دروس .. ل ”شيخة حسين حليوى“

-شيخة حسين حليوى-

 

• جدّتي البيضاء قصيرة القامة كانت راعية ماعز.
تعلّمتْ بقواها الذاتيّة ورغم أنف جدّي، وبفضل تأمّلات فلسفيّة عميقة
عن صمود الماعز في بيئة بشريّة.
علّمتني أنا وخالتي أنّ للماعز كرامة، لا أذكرُ الطريقة ولكنّني صدّقتها.
كانت تجلّ الماعز السوداء، وتستلطف البيضاء أيضا.
وجدّتي لم تسمّ الأشياء يوما بمسمياتها.


• أبي، رحمه الله، تعلّم العزف على رأسه، وهذا ليس تعبيرا مجازيا.
أبوه، جدّي، الّذي اعتقد أن الموسيقا هي طعنة في صلب الرجولة البدويّة كسر العود على رأس أبي.
وهو ببساطة تعلّم كيف يلملمُ شظايا العود وشظايا روحه. أكمل العزف في الأحلام.
ظلّ طوال حياته يفاخر بأن “عودا في الرأس” هو هبة من الله لكلّ عازف مبتدئ.
على هامش خسارته تعلّم اللغة الروسيّة فقط من خلال فحص بول أسبوعيّ تجريه له ممرّضة روسيّة حسناء.
وأنا اعتقدتُ أن بياته المتكرّر في المشفى كان حجّة لدروس إضافيّة.


• أمّي أطال الله عمرها، تعلّمت من التجربة والممارسة كيف تقلبُ المسنين في أسرّتهم دون أن تكسر عظامهم، كيف تعطيهم الدواء وكيف تتحايل على الطبيب المُناوب. بعد عشر سنوات من العمل اكتشف أن أمّي أميّة. شغلهُ سؤال واحد: أين درست التمريض؟ وهي تردّ: وهذا طبيب حمارٌ آخر.
كانت تمسكُ الروشيتة بالمقلوب وهي تعرف أن توقيع الطبيب في أسفل الورقة فقط لتثبت أنّ الطبيب حمار.
كنت أقرأ سيلفيا بلاث وقصائد إباحيّة قديمة بصوتٍ عالٍ، وهي كانت تُسكتُ الدجاجات لأنّ ابنتها تدرس لامتحان في جغرافيا الجسد.


• جدّي كان كسولا عابسا. كلّ صباح كان يُرسل جدّتي للبحث عن إجابات بسيطة لأسئلته المُعقّدة. تعود بإجابات فيشتمها، الأسئلة المعقّدة المفتوحة على كل الاحتمالات كانت محرّكا وجوديّا مهمّا.
وهو عاش طويلا.


• وأنا بعينين كبيرتين اخترتُ مدرسة راقية تغلق فمي وتغطّي عينيّ.
كنت محظوظة وأنا أعود في نهاية النهار إلى قرية معتمة
أبحثُ عن الضوء
أتأملُ الوحل والنجوم
آكلُ أعشابا غريبة
لم أتعلّم الدبكة البدويّة
ولا التمييز بين الخبيزة الغبراء والخبّيزة الصالحة
تعلّمت شيئا واحدا مهما
كيف تنتصر الماعز السوداء في بيئة ديمقراطيّة خرساء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى