«أوفر بروفة» عرض مسرحي قدمه مكفوفون … الواقع السياسي العراقي بين الجدية والسخرية

علي لفتة سعيد

لم تكن مسرحية (أوفر بروفة ) عادية، فقد اجتمعت كل الاشياء الغرائبية في هذا العرض الذي قدمه ممثلون مكفوفون لفرقة هي الاولى من نوعها ليس في محافظة كربلاء مكان العرض وليس في العراق زمن الحكاية، وإنما في العالم. فقد تمكن 13 مكفوفا مع مخرج مسرحي أكاديمي، ومؤلف انتهج في كتاباته السخرية ليجتمعوا في فريق عمل واحد لينتجوا عرضا مسرحيا قدم على قاعة القصر الثقافي وسط كربلاء. مكفوفون يصمدون امام فقدان البصر، يحملون بصيرتهم، وهو ما جاء على لسان أحدهم في حواره مع مخرج المسرحية، وهم يدعونه الى ان يخرج لهم مسرحية هم ابطالها فيسألهم ان المسرح بحاجة الى حركة وانهم لا يرون من مكان المسرح شيئا فيجيب المكفوف ان كل شيء لديهم من نعم أخرى حتى لو فقدوا كل شيء ليس البصر بل اليدين والقدمين والاذنين وذا حرموا منها جميعا فان اللسان هو المدافع الحقيقي عن الشعب. هذه العبارات تعد معادلاً لفكرة المسرحية التي كتبها لؤي زهرة، واخرجها علي الشيباني تعتمد كما يوضح عنوانها على انها مسرحية داخل مسرحية. فهؤلاء هم الأقدر على قول الحقيقة والنقد الصادم الذي لا يمكن ان يقوله المبصرون، تلك العبارات التي يسردها المكفوفون على انها محاولة لحث الناس على القول على الاقل وليس القبول بالرفض الصامت لما يحصل على الخارطة السياسية.

العرض

مجموعة مكفوفين يقدمون عملا مسرحيا يمازج ما بين وجود نصٍّ وعدمه، ويقوم المخرج بعمل بروفة لهم على رقعة شطرنج، وهي دلالة على ما وصل اليه الشعب من تحولهم الى أحجار شطرنجية يحركها الساسة، فيظهر مع تحرك الضوء ورفع الاغطية انها أحجار رقعة الشطرنج المصنوعة من خشب حولها الى كراسٍ يجلس عليها الممثلون ويتحركون وفق ما هو معروف عن الاحجار، فيوزع المخرج الادوار على الممثلين فهناك الملك والوزير والفيل والحصان والقلعة والبيدق/الجندي. فيما كانت رقعة الشطرنج قد رسمت على الارض وقد أحيطت بأضويةٍ ملونة صغيرة لتبدو اكثر وضوحا على حركة الممثلين. وحين يتم اطفاء الاضوية كردة فعل على انهم عميان يسقط المخرج وهو الوحيد بين ممثلي الخشبة المبصر ويتم تكسير زجاج المصابيح لانه لم يعد يرى شيئا.

لذا فان الفكرة تكمن في أن المخرج يطلب من كل ممثل أن يؤدي دوره، فيظهر هناك المتملّق حيث يبرز بجرأة كبيرة وانتقاد لاذع وتأشير لكل السلبيات حتى الدينية منها ومن بين الممثلين من هو الطفل ابن الشهيد حيث يخاطب المخرج ان والده رجل بسيط تم اعدامه لأنه يبيع وكان هناك شخص يأكل ولا يعطي وحين طالبه بالمال رفع تقريرا الى الاجهزة الامنية وتم اعدامه لأنه ذكر القائد بسوء. وهناك صاحب حمار الذي مات لأصابته بنوبة قلبية فتحدث ضجّة بين الممثلين الذين يتساءلون عن سب النوبة، فيتم نقد المجتمع نقدا لاذعا بما فيها ذكر البطالة وعدم وجود التعيين وهجرة الشباب وقمع الحريات، في محاورة جميل .. ( لماذا مات الحمار .. هل هو مهندس ولم يجد تعيين، هل هو طالب ولم يجد مدرسة أو رحلة، هل هو مريض ولم يجد مستشفى) لكنه مات لأنه اكل من مزبلة قذرة. وحين يقول احد الممثلين ان على صاحبه ان يبحث عن عمل أخر للحمار فيقولون له ليكن وزيرا في هذه الحكومة، وهو الامر ذاته حين يقول الوزير حين يطلب منه تبديل دوره الى صاحب الحمار انه لن يعطي دوره لأحد مهما كانت والتضحية وهي اشارة الى تمسك السياسيين بمناصبهم. ثم يأتي ممثل ويقول انه لا يعرف سوى ان يلطم ويردد الشعارات الحزينة. وهناك الفيل الذي ينقلب على النص حين وجد نفسه انه على الجميع ان يكونوا مثل رقعة الشطرنج فيطالب بالانسحاب من هذه المسرحية لانهم يرفضون ان يكونوا أداة بيد ملك او سلطان حتى لو كان على شكل مسرحية. فيما يصرّ صاحب دور القلعة على القول (انه رأى كل شيء) فيسأله المخرج من هو الذي رأى؟ يجيبه. انه سيعلم ذلك بعد حين. ثم نكتشف ان الطفل هو الذي رأى، وهي اشارة الى الاهتمام بالطفولة وانهم ضوء المستقبل وعدم تركهم (عميان). لتنتهي المسرحية بتحول المخرج الى مكفوف وهو الوحيد الذي لم ير المجتمع كما رآه المكفوفون.

الجانب الملحمي

اما المخرج علي الشيباني فذكر أنه عمل على تطوير النص والمشاركة بإعادة كتابته، وصولاً لما يطلق عليه (نص العرض) وهو نص مجاور للنص الاصلي وفيه رؤية اخراجية ضمن ما يطلق عليه النص الملحمي، ويشير الى ان هناك موضوعة تعد القاسم الاكبر للعرض حين ضمنت النص مقولة ان الجميع ممثلون باستثناء بعض الممثلين وهي اشارة الى ان المواطن العراقي بات يعرف ويدرك ما هو فيه ولذا من الواجب ان تعمل مع كل الناس باتجاه المسرح باعتباره هو الحياة. ومن هذه النقطة تم التعامل على انهم ممثلون ولديهم الرغبة بالانفجار بابداعهم، وهم بحاجة الى ورش وتدربت معهم الى مدة شهرين واكثر. ولفت، حاولت قدر الامكان ان أشغل المسرح لذا وضعت مجموعة ايقونات من أجل اقامة عرض مسرحي، وتكون ادوات مسرح، ولذا لا مبصر معهم للتعاون وتنظيم الحركات إلا انا الممثل الوحيد وهو المخرج داخل المعرض. وما بين الجدية والسخرية كان تعاطف الجمهور. لم تنس المسرحية الروائي العراقي علاء مشذوب، الذي اغتيل قبل اسابيع في مدينة كربلاء. وقد تم ارسال رسالة مفادها ان الرصاص لا يقتل الابداع وقد اضاف المخرج مشهدا حين تم جلب الدراجة الهوائية الخاصة بالمغدور لتكون مقلوبة ومضاءة وتحمل نتاجه الروائي الذي اضاء المكان.

فرقة السرج

من جانبه اوضح رئيس الجمعية وممثل الفرقة عثمان الكناني ان الجمعية تأسست عام 2016 ومعها تأسست فرقة السرج وهي تضم 52 عضوا من المكفوفين تم اختيار 13 مكفوف للمشاركة في العرض المسرحي ولدينا امرأة مكفوفة واحدة لم تشارك في العمل لانشغالها بالحصول على شهادة الدكتوراه. ويضيف اننا وجدنا أنفسنا لنتحدى العوق من جهة ونثبت ان الفن هو رسالة الحياة وبإمكاننا التمثيل وان نرى الامر مثلما يراه الجميع ولو بطرق مختلفة. ولفت الى انه سبق للفرقة ان قدمت العام الماضي مسرحية (نحن هنا) وهي ايضا من تأليف لؤي زهرة وكانت رسالة الى ان المكفوف جزء من الحياة ويراها بجمال.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى