الصورة شعرية كانت أم سينمائية تمتلك سحر الغواية

كاظم مرشد السلوم

 

ربما تكون الصور الشعرية المتدفقة في مجموعة الشاعر عدنان الفضلي هي التي أغوتني للكتابة عنها، أنا المسحور بالصورة السينمائية والمتخصص بالنقد السينمائي اصلا، فالصورة شعرية كانت ام سينمائية تمتلك سحر الغواية، فهي حين تكون مجسدة في السينما تغوي الجمهور في متابعة خيالات من يتماهون معها، في حين أنها توفر المجال الخصب لتخيلها في الشعر وبالتالي يتبعها الغاوون، من هنا اراد الفضلي ان يسحبنا الى عالم الشعر من خلال دفق صوري هائل، لعب فيه دور المخرج السينمائي مستدعيا اصدقاءه الخلص لمشاركته عمله الشعري هذا.

فهو يستدعي صديقه صباح محسن عارضا عليه صورة شعرية تمتد لعقود عن وجه جد لا ادري لماذا تصورته وجه كل أجدادنا السومريين المفعمين بالاسى وهم البلاد ” وجه جدي../ يغمز الحقول والعباءات/ ويمد عصاه../ لينقذ مدينة غرقت في السراب/ منذ قصرين ونيف../ كان كوخ جدي يومىء للتراب/ ويقترح النهارات والغيوم/ ضمانا.. للضوء والظل”.

وليعرض على كاظم غيلان صورة لربيع أجلته النوافذ، ماهذا العنوان؟ هل تؤجل النوافذ الربيع وهي التي تنتظره دائما؟ ام هي نافذة كاظم غيلان نفسه التي افتقدت ومازالت تفتقد لربيع ينثر الندى فوقها.

الناهشون.. افواه النوافذ / يعرشون../ كمداخن منهكة/ تسربل دخانها../ حتى لاكتها الظلمة/ ابا غيلان

لماذا الآن../ نطعم ابناءنا التشبث بالصمت؟/ لماذ .. اقداح السومريين../ تقرع على مسامع الله/ ولا يزورها النادل..؟ .”.

لقد ادخل الفضلي كامرته الشعرية من خلال نافذة كاظم غيلان الى فضاء الحزن والخيبة التي رافقت غيلان كما رافقتنا جميعا، واستطاع ان يحركها ببراعة المخرج السينمائي من خلال لقطات “سينما شعرية” اسرة لا تغفلها العين ولا الأذن ليطرح بعد ذلك عليّ انا كاتب السطور مجموعة من الصورة الشعرية المفعمة بالامنيات التي نتمنى ان تكون واقعا لكنها ضرب من المستحيل من خلال شريط صوري:

أبا فيروز: / اذا الله.. / فضّ بكارة الغيمة العراقية/ وانزل القطر ممزوجا بدم الشهداء/ اذا المسيح.. / ترجل عن صليبه/ وأوقد في خاصرة الجرح شمعة/ اذا العراق../ تفتقت دمامله/ تركل القيح باتجاه الشرق/ اذا الاحمر.. / انتفض على ذاكرته” وهكذا يستمر في طرح اسئلته من خلال صور شعرية لينتهي بـ: اذا العين والراء والألف الشامخ.. / يلتصقن بقاف لا تتقلقل/ ابا فيروز/ اذا ما حفظنا كل هذا.. / ايصير في قبضتنا غير العراق؟.

ليتركني اتامل هذا الدفق من الاسئلة ، الصور ،الامنيات ، متأملا بما “آل اليه العراق وآل العراق”.

بعد ذلك يستدعي الفضلي صورة الشاعر ريسان الخزعلي، حاكيا له عن غواية الساعات، تلك الساعات التي تغوي الخزعلي فيدلف اليها مستنشقا عبق دخانها مستمتعا بضجيج اصوات من ينتمون اليها، وهو المحب لرفقة الاصدقاء “يا أيها الذي تغويك الساعات اللزجة/ أجعل حفيف يدك .. / يصلح شسع نعل المعجازات / دون أن تترجل عن الاسئلة”.

ولا ادري لماذا يخشى الفضلي من تعطل كامرته “اليهم قبل تعطل أوردتي” فيصور كل اصدقائه الحميمين في اطر من الجمال والحب، راسما لهم صورا تتحدث بصدق عن كل واحد منهم.

صور الفضلي الشعرية كانت مختزلة الازمنة غير المهمة، كما هو حال الصور السينمائية لذلك جاء شريطه الشعري انيقا غير مترهل، فهو مقتصد في المفردة يختار منها الدالة المعبرة ذات الترميز العالي المؤثر، تاركا للقارئ تفسير ماوراء النص الصوري الشعري.

أنا متأكد ان الفضلي يمتلك فيضا شعريا كبيرا، ولن يكون هذا الشريط الشعري هو الافضل له بل ان الخبرة وتراكم المعرفة مضافة الى الذائقة العالية التي يتمتع بها ستنتج اشرطة شعرية جديدة، تحوي آلاف الصور المبهرة التي تتحدث عن الوجع السومري وعن هذيانات الفضلي اليومية التي تنتابه محركة شيطان الشعر الكامن فيه منذ ولادته.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى