قصائد من “ديوان موراريا”: لهذا أُسامحك أيّها القارئ

ماريو بوخوركيس

في “ديوان موراريا”، يتأسّى الشاعر المكسيكي ماريو بوخوركيس بالشاعر الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا الذي أراد أن يُكرِّم شعراء غرناطة – آخر ممالك الأندلس – من خلال “ديوان تَماريت” والذي يدين باسمه لقرية نائية في ريف غرناطة كان لوركا يتردّد عليها وكان بها بستان لأحد أعمامه يُعتقد أنه المكان الذي ألهمه قصائد هذا الديوان الصادر سنة 1940 أي بعد أربعة أعوام على اغتياله. وما بين “ديوان موراريا” و “ديوان تماريت” ليس مجرد تماثل في رمزية المكان والعنوان فقط بل هو أكثر من ذلك بكثير.

إن كلا الديوانين يمتحان من الشعر الشرقي عناصر عديدة سواء من حيث الشكل أو المضمون. فديوان لوركا يتألف من 21 نصاً، منها 12 غزالة (Gacela) و9 قصائد (Casida) وذلك سيراً على منوال الشعر العربي والفارسي، فالأولى (الغزالة) يُقصد بها القصيدة الغزلية تحديداً، أما الثانية فهي لفظة إسبانية من أصل عربي اختارها الشاعر عن وعي كامل وهو يريد بذلك تكريم الشعراء الأندلسيين. أما بالنسبة لديوان بوخوركيس فله نفس الشكل مع اختلاف عددي طفيف، فهو يتشكل من 13 غزالة و9 قصائد أي بغزالة زائدة.

ويتبين من خلال الديوانين أيضاً التأثر الكبير بالشاعر الفارسي حافظ الشيرازي، الذي اشتهر بغزلياته المترجمة قديماً وحديثاً إلى مختلف اللغات الأوروبية ومنها الإسبانية.

قصيدةُ الخُيَلاء

إليّ قد جاءتْ بألْفِ بوقٍ من دَوِيِّها الكاذب
فعطَّرتْ يَدَيَّ أبخِرَتُها الباطلة.

لهذا أُسامحُك أيُّها القارئُ
إذا ما لمْ تَفهمْ
معناها العميق

■ ■ ■

قصيدةُ السُّخْط

غاضبٌ وتائهٌ
في هذه الخميرة المُرّة، من حيثُ
يشتعلُ قلبي اليوم
لا أدري هل اليومَ فقط أم دائماً
ونبضٌ رهيبٌ
يَحرقُ في جزعٍ
فسفوراً وشظايا خشبيّةً
مبللةً بالراتينج
سُخْطاً.

سخطاً يُسمَّى
هذا الانزعاجُ الزائغُ،
والغيظ الذي تُخلِّفُه الدِّماءُ
حينَ تَعْبرُ من عضوٍ إلى عضوٍ آخر.
يا لَهُ من طوافٍ دمويّ!
ويا لَهُ من سُمٍّ
إذا انقلب على نفْسهِ، يُلوِّثُها!

ربّما سُخْطٌ،
أو غثيانُ جورٍ؛
لكن كلّا، مُؤكّدٌ أنّهُ سُخطٌ
نَعمْ، وبسالةٌ وغضبْ.

■ ■ ■

قصيدةُ التأجيل

الحياةُ تخدعُنا، تُجبرُنا
على الركض وراء الأشباح والمظاهر
وفي أعلى الرغباتِ، تستحضرُنا
إلى استعراضِ ظلالٍ عبر الظِّل.

الحياةُ تخدعُنا،
تستدعينا
واستدعاؤُها الوحيدُ يُشيِّبُنا
وفي لحظةٍ واحدةٍ تتجمّدُ النارُ
داخل حماسةِ أعضائِنا.

تخدعُنا الحياةُ
تخدعُنا
تُقرِّبُ الثمرةَ المُشتهاةَ إلى أعيُنِنا
فيصيرُ الفمُ الجشِعُ ماءً
والقلبُ، كأنّهُ “تَنْتالوسُ” يحترقُ،
يُمطِّطُ رقبتَهُ المعطّلةَ
فيُهلكهُ العطش.

■ ■ ■

غزالةُ ما قبل الحب

لأنّي وضعتُ في يديكِ هيكليَ ذا الظلال
نما الرُّعبُ في عينيكِ المفتوحتين
يا غزالة الأيام، يا غريقة جسدي.

لأنّ اشتياقي يُهذِّبُ فَخْذكِ العاصف
نما أثرُ أسناني على كعبك
أيّتها الغزالةُ، يا ثلجاً ناعماً، مقضوماً وموجوعاً.

لأنّ الجوانحَ، أيّتها الغزالةُ، ترتعشُ في خصرك
تنمو أجنحةٌ من نارٍ في حافركِ الحارق
أيّتها الغزالةُ الغدّارةُ، يا قفزةً في رُمحي.

لأنّ مداعَبةً تجرّأتْ بلسانها عديمِ الحياء
نما في بطنكِ بُستانٌ من زبَدٍ
أيتها الغزالةُ، يا حُبّي، يا غزالةُ لن يَمَسَّكِ خَوفي.

■ ■ ■

غزالةُ الخوف

آهٍ يا غزالةَ الخوفِ،
إنّ الصدرَ يُغرقهُ حافرُك!

■ ■ ■

غزالةُ ما بعد الحب

لا تغتمَّ أيّها الشاعرُ، إِنْ طارَ جسدُها
أو طارَ بستانُ بطنِها المُنكَّه
أو طارَ فخِذاها المُمتلئانِ، ذلك اللحمُ القاسي،
أو طارتْ عيناها المرعِبتانِ أو طار فَمُها
أو حُلمُها وقِصّتُها أو حُبُّها وسريرُها
أو أسنانُها الناصعةُ البياضِ وتنُّورَتُها المنفوشة
إنْ طارتْ حقّاً، فليس ثمّةَ ما تغتمُّ لأجْله
سيكون هنالك دَوْماً قلبٌ يمنحُها المَسكنَ
إِنْ طارتْ، طارت.

■ ■ ■

غزالة الجذور السوداء والعليلة

1
يا لها من جذورٍ سوداء
ويا لمرارتها
ويا لها من عليلةٍ
جذورُ الحلمِ
الذي كنتِ تبْرُزين فيه واقفةً
أنتِ أيّتها الغزالةُ
بزهرةٍ متفتِّحةٍ بين أصابعك.

2
يا لها من سوداء
قُلتُها
ولكنّ الحقيقةَ
أنّهُ مِن الأفضلِ
القولُ
يا لها من ذاكرةٍ مظلمة
ويا لَصوتي
المُجوَّف.

3
يا لها من ذاكرةٍ مظلمة
ويا لصوتي
المُجوَّف
في ذلك الحلمِ
الذي كنتِ تبرُزين فيه واقفةً
أنتِ أيّتها الغزالةُ
بزهرةٍ متفتِّحةٍ بين أصابعك.

4
يا لها من ذاكرةٍ سوداء
ويا لها من جذورٍ مظلمة
ويا لمرارتها
ويا لها من عليلة

5
بزهرةٍ
متفتِّحة بين أصابعكِ
كنتِ تبرُزين
واقفةً
وكانت هنالك هاويةٌ
بين بطنِكِ الغزاليّةِ الخِصبة
وبين مداعَباتِ يديَّ المشتاقة.

■ ■ ■

قصيدةُ الأنا

قلبٌ مسرور
غناءٌ مسرورٌ مِن بين الأطلال
تدميرٌ مسرورٌ، مسرور
هذا كانَ أنا
هذا كانَ يُغنّي هكذا.

■ ■ ■

قصيدة الحسد

1
كم مرةً تمنّيتُ أن أكون ظِلّاً لآخرين
أن أكون ذلك الظلَّ المسكين الممدودَ إلى رأس الزاوية
والمُمرَّغَ في الوحْلِ
كي أُزهرَ في تمام منتصف نهارِ خجلي
عند أقدام ظِلٍّ آخرَ أكثرَ سفالة.

نعم، لقد أقمْتُ بروجاً وأفزعْتُ خنادقَ حامضة
ولكنّ كُلَّ طوبةٍ وكلّ حديدٍ مُلَيَّن
هما علامةُ أسنانِ الحسدِ غير المرغوبِ فيه.

2
وتذَهَّبَ حينئذٍ قلبي في الدَّيْجورِ
فكانَ شرابهُ يُزرِّقُ الكيرَ المتبجِّح
واستمدّتْ روحي السوداءُ بياضَها كلَّهُ من الأحمر
كانت كلُّ ضربةٍ قلقاً وكراهيةً وبلادة
والرغبةُ المؤجَّلةُ ناراً شديدة
تنسكِبُ كالماءِ في اليدين.

3
كان السِّندانُ يتحمّلُ مطرَ مطارقه
وإيقاعي الرئويُّ كالكيرِ بالكادِ منتفخٌ
قلبيَ الزجاجيّ، روحيَ السوداء، كورُ الحدادة
آه، يا له من التهامٍ ويا له من فيلقٍ متفجِّرٍ
من نيرانٍ وكبريتْ!

ذهبٌ وأزرقْ، من ذا الذي يُحَشِّي خِرطالهُ المُنضَّج
ومن ذا يَنْظُمُ ملامحَهُ القِشديّة؟

4
لا تهُمُّ القِصةُ
فنسيجُهُ الحريريُّ العالي
يُعلن شُهباً اصطناعيّة.
لن يهُمَّ ولا يهُمُّ
رِكابُ ثَوْلِهِ
الرَّقاصيُّ المُشتعلْ.

الحسدُ ظفْرٌ يُصدِّئ
آهٍ يا قلبُ مِن أسنانه!

* Mario Bojórquez شاعر مكسيكي من مواليد عام 1968. له تسع مجموعات شعرية، من بينها: “ديوان موراريا” (1999، الصورة) و”الرغبة المؤجلة” (2007). حاز بوخوركيس جوائز شعرية عديدة في المكسيك وإسبانيا وأميركا اللاتينية، وترجمت قصائده إلى الفرنسية والإنكليزية والبرتغالية والإيطالية وغيرها. وهو من شعراء اللغة الإسبانية الذين يَدعون إلى الاعتراف بالأثر العربي على شعر وثقافة العالم الهسباني.

** ترجمة عن الإسبانية: علي بونوا

* المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى