جبين يابس.. ل -لبنى دهيسات-

-لبنى دهيسات-

 

المستقبل ما هو إلا القشة التي نسير إليها..

نحن الغارقون في الأرض التي أمطرت دمعاً علينا وابتلعتنا من أصغرنا إلى أكبرنا بعدما صار الدمعُ بحراً..

نركض في المسافات التي أعطتنا قدمين صغيرتين، والطريق أطول من مدانا، ومدانا تجرع الخيبات كلها باسم البطولة الزائفة، والبطولة التي هتفنا باسم قضيتها منذ أن كنا صغاراً عندما نقر الطير فوق رؤوسنا وبعد أن تركنا بلعنا ريقنا من جديد وصمتنا وكان مراً بائساً، وضعونا في أكياس محكمة الإغلاق ليتاجر غرابٌ بنا..

الغريب أن هناك يدان تصفقان لمقاول، وأخريات تصفقن لخائن، وأخريات تصفقن لمناضل أعطوه في المساء بضع كلماتٍ ليلقيها في المسيرة العظيمة، كلنا هتفنا وكأننا نهتف للمرة الأولى وجبيننا يابسٌ لم يطله ندى،

ووحدها الدمعة أمنا كانت تحترق..

 

**

 

يخترق الصدى المبهم أذني..

طفلاً وفي سبيل الحياة حفظت خارطة العالم كلها عن ظهر قلب..

كنت كصغيرٍ يتقاسم دهشة الأزرق والأخضر مع دفتره الجميل، وأعيد رسمها بعفوية وأنا أفكر كيف سأطير فوقها كلها إذ لم أكن جمعت في حصالة النقود ما يكفي بعد لشراء جناحين.

كنت أجمع قطعاً نقديةً وأضعها في حصالتي كلّما حصلت على شَيْءٍ منها ، وكانت ترتطم في قاعها وتترك صوتاً أحبّه ظل يقرعُ في أذني حتى كبرت، وكأنّه ينبهني إلى شَيْءٍ ما، ينقر في رأسي وكأنني الشجرة الكبيرة ذات الساق العظيمة والتي لا يكلّ الحطاب وهو يضربها، أظنني كنت مُعدّاً للنقر وكانت الأغصان تهوي واحداً تلو الاخر، والصوت ذاته وصداه يقشر لحاء الوقت الذي يشبه تلك الشجرة راسخٌ ثقيلٌ منذ وقت طويل منذ أمد بعيد، منذ كانت الطفولة دفتر رسمٍ وألوان.. وصوت ورقٍ أقلبه بفرحٍ في الدفتر الذي لم يزل فيه الكثير من الصفحات الفارغة لألونها كلها…

أغفو عند آخر ورقة أتخيلها أمامي ، فأرى فيها كهلاً شاحباً كخيالٍ يلوحُ بيده ثم يطبقها ويبسطها ثم يشير لي بشيءٍ ما يشبه جناحين حلمت يوماً بشرائهما وأظنه كان يُرِيدُ أن يذكرني عرفت ذلك بعد أن اختفى، ورأيت فأساً في يده تشبه تلك التي يستخدمها الحطاب ويخلف وراءه صدىً في الشجر على هيئة ندبٍ وقطعٍ مترامية هنا وهناك من الخشب..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى