التركيب الخطي والزخرفي في أعمال الجزائري عبد الرزاق قارة بورنو

محمد البدوري

تتجه أصالة الخطاط والمزخرف عبد الرزاق قارة بورنو نحو لب الفن الحضاري العربي الإسلامي العريق، حيث تتبدى تجربته الرائدة والغنية في مجال الخط العربي والزخرفة الأصيلة ذات جماليات شكلية ولونية مبهجة، من خلال طبعه المجال الفني بإيقاع شكلي ولوني وجمالي متجدد، بمنمنمات واعية وزخارف خصبة، وخطوط فاتنة، تمتزج فيها الأساليب الأصيلة والمعاصرة بمرتكزات حضارية؛ ومقومات فنية تفضي إلى مسلك إبداعي بديع، يكشف عنه المنحى اللوني الجمالي والدلالي.
إنه فن قائم الذات يشكل آنيا قاعدة فنية لتصريف الرؤية الجمالية المخصوصة للخط العربي والزخرفة العربية الإسلامية. هذه الرؤية التي تجعل العمل في مجمله يحكمه الالتزام بالضوابط الجمالية الفائقة، بمظاهر تصورية جمالية بالغة التفرد، يفصح عن ذلك بشكل جلي التركيب الحروفي والتشكيل اللوني المدجج بالخصائص الفنية البالغة المعادلات الموضوعية، التي تتبدى في تلاقح المجال الزخرفي مع المجال الخطي، وتطويع كل العناصر الفنية لخدمة الشكل العام، حيث يتم التمييز بين الخط العربي والشكل والزخرفة واللون؛ وهي تشكل وحدة موحدة في الإطار العام، خصوصا ما يتعلق بخصوصية الصورة الخطية الزخرفية، وطرق توزيع مكوناتها، والتعبير عن كنوز فنية تتغيى دلالات الخط والزخرفة والألوان الجميلة، التي تخضع للمعيار الثقافي والمعرفي في التعبير.
إن الاحتفاء بالخط العربي وبالزخرفة وبالألوان المحكمة في فضاء غير محدود، وفي سياق التعبير بالتشكيل المعاصر، يضع المادة الفنية في قلب الخطاب البصري. إنها تجربة عالمة للمبدع عبد الرزاق قارة بورنو، تضعه في مدرج صفوة الخطاطين والمزخرفين المعاصرين، وتضع أعماله في نطاق تعدد الرؤى الفنية المفضية إلى تعدد الدلالات والمعاني.

فهو ينجز الأشكال والخطوط المركبة والزخرفات ومفردات المنمنمات الجمالية داخل الفضاء اللوني، وفق وهج فني يمتح من التعبير في هذه العناصر كل المقومات الحضارية والبلاغية والمعرفية، وفق تدبير المجال الجمالي، في ما يخص تناسق الألوان وشكلية مزج كل العناصر والمفردات التي تروم التجاور والتمازج والتماسك، بصيغ متوازنة تتخطى الجاهز، وتروم أسلوبا خطيا زخرفيا أصيلا ومعاصرا نتاج توظيفات خاصة، تحكمه الوجدانية والأساليب الإيحائية التي تدعم القوة التعبيرية المعاصرة للخط العربي والزخرفة. وهذا مؤشر قوي إلى أن الخطاط والمزخرف عبد الرزاق قارة بورنو، يقدم صورة جمالية مقترنة بتصورات ورؤى حضارية، يوزعها وفق أسلوبه البديع وتجربته الرائدة، التي تتجاوز المستهلك وتبني جسر مسلك خطي زخرفي معاصر. إنه يفصح بكل ذلك عن تراكمات فنية تنتجها خبرته الكبيرة، وتجربته الطويلة في مجال الخط العربي والزخرفة. فعمليات تركيب الحروف وتشكيل الأشكال وتطويع الزخارف لإنتاج الدلالات، وخاصيات التعدد والإيحاء، كل ذلك يحدث بهجة ورونقا في أعماله. فهو ينشئ جسر التفاعل مع الأشكال البصرية البهيجة، لتتفاعل مع نظام الفضاء التعبيري، في أنساق دلالية متلائمة ومنسجمة في ما بينها، تطاوع تصوراته ورؤاه التي يحملها الخط والزخرفة واللون والشكل، وطرائق توظيف كل ذلك، ما يمنح أعماله قيمة فنية وجمالية، خاصة أنه يشتغل بتقنيات عالية الجودة، إضافة إلى الاستعمالات المختلفة للخامات، وكلها عناصر تبرز قدرة الخطاط عبد الرزاق قارة بورنو على التحكم في زمام الفضاء، وإبراز مؤهلاته الفنية في الإنجاز، وتوجيه الأسلوب التعبيري نحو التألق والابتكار المستمر، حيث لا شك أن الخط العربي والزخرفة يعتبران من بين أهم الأساليب الفنية المعاصرة؛ لذلك فبناؤه الفضائي الجمالي يعتمد فيه هذا المنحى بتصور هادف، وأشكال فصيحة، وأنواع خطية مدججة بالجماليات وزخرفة فنية فاتنة.. إنه كنز فني مفعم بالمعارف والمواد الحضارية يصرفها المبدع في سياقات متنوعة، ليحصد الجدب الجمالي بتحويلات فنية تفاعلية تخلد الأثر الفني بمتعة خطية زخرفية، وتوليفة معرفية ودلالات حضارية، ليكشف عن المعنى، ويزيل الحجب عن فنية الخط العربي والزخرفة، ويبدي قدرته على اعتلاء منصة المعاصرة بمرجعيات فنية محلية وعربية إسلامية، وبمفهوم جديد، يحمل خصائص تسعف الرؤى المستقبلية للخط العربي والزخرفة، في نطاق ما يتيحه من إمكانات جمالية لتقوية الخطاب الحروفي العربي في الساحة العالمية.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى