المعرض الاستيعادي للتشكيلي المصري أحمد عبد الوهاب: حالة فنية تحاول وصل ما انقطع

 

محمد عبد الرحيم

ربما تأتي أعمال الفنان المصري أحمد عبد الوهاب ــ من مواليد عام 1932، والحاصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2002 ــ ضمن الحالات القليلة في التشكيل المصري الحديث، التي تحاول جاهدة التأصيل والتواصل مع الفن المصري القديم، لا من سبيل الدعاية أو التلفيق، كما العديد من التجارب الفنية المصرية، ولكن من خلال الروح الفرعونية التي يحافظ عليها الفنان إلى أقصى حد، من خلال فن النحت في الأساس، وحتى بعض أعمال فن التصوير. هذه الرؤية التي تتواصل في أعمال عبد الوهاب، مع الحفاظ والتأكيد على جماليات بصرية محددة، تتضافر ووجهة حداثية وتتفق مع مدارس الفن الحديث، تأتي على رأسها التكعيبية، بدون التعامل الحَرفي والمدرسي معها، بل من خلال المزج التراثي والحضاري المصري مع هذا التيار الفني الحديث. هذه الأعمال التي أُتيحت مشاهدتها في المعرض الاستعادي الذي أقيم مؤخراً في قاعة (أفق) في متحف محمود خليل في القاهرة.

الزمن

يحاول عبد الوهاب من خلال منحوتاته أن يتعامل مع الزمن وكأنه فعل مستمر، بحيث يصبح الماضي والمستقبل كلاً واحداً، بدون تقسيمات معهودة مختلفة، أما اللحظة الآنية ــ وهي لحظة وهمية بالأساس ــ فلا يستشعرها المتلقي، لأنه سيصبح أسير هذا الإيقاع. فكل المنحوتات تحيل إلى تواصل مع ذاكرة بصرية تجوب المعابد والجداريات المصرية، وحتى الشواهد الفرعونية في الميادين. الأمر الأكثر دهشة يكمن في أعمال التصوير ــ البورتريهات ــ فمع الحفاظ على أشكال ونسب الوجوه التي تحيل إلى الوجه الفرعوني، فإن خلفية هذه اللوحات تأتي كمساحة لونية كاملة، فينتفي بذلك المكان، وبالتالي يسقط الزمن المحدد لصاحب البورتريه، رجلاً كان أو امرأة.

الحركة والسكون

يستوحي الفنان أحمد عبد الوهاب من تفاصل وجه (أخناتون) معظم منحوتاته ولوحاته، سواء وجه رجل أو امرأة، نظراً لمكانة أخناتون في الميثولوجيا المصرية ــ رغم الخلافات التقيمية لتجربة أخناتون ــ هذه الرؤية التوحيدية هي التي تجعل هذه المنحوتات في حالة ثقة وسكون تامة ــ أشبه بصلاة دائمة ــ وأن مفردات الكون تتخيلها تدور في فلك الشخصية الفنية. هناك حالة من الثقة والرسوخ وتناغم ما بين الشخصية والطبيعة، حالة دائمة من التصالح، إلا أنها لم تكن حالة مؤكدة من البداية، لكنها مجاهدة وبحث، حركة نفسية وعقلية بالأساس، وهو ما أدى إلى العمل من خلال عدة مدارس فنية حديثة، أهمها التكعيبية لما تتيحه من خيال وإيحاء أكثر من كونه تجسيدا مباشرا للشكل.

التواصل

ويقترب عبد الوهاب أكثر من رؤيته هذه، فالمرأة ذات الوجه الفرعوني، قد تبدو نفسها في لوحة أخرى في زي عصري، فالتكوين وتفاصيل اللوحة لا تخرج عن إطار لوحات الجداريات في المعابد والمقابر الفرعونية. كذلك يبدو هذا التواصل أيضاً في أحجام المنحوتات، التي خلّصها عبد الوهاب من الضخامة التي كانت تميز منحوتات ملوك الفراعنة، لتتراوح ما بين الأحجام المتوسطة والصغيرة في الغالب، وبالتالي تصبح أكثر تعبيراً عن جموع الناس، مع الإيحاء دوماً بوجود حالة من التشابه بين العمل الفني وبعض ملامح الناس العادية، فجدارية قديمة لامرأة تحــــمل بعضا من الزهور، قد تصبح فتاة تطل من نافذتها في حارة شعبية.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى