عن الليل والعتمة يكتب القاص والكاتب ”ناصر الريماوي“

-ناصر الريماوي-

 

ما الذي يمكن أن يحدث لرجل وحيد عند الساعة الواحدة فجرًا؟
هو الآن يجلس على أريكته الخزفية بلا سجائر، يحدق في شلال العتمة الهاطل من حوله، وينتظر.
يشرد مع الوقت، يرقب عقارب الساعة وهي تنحدر ببطء سخي نحو فخ الواحدة.. ويخمن في قلق..

 

***

 

الليل، هو كائن بسيط وساذج،
بل ومرعوب أيضا. سواده الحصري محض ذريعة صبيانية، للنوم في حضن أحد.

 

***

 

عند الثالثة ليلًا…
تسقط المدينة بأكملها ككتلة صماء، مشلولة، عديمة الملامح وخالية من كل شيء، تسقط منكسرة، بساحاتها المقفرة وحوانيتها الموصدة، وإشاراتها المرورية العالقة على التقاطعات كبقايا ذكرى مؤلمة لا لزوم لها من فيض النهار.
تأخذني الطريق المعتادة إلى الأسواق، ألمح أبوابها غارقة في العتمة والفراغ، مقفلة، مهجورة، أستعيد فوضى اختناق الطريق بالمركبات، وأواصل ببطء ممعنا في أحجية التسّوق عند الأغلبية، حتى يعلو الصراخ خلفي، أنطلق مسرعا، مخلفا ورائي سحابة من غبار الطريق، أنظر في المرآة… قطيع من (الأحياء – الأموات) يركض خلفي، بوجوه حانقة، ملطخة بالدماء، بضائع كثيرة، راح أغلبها يتساقط عن تلك الأجساد ويضيع في غمرة الطريق، تعثّر أغلبهم بها، وأنا أخذتُ أضحك من هول السكون ورائي، وهلع الأحجية.

 

***

 

الوميض المفاجىء لكاميرات الهواتف النقالة.
أضواء الحافلات البعيدة وهي تنعطف بحزم مروري أخاذ وعابر.
مصابيح البيوت وهي تقنن واحة الوهج كي لا تعتدي على حرمة الطريق.
أعمدة الانارة حين تلقي بنورها الشاحب وسط الشوارع في لحظة صدق نادرة.
جمر “الأراجيل” الصاخبة وهو يلسع الليل فوق “برندات” السهارى. 
رهافة النجوم من شرفات السماء، وهي تستدير حول سحنة القمر ، كلما أطل الليل.
كلها انتكاسات ضوئية خطيرة.
وقد تصيب العتمة الجميلة في مقتل..!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى