كتاب «ملحمة الدم والحبر»… أحوال المصريين في حرب أكتوبر

محمد عبد الرحيم

«أخي المواطن.. قواتنا المسلحة تواصل تحقيق النصر في معركة التحرير، والاكتتاب في سندات الجهاد يحقق أمل الشعب في النصر والتحرير، فائدتها السنوية 5.4 ٪، معفاة من جميع الضرائب، لا يجوز الحجز عليها، ومدتها 10 سنوات». (من نص الدعوة لشراء سندات الجهاد).

كانت ولم تزل حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973 حالة فاصلة من حالات الصراع العربي الإسرائيلي ــ رغم تباين النتائج ــ وبعيداً عن الخطط العسكرية والأبعاد السياسية، يأتي حال المجتمع المصري خلال أيام الحرب، كيف كان وكيف عاش المصريون هذه الأجواء، من خلال استقراء إحدى الجرائد الرسمية ــ جريدة «الأخبار» ــ ومحاولة رسم تفاصيل هذه الحياة، هذا ما حاول الكتاب الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، والمعنون بـ «ملحمة الدم والحرب.. (الأخبار) دفتر أحوال المصريين في أكتوبر 1973» لطارق الطاهر، رصده وفق الشكل الشائع الآن ــ الموضة ــ من أشكال الدراسات الثقافية، أو التأريخ من هذه الزاوية. قدّم للكتاب محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث في جامعة القاهرة، لافتاً إلى طبيعة المجتمع المصري «الذي عاش حياته اليومية بشكل شبه عادي، في تحدٍ حقيقي لا يقل عن تحدي الجنود على خط النار»، إضافة إلى الكشف عن وقوع بعض الجرائم في تلك الفترة، نافياً المقولات التي شاعت بانتفاء الجرائم أثناء أيام الحرب. وسنحاول استعراض بعض مما جاء في الكتاب، وهل الاستناد إلى صحيفة يومية رسمية يمثل الحقيقة؟ أم أنه بشكل أو بآخر ككل الصحف الرسمية، مصدر غير موثوق به؟

أجواء عامة

يبدأ الكاتب بذكر بعض التفاصيل التي سيطرت على المشهد المصري في ذلك الوقت، مقسماً هذه المظاهر على أسابيع شهر أكتوبر. تداخلت مع ذلك مظاهر شهر الصوم، من سهرات رمضان الغنائية، وعروض المسارح والسينما. من ناحية أخرى تأتي إصدارات المطابع، والتنويه عنها في جريدة «الأخبار»، ففي الأيام الأولى من الشهر كانت معظم الإصدارات دينية، ثم تصدرت كتب الحرب والانتصار بعد ذلك. اللافت هنا أن الكثير من الأخبار المذكورة كانت تلخيصاً لتقارير وأخبار حربية وسياسية، سنفترض أنها استعراض للمناخ العام لمصر ذلك الوقت، ولكن ما يهمنا هنا هو أخبار الناس من ناحية، وافتعال أخبار أخرى كعادة الصحف الرسمية.

الجرائم

هناك العديد من الجرائم، التي تم الكشف عنها خلال شهر أكتوبر، منها القبض على ساعي بريد استطاع استخراج كارنيهاً من نقابة الصيادلة، وأدار ثلاث صيدليات، وآخر يسرق السيارات ويقوم بنقل الرّكاب من خلالها. وصولاً إلى القضاء العسكري الذي أصدر حكمه على سائق تاكسي بغرامة عشرين جنيهاً، لحصوله على بنزين بدون البطاقة المخصصة لذلك.

الإصدارات

ونأتي إلى إصدارات تلك الفترة، ونحاول استنتاج ما ترمي إليه، فقد أعلنت جريدة «الأخبار» عن صدور كتابها لشهر أكتوبر، وهو للصحافي موسى صبري ــ كاتب السادات الملاكي ــ وجاء بعنوان «قصة ملك وأربع وزارات» ومن فصوله.. ماذا كان يفعل فاروق والقاهرة تحترق؟ وقصة الوزارة التي تألفت على مائدة البوكر. ثم الإشارة في 15 أكتوبر إلى صدور عدد جديد من جريد «الجهاد»، الصادرة عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، التي تنادي بالجهاد ودوره في حياة الأمة، وهو ما رسّخ للإسلام أمره ورفع شأنه، وما جهاد اليوم إلا صورة من جهاد المسلمين. كذلك لم ينس شيخ الأزهر وقتها عبد الحليم محمود، الذي ألقى خطبة الجمعة تحت عنوان (الجهاد)، هذا العنوان الذي عُمِم على جميع المساجد، كما أدى شيخ الأزهر صلاة النصر. ثم توالت الإصدارات من قبيل «الشعب والحرب» لمحسن محمد، «محارب لكل العصور» لمحمود مراد، و«ساعة النصر» لإبراهيم المصري.

استرزاق واستخفاف

ومن ضمن حالات الاسترزاق الكثيرة، نجد المنتجة الشهيرة آسيا تطلب من يوسف جوهر مؤلف قصة الفيلم الجديد «نار ورماد»، الذي تجري أحداثه خلال ثورة 1919، أن تستمر الأحداث حتى عام 1973، لتشمل الحرب الرابعة بين مصر وإسرائيل. ويأتي الاستخفاف والسخف من خلال ما يكتبه دوماً أحمد رجب ــ الكاتب الكبير حسبما يطلقون عليه ــ ليستظرف قائلاً: «رفعت غولدا مائير سماعة التليفون تطلب القاهرة لتتوسل في وقف إطلاق النار، قائلة: آلو.. ثمانية وأربعين، ستة وخمسين، سبعة وستين؟ ردت القاهرة.. غلط، هنا ستة، عشرة، تلاتة وسبعين». ونختتم بقمة الاستخفاف والتلفيق في رسالة أرسلها عريف في الجيش مصاب إلى الرئيس السادات، ومنها، «أكتب إليك يا سيدي الرئيس هذا الخطاب لأنني حزين، وأنا لست حزيناً لأنني أصبت في المعركة، ولكن لأنني لست موجوداً الآن في ميدان القتال أشارك في صنع النصر مع زملائي.. لذلك يا سيدي الرئيس أرجو أن تصدر أمرك لكي أعود إلى القتال.. سيدي الرئيس، هذه رغبة مقاتل من فوق سريره في المستشفى، فهل تجد مَن يحققها؟». (عريف مستدعى/حسن محمود محمد الشريف). سنتغاضى عن مدى مصداقية الرسالة وصاحبها، حتى لو انوجد بالفعل مقاتل مصري بهذا الاسم، أو تمت كتابة اسمه من كشوف المصابين، لكن الدراما الساذجة للحكاية تثير السخرية، هل تصدق أن العريف الجريح قابل السيدة جيهان السادات عند زيارتها للجرحى في المستشفى، وطلب منها أن تسلم الرئيس هذه الرسالة!
الكاتب يذكر هذه التلفيقات وغــــيرها بدون أي نقد أو حتى تعلـــيق، محاولاً الإيحاء واختلاق عمل بطولي يرد به الاعتبار إلى أكتوبر، الذي ظلمته السينما والأدب، وقد نسيّ أن اعتماده على جريدة حكومية رسمية مثل «الأخبار»، والاحــــتفاء بما جاء بها، جعله يساهم في سيمفونية الظلم الذي يستنكره.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى