عبودي أبو جودة في معرض «لصّ بغداد»: صورة الشرق في ملصقات السينما العالمية

حسن داوود

لم يكن الدخول إلى السينما سهلا لعبودي أبو جودة. الأغلب أنه هو الذي صعّب ذلك على نفسه بأن كان يُجري، وهو بعد في يفاعته، مسحا لصالات بيروت، من برج حمود إلى الوسط البلد إلى الحمرا ماشيا، ليعرف من تحديقه في الملصقات أي فيلم يختار. بحسب ما ذكر في محاضرته التي جرت مؤخرا في دار النمر في بيروت، جعله ذلك الطواف متعلّقا بملصقات الأفلام، ربما أكثر من تعلّقه بالأفلام نفسها.
وهو، في فترة لحقت، بدأ يجمع ما يتحصل له منها كنوع من الهواية أولا، ثم اقترب ذلك من أن يكون عملا واختصاصا. أكثر المصادر التي تأسست منها مجموعته الحالية كانت صالات السينما في المناطق المحيطة في بيروت، تلك التي أقفلت، بسبب الحرب كما بنتيجة فوات الزمن عليها. في فترة لاحقة من دأبه، بحسب ما ذكر في المحاضرة أيضا، كان يسافر بالطائرة من أجل الحصول على ملصق واحد. وكان ذلك بالأخص لفيلم قام ببطولته محمد عبد الوهاب، حيث أن الملصقات التي تنقل رسم عبد الوهاب، وكذلك عبد الحليم حافظ، كانت الأكثر تفضيلا بين المهتمين بهذا الفن.

إصداره الأول كان كتابا ضخما حمّله عنوان «هذا المساء»، مستعيدا الكلمتين اللتين تعلوان عادة الملصقات وصور الأفلام. احتوى الكتاب صورا وملصقات وصورا على كرتون ودليلا إعلانيا ومقالات صحافية كتبت حول السينما وأفلامها مغطّيا خمسين سنة من تاريخ السينما اللبنانية (1929- 1979). والآن، من بين مجموعته الهائلة، اختار لمعرضه في دار النمر ملصقات يجمعها موضوع مشترك عرضها تحت عنوان «لصّ بغداد». بحسب ما أحصى أبو جودة، ربما مما توافر له من ملصقات، هناك 12 فيلما حملت هذا العنوان، بينها أربعة أفلام أمريكية وثلاثة أفلام هندية وفيلم روسي

ولم يقتصر ذكر بغداد على هذه الأفلام وحدها، بل إنه تعدّد في أعمال سينمائية مثل «حلاق بغداد» و»حدّاد بغداد» و»جميلة بغداد» و»ساحر بغداد» إلخ. كانت بغداد حاضرةَ المخيّلة الغربية، بل العالمية تاليا، في دلالتها على الشرق المدهش والخرافي والغريب. أحصى أبو جودة 55 عنوانا لفيلم حمل اسم بغداد، مقابل 57 فيلما لباريس، فيما مدن العالم الأخرى لم تقرب أبدا هذين الرقمين.
معرض «لص بغداد» احتوى 108 ملصقات اختارها أبو جودة من 550 ملصقا تشكل مجموعته حول هذا الموضوع. أول الملصقات المعروضة يعود إلى العام 1924. لكن أبو جودة يرى أن ذلك العام ليس هو تاريخ البداية، إذ لا بد أن أفلاما عديدة أنتجت قبل ذلك التاريخ، لكن لم تتوافر له ملصقاتها. اهتمام السينما بذلك العالم الذي ليس «لص بغداد» إلا جانبا منه أو شخصية تنوعّت حيث استدعا المخرجون وكتّاب السيناريو تخييل مغامراته مرة بعد مرة، لا بد أنه رافق بداية السينما. ذاك أن صورة الشرق، كما صورتها السينما لم تبتعد كثيرا عما تفنّن بوصفه، أو تخيله، من سُمّوا المستشرقين. وهؤلاء، مثلما ألهموا الرسامّين من معاصريهم، خلّفوا أثرا لا يقلّ أهمية على السينمائيين. معظم سينمات العالم اشتركت في نقل ما عرف بـ»الليالي العربية» إلى سينماها. في معرض «دار النمر» تعلّقت أعمال فناني الملصق لأفلام أنتجت في أمريكا وتركيا ويوغوسلافيا وروسيا وفرنسا وكرواتيا والدنمارك والهند… إلخ. الكثير من هذه الأفلام تعدّدت نُسخُه، وكذلك ملصقاته فظهر ملصق خاص بالفيلم ذاته مختلف عن الملصق الأصل. وكان فنانو الملصق، ومن هؤلاء فنانون مشهورون قد تركوا لمخيّلاتهم أن تعيد رسم ذلك العالم، بحسب ما يتبدى لها. وقد ذكر المحاضر، في ما هو يطوف بالحضور معرّفا بصور المعرض، أن هناك ملصقات ترينا صورا لا وجود لها في الأفلام التي رُسمت لها.
صورة العربي، أو الشرقي، تظهر في تلك السينما مختلفة عما صارت إليه الآن. العربي، في زمن السينما ذاك، هو المغامر الشجاع الكريم المُمثَّل عنه بشخصيات ساحرة مثل علاء الدين والسندباد البحري وحتى شهرزاد وشهريار. عدد من ملصقات المعرض اختصّت بهؤلاء وحملت أسماءهم. ذلك «الإلهام الاستشراقي» كان كتاب «ألف ليلة وليلة» مصدره الأول. لا أحسب أن كتابا أو ثقافة ذهبت إلى هذا الحد في الانفصال عن ضوابط المألوف والمنطقي. لا مغامر حاذى السندباد في طوافه الخرافي في الأمكنة المتوهمة. لا فانتازيا بلغت حدّ أن تخلع البجعات ريشها، كما في حكاية حسن البصري بألف ليلة وليلة، وتصير نساء فاتنات يسبحن في البحيرة ويعلق حسن البصري بإحــــداهن فيتزوجها.
ثم ذلك المارد الطالع من القمقم، ثم طــــائر الرخ، وجزر واق الواق، وأيضا تلك الأمكنة الخرافية والرحلات الخرافية التي يستعان لبلوغها بالأفيال والجياد الطائرة. ولا ريب أن هذا السحر ما زال حاضرا في سينما الأنيمايشين وسواها، حتى لكأن عوالم الخيال تأسست على قواعد غير قابلة للتغيير.

٭ روائي لبناني

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى