«مشاهير أدباء العالم» للعراقي كاظم سعد الدين: كامو العنصري وكافكا الصهيوني وحكايات أخرى

شكيب كاظم

كتاب ضخم مادة وحجماً ، إذ يشتمل على ست مئة وأربعين صفحة، حرره وترجمه العراقي كاظم سعد الدين، الذي ظل على مدى نصف قرن ينفح المكتبة العراقية والعربية بالجميل والمهم، كتابةً وترجمةً. وله العديد من المؤلفات المهمة مثل، «كبار الكتاب كيف يكتبون؟» 1986، رواية «الأقرباء الأبعدون» لكارلوس فوينتس، «قصائد مختارة» للوركا، وكتاب «الأدب العربي» للمستشرق الروسي فيلشتنسكي.

مشاهير أدباء العالم

ويأتي كتاب «مشاهير أدباء العالم. ذكريات وحوارات» الصادر عن دار المأمون للترجمة والنشر في العراق، ليقدم للقارئ مكتبة متنقلة ضافية، فيها مثابات من أدب العالم، مثل طاغور، بوشكين، دستويفسكي، تشيخوف، إيتماتوف، هرمان هسّة، بودلير، كافكا، سومرسيت موم، جورج أورويل، تنسي وليامز، والكاتب الدنماركي الذي كان من أوائل من كتب لعوالم الطفل هانس كريستيان أندرسن

أندرسن

ولد اندرسن في أودنسا سنة 1805، هذا الذي جلس عند نعشه ملك الدنمارك وولي عهده ووزراء، أندرسن هذا الطويل الهزيل، الذي كان يتعرض لسخط مدير مدرسته الابتدائية، واصفاً كتاباته الأولى، بأنها لا تصلح إلا لسلة المهملات، واصل ما بدأ به بإصرار، هو الذي تنبأت له العرافة بأنه سيكون له شأن أي شأن، وهو ما حصل حقاً، الطريف في الأمر، أن هذا الفتى الخجول، المصّر على أن يصبح شيئاً مذكوراً، وقف عنده التأريخ الأدبي طويلاً، وما ذكر اسم الملك الذي جلس عند نعشه يوم مات، ما يؤكد أن نتاج العقول أبقى وأدوَم من المناصب والمكاسب الدنيوية. العرافة هذه التي تنبأت بمجريات حياة أندرسن اللاحقة، تذكرني بالعرافة الأمية البصرية، التي تنبأت بمصائر السياب، ومهدي عيسى الصقر، ومحمود عبد الوهاب، ومحمود البريكان، وسعدي يوسف، وقد صح حدسها فيها كلها.

همنغواي هندي أحمر

وإذ نقرأ الفصول التي ترجمها عن الروائي الأمريكي الشهير إيرنست همنغواي المولود سنة 1899، فإن أفضل الفصول هو الفصل الذي كتبه شقيقه لستر وستعرف، ولأول مرة الأصول الهندية الحمراء لهمنغواي، إذ يبوح بهذا السر لشقيقه، كما نطلع على تفاصيل تحويل روايته «الشيخ والبحر» إلى فيلم بعد الاتفاق مع سبنسر تريسي ليقوم بدور الشيخ، ويتولى إخراجه ليلند هيوارد، والبحث المضني عن سمكة عملاقة يمكن الإفادة منها عند تصوير النهاية التي آلت إليها، بعد مهاجمة سمك القرش لها، وإذ لم يعثروا عليها، فقد التجأوا إلى حِيَل هوليوود السينمائية، وفي هذا الفصل نتعرف إلى الكتّاب الذين كان همنغواي يعجب بهم، ونذكر منهم أورويل وجون دوس باسوس والشاعر أرشيبالد ماكليش. فضلاً عن تعاطفه مع الثوار الكوبيين، الذين كان يقودهم فيدل كاسترو. كما يقدم كاظم سعد الدين، ترجمة لما كتبته آخر زوجاته الأربع ماري ويلش، الصحافية التي عاشت معه منذ منتصف أربعينيات القرن العشرين وحتى انتحاره المدوي فجر الأحد الثاني من يوليو/تموز1961، هو الذي بدأ يعاني في سنواته الأخيرة، أزمات نفسية وتصورات عدمية، وارتيابا من الناس.

بوشكين

وفي فصل آخر ينقل سعد الدين، ما كتبه أساطين الأدب الروسي عن الأديب ألكسندر بوشكين، الذي شاء حظه العاثر أن يتزوج امرأة فاتنة الجمال، فتجلب أنظار الرجال، وحتى القيصر نيقولا الأول (1796-1855) الذي ينقل زوجها من وزارة الخارجية إلى مقره عاهداً إليه وظيفة حاجب مخدع نومه، كي يتمكن من اللقاء بنتاليا، زوجة بوشكين، وسيقع في عشقها شاب من نبلاء فرنسا، اسمه جورج دانته ويبدأ الناس يلوكون سمعة بوشكين متهمين إياه بالدياثة، فيطلب بوشكين مبارزته دفاعاً عن سمعته وشرفه، وفيها يصاب بجرح يودي بحياته سنة 1837 وعمره 38 سنة.

كامو الوجودي العنصري

ويأتي فصل عنوانه «شخصية العربي في أدب البير كامو» جاء للحديث عن ألبير كامو الفرنسي المولود في الجزائر سنة 1913، وقد شكل في بداياته ثنائياً وجودياً مع المفكر الفرنسي الوجودي سارتر، وإذ عرف سارتر بدفاعه عن المظلومين في العالم، ولاسيما ثوار الجزائر منتصف خمسينيات القرن العشرين، فإن كامو كان على الضفة الأخرى تماماً، معادياً للعرب، ومؤيداً الاستيطان الفرنسي في الجزائر، بوصفها جزءاً من التراب الفرنسي! وقد تجلى ذلك في تصرفاته وتصريحاته، فضلاً عن أعماله القصصية والروائية «المنفى والملكوت»، «الغريب» و»الطاعون» وغيرها.

حقيقة كافكا

في شهر يونيو/ حزيران من سنة 1979، أصدرت مجلة «الأقلام» العراقية عدداً مهماً خاصاً بالأدب الصهيوني، كتب فيه كاظم سعد الدين دراسة عنوانها «حل رموز كافكا الصهيونية» فضلاً عن ترجمته لقصة كتبها فرانز كافكا (1883-1924) عنوانها «في مستوطنة العقاب»، وقد استرعت هذه الدراسة العميقة اهتمام القراء والباحثين، فكتب أحمد الحكيم تعليقاً عنها نشر في العدد ذاته، كما ألفت الباحثة العراقية والقاصة بديعة أمين كتاباً مهماً عنوانه «هل ينبغي إحراق كافكا؟» سنة 1983، وهو كتاب أعود إليه مراراً لأهمية الشخصية المثيرة للاهتمام واختلاف الرأي، وأعني كافكا. وفي «مشاهير أدباء العالم» يأتي فصل بعنوان «حقيقة كافكا. أي حقيقة تلك التي يبحث عنها كافكا؟» إذ يعاود سعد الدين مناقشاته مع الباحثة بديعة أمين من جديد.

هل كان كافكا صهيونيا؟

ظل سعد الدين يؤكد صهيونية كافكا، واقفاً عند قصصه، ومحللاً رموزها، هذه النصوص الإشكالية ورموزها الموغلة في التعمية، وهذا ناتج عن الخوف الذي عاش فيه يهود أوروبا واضطهادهم، فلجأ إلى هذه اللغة، فضلاً عن رواياته القصيرة مثل «المسخ» و»المحاكمة» التي حولت إلى فيلم سينمائي كان بطله الممثل الأمريكي أنطوني بيركنز. في حين ظلت بديعة أمين تزيل عن كافكا كل ما علق به من غبار الصهيونية، بحجة أننا يجب أن لا نخسر أديباً شهيراً بحجم كافكا وذيوعه، لكن هذا سبب غير مقنع فكافكا لا يمكن إلا أن يكون قريباً من أفكار أهله وقومه، ودفاعه عنها مما يأتلف مع طبائع الحياة والأشياء، ولماذا نصف من يتخلى منا عن مبادئه ومثله وقيمه ودينه، بأقذع الصفات وننعى على كافكا إن لم يتخل عنها ودافع عنها؟
ولنقتبس نصاً واحداً من الصفحة 323.. ففي تحليله لقصة «تحريات كلب» يقف عند قول كافكا «لم نكن نحن الذين ينبغي أن يتحملوا الإثم، وإننا بدلاً من ذلك نستطيع أن نسرع بصمت بريء نحو الموت، في عالم جعله الآخرون مظلماً، لا شك أن أجدادنا الأوائل حينما تجولوا كانوا لا يكادون يمتلكون أي فكرة عن أن ضلالهم سيكون لانهائياً». ويعلق كاظم سعد الدين: «أي أنهم حسب رأيه، يعيشون في عالم جعله الآخرون مظلماً، علاوة على الأسباب الأخرى، فهو يدعو إلى نبذ هذا العالم، عالم الشتات، عالم الظلام إلى عالم آخر». وأؤكد أنه يقصد بـ(الآخرون) الأوروبيين الذين أذاقوا اليهود مرَّ الاضطــــهاد، فما الضير في أن يدعو كافكا إلى نبذ الظـــلام والشـــتات؟ وهل هناك في الدنيا أحد يرغب في الظلم والظلام والعيش في الشتات؟ لكن يجب أن لا يكـــون هذا الشــتات على حساب شتات شعبنا الفلسطيني وظلمه وتهجيره.

إيتماتوف الانتهازي

وفي القسم الثاني من الكتاب يترجم كاظم سعد الدين مجموعة من الحوارات مع العديد من الأدباء والكتاب مثل: إيتالو كالفينو، والشاعر السوفييتي يفكيني يفتوشينكو، والروائي جنيكز إيتماتوف، الذي كان من أوائل من تحدث عن الصعوبات التي عاناها الاتحاد السوفييتي، والتي ستؤدي به إلى الانهيار والتفكك، بسبب القيادة المركزة وغياب كل مظهر من مظاهر الديمقراطية وإبداء الرأي، قائلاً: اعتقد أن السعادة في الاشتراكية يمكن تحقيقها فقط في ظل ديمقراطية كاملة يتعذر إلغاؤها، تتخلل جميع مجالات الحياة الاجتماعية والوجود الشخصي، موجهاً الانتقاد إلى سياسة ستالين واصفاً إياها أنها أصابت الاشتراكية بضربة مرعبة وعطلتها، معـــترفاً بجــــرأة أنه كان في العديد من قصصه ومقابلاته انتهازياً، لأنه ما كان بمستطاعه قول الحقيقة، واضعــين في الحسبان أنه أدلى بتصريحاته هذه أيام آخر الرؤساء السوفييت غورباتشوف، الذي دعا إلى المراجعة والمصارحة.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى