من أجواء رواية ”حتى آخر العشق“ للروائية ”منال الربيعي“

من أجواء الرواية - خاص "الجسرة"

-خاص-

 

انتبه يوسف إلى أن أزقة المدينة الرومانسية والدافئة تزيدها رقة أنواع الزهور المنتشرة بكثرة على جوانبها، ويجعل عطرها منتشرًا في الأجواء طوال الوقت، خلقت هذه الجولة تآلفًا غريبًا مع هذا المكان، وكأنه ينتمي له، أو على الأقل جزء منه.

قرع يوسف جرس الباب، ولم يجرؤ أحد سوى أمير على استقباله، كانت لحظة صمت رهيبة، عندما دخل إلى البيت، ووقع نظره على ابنته مدى، وحبيبته حسنا.

كان من المفروض أن تتقدم مدى لإحتضان والدها، لكنها تجمدت في مكانها رغبة منها في تأمله، كأنها تريد أن تعوّد عينيها على صورته لتحفظها وتخزنها في ذاكرتها، أما هو فقد بدا ضعيفًا، هشًّا، يحتاج لجرعة حياة ، وجدها في حضن ابنته التي بادرته بدموع صامتة استمرت لدقائق، حاولت بها  غسل جروح الماضي، أما حسنا فكانت كالصنم  الذي يقف  على باب الماضي وذكرياته المؤلمة: قطع صمتها صوته الذي لم يتغير عليها منذ سنين قائلاً: ”حسنا كيف حالك“؟

لم تستطع إجابته فورًا، فقد أخذتها لحظات، استطاعت بعدها أن تستعيد صوتها وتقول:”أنا بخير“.

هل صحيح أنها بخير؟ وهي منذ دخوله باب المنزل، شعرت بأنه عاد كي يطالبها استرجاع  قلبه الذي أودعه أمانة لديها  طوال هذه السنين، نعم كانت مخلصة ووفيّة، له وتحبه من دون أي مقابل، وهو اليوم يرجع ببساطة كي يسترد منها كل شيء، ابنتها وقلبها وحبها .

أي جاحد هذا الرجل الذي سلبها الماضي، وحجر لها على الحاضر، وهو يقف أمامها بوقاحة ليطالبها برد الدين الذين دفعته… وحدها .

لم تسقط نظراته عنها وهو يصافحها، كانت كمن يسترد عمرًا أضاعه في لحظة طيش، أزعجتها  عنجهيته وثقته بأنها انتظرته طويلاً، لكنه على حق بتفكيره  والدليل أنها تقف قبالته عاجزة عن الشعور بالكره أو الحقد والنقمة التي طالما اعتقدت أنها تضمرها له، بل على العكس، هي لا تزال تنظر له بنفس العينين التي أسرتها منذ كانت طالبة مفتونة باستاذها وهي على مقاعد الدراسة، صحيح أن السنين تركت على وجهه كل آثارها السلبية، والعمر زحف واثقًا تجاهه وجرّده من شبابه  وبعض وسامته، ولكنه لم يحرمه قدرته على التأثير بالمحيطين به، والدليل أن قلبها مكث في غرفة الإنعاش ثلاثة وعشرين عاما ً في غيابه ولم يتعب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى