين الافراد عبر الصفحات ومن خلال الرسائل الالكترونية ايضا شجع الكثيرين على التورط في الكتابة نظرا لما يلاقيه المرء من نعمة معنوية وشهرة نفسية من قبل المتابعين كونه من الأدباء.
وهذا الأمر ساهم في تشجيع كثير من الأدعياء على الكتابة الفجة دون مرجعيات حقيقة من موهبة او ثقافة عميقة او قراءة حتى في مجال الأدب نفسه، زد على ذلك مسألة النقاد التافهين والمتحمسين الأوغاد كما أطلقت عليهم ذات مقال الذين يشجعون الكاتبات المبتدئات لأسباب لا علاقة لها بالابداع بل لأمور شخصية وتحرش مبتذل، وكل ذلك ساهم في ايجاد العديد من هؤلاء الادعياء والدعيات ممن لا يجيدون كتابة جملة واحدة صحيحة ولا يعرفون من الساحة الثقافية الا اصدقاء الفيس بوك.. وبالطبع فإن هذه الظاهرة الخادعة ستزول يوما ما ويتم كنسها لأن من لا جذور له لا يبقى طويلا.
“جدارتهم” مشتقة من معجبين افتراضيين
القاص هشام بستاني: اتفق مع الكاتبة أن ثمة “اعتداء” سافرا يقع اليوم على الكتابة القصيرة، من شعر وقصة، على يد كتّاب وكاتبات لا علاقة لهم بالكتابة، “جدارتهم” مشتقة من معجبين افتراضيين، ومشهد انهارت “المعرفة” فيه، وصعدت التسلية على حسابها (ومن هنا صعود الرواية).
ثمة انهيار مجاور للنقد والنقاد، وثمة لهاث لأشباه كتاب وأشباه نقّاد رجال، خلف “كاتبات” نساء لأغراض مفهومة للجميع.
أنا لست مع الرّقابة على أي شكل من أشكال الكتابة، حتى الرديئة منها، ولكني مع نقدها نقدًا عميقًا لا هوادة فيه، وهذا ما نفتقده اليوم، إذ يخجل كثيرون من النقد، ويبتعدون عما يظنونه “سلبيّة”، منضمّين إلى السيل المنهمر من الناس “الكيوت” و”إيجابيي التفكير” ممن سيقضون على النقد والتفكير النقدي قضاءً مبرمًا.
الوعي الثقافي مازال موجودًا
الشاعرة وفاء جبور: عندما تتجه البوصلة نحو الشهرة والضوء سيموت الشعر وتسقط معه الكلمة، لكنني متفائلة جدًا؛ فالوعي الثقافي مازال موجودًا، يكفي أن نرى انحياز الأدباء الحقيقيين وابتعادهم عن دائرة الضوء لندرك أن الثقافة الحقيقية مازالت بخير وإن لم تأخذ مكانتها.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى