الفلسطينية سهى شمس… رسامة الأنوثة الخصبة والطبيعة الموحية

وديع عواودة

سهى شمس رسامة فلسطينية من مدينة الناصرة داخل أراضي 48 دخلت عالم الفن بحثا عن الروح، قادمة من عالم الأرقام والعلوم. وبالنسبة لها مارس/آذار هو أجمل الشهور لاحتضانه مناسبات خاصة بالمرأة التي تشكّل موتيفا مهيمنة في لوحاتها وبأسلوب رشيق عميق.

حتى الآن نظمت عدة معارض خاصة بها أحدها في فيينا وشاركت في معارض أخرى في البلاد، على طرفي الخط الأخضر، وتستعد لتنظيم معرض في القدس المحتلة برعاية النادي اليوناني فيها.
على هامش معرض في حيفا شاركت فيه هذا الأسبوع التقتها «القدس العربي» وقدمت رؤيتها الفنية الفلسفية للحياة والفنون وما بينهما. وعن حضور المرأة الدائم في لوحاتها توضح سهى شمس إنها بذلك ترسم ذاتها وتوجه رسالة لكل النساء تدعوهن فيها لاكتشاف مزاياهن الأنثوية، والاعتزاز بذاوتهن والتعبير عن شخصياتهن حتى يعززن اكتمالهن». وتؤمن بأن القوي هو من يتبع قلبه أيضا، فالفطرة أصدق ما فينا والقلب بعكس العقل لا يكذب، والفن تعبير عن هذا التوازن بين القلب والعقل، وهو يساعد الأم في تربية أطفالها».

المرأة والطبيعة

وتمتاز لوحات سهى شمس بجرأتها فواحدة من لوحاتها تحتضن امرأة عارية على طبيعتها وفي لوحة أخرى تبرز جمالية الأنوثة بألوان زاهية بارزة. كما تنعكس «أمنا الأصلية»، الطبيعة الفلسطينية المزدانة بشتى أنواع الورود في لوحاتها بألوان ربيعية تبعث الابتهاج. وتقول إن الفلسطينيين أيضا ما زالوا مجتمعا ذكوريا، وترى أن الجمعيات النسوية قد فشلت، بل كرسّت المعتقدات التي جاءت لمحاربتها. وتضيف واثقة «أريد أن أكون امرأة قوية وناجحة، بدون أن أحمل سيفا وأحارب، بل أحمل قدراتي وانتصر، ومن هنا ولد وتطور الفن في داخلي، فمحاربة العتمة تتم باستحضار النور، وهكذا بوسع المرأة أن تظهر تفوقها وجمالها وثقتها بنفسها وتقديرها لذاتها، وتعزيزها كامرأة تزرع الثقة بكل سيدة تلتقيها فتشعر بأنها مميزة وليست ناقصة». وردا على سؤال تقول إنها كانت حتى في دراستها العلوم، تحاول إثبات كون المرأة ماهرة وناجحة، وتتمتع بقدرات، لكنها تنبهت لاحقا إلى أنها تضيع الكثير من الوقت لتثبت للناس ذلك، فقررت أن تكون وتحقق ذاتها بالتواصل مع روحها وماهيتها. وتضيف «من هنا تأتي العظمة واستمد القوة».

تمتاز لوحات سهى شمس بجرأتها فواحدة من لوحاتها تحتضن امرأة عارية على طبيعتها وفي لوحة أخرى تبرز جمالية الأنوثة بألوان زاهية بارزة.

رسامة ومعلمة علوم

مدرسة العلوم والرسامة بلورت في تجربتها الحياتية رؤية فلسفية تعتقد فيها أن انتصار الرجل عبارة عن خلل يدفع هو أيضا ثمنه وأن السعادة الحقيقية تتم عندما لا ترجح كفة، بل تتساوى كفتا الرجل والمرأة وتتكامل الروح مع العقل. وتؤمن بأن تغليب الإنسان للعقل على الروح ينطوي على ذكورية، لأن الأول بلا الثانية يحوله إلى «روبوت» ويسبب انفصاما عن الذات البشرية. وتتابع «الإنسان حينما يكون ذكيا فحسب فهو يخترع ويدمر بينما الروح هي الحياة والإنجاب والانفتاح، ومصلحة الرجل والمرأة تقتضي الاحترام المتبادل، بدون استعلائية، فمزايا الأنثى مختلفة لكنها ليست أقل، وهي تحب التعاون وأن يكون الكل راضيا وتمنح المعنى للأشياء فيما هو يحب التنافس والانتصارات». من هنا تشدد على أن تغيير الرجل يتم من خلال تغيير النساء لذواتهن، بتعزيز الثقة في النفس، فالرجل في نهاية المطاف ضحية رجل آخر وسلطة أخرى، وفي المبنى الهرمي كل رجل يعاني. وتضيف «لذا أؤمن بالمنظومة الدائرية القائمة على التكامل والتعاون». وردا على سؤال توضح أنها جاءت لعالم الرسم لتضاعف الجمال وإبرازه، لاسيما أن قدرة الأنثى على إبراز الجمال في كل شيء أكبر، خاصة عندما تكون متواصلة ومتصالحة مع ذاتها. وللتدليل على ذلك تقول إنها ترى الجمال حتى في الشوك لا الأزهار وحسب، كما يتجلى في واحدة من لوحاتها. سهى شمس المولودة في مدينة الناصرة وتعلمت في مدرسة الفرنسيسكان، اختارت الالتحاق بكلية العلوم في الجامعة، وتبعت قلبها في حب موضوع الكيمياء الذي تفوقت فيه، وما لبثت أن زاولت مهنة التعليم كونها تتيح لها الانحياز لأمومتها. أما مسيرتها في الرسم فجاءت متأخرة إذ بدأت قبل عشر سنوات بعدما سمعت صوتا عميقا من داخلها يدعوها للتواصل مع الروح.

الرسم الانطباعي

وعن ذلك تقول «في مرحلة معينة عدت للتعليم الأكاديمي في جامعة حيفا لتعلم القيادة التربوية، وما لبثت أن شعرت بأنها ما زالت تعزز العقل على حساب الروح فتركت الجامعة، لأنها لم تمنحها التوازن الروحي المطلوب بين العقل والروح. وتوضح أنها التحقت بكلية الفنون في حيفا قبل سنوات لتعلم تقنيات أنواع وتاريخ الفن. ومن وقتها انطلقت في تطوير أسلوبها الخاص بها في الرسم، فهي لا تحب الرسم التصويري لخلوه من الإبداع، وانحازت للرسم التجريدي والانطباعي الذي تستحضر فيه روحها. وبالنسبة لها فإن اللوحة الأفضل هي تنفصل بها عن العقل وترسمها بروحها وإحساسها وتتابع، «في حال بدأ عقلي يشتغل ويتحكم باللوحة أدع ريشـــة الرسم جانبا، لأن الفن الحقيقي هو لغة الروح». ويبدو أن التفاحة لا تقع بعيدا عن الشجرة فقد تأثرت الرسامة الفلسطينية من الجليل بوالدها الرسام حسين مرعي الذي رسم والدتها وهي عروس في لوحة مميزة. وقد كرمّت والدها بإهدائه معرضها الأول في متحف محمود درويش في الناصرة، خاصة أنه طالما شجعها على البحث عن الإبداع لا عن الإنجازات ولغة العقل التي يبحث عنها المجتمع العربي.

توازن وسلام

ولا تتردد بالقول إن مجتمعا لا يقدر الفن يبقى مساحة غير مكتملة ومختلا. وتشير إلى أنها اكتشفت وجود توازن وسلام وانسيابية نتيجة الاهتمام بالروح لا العقل وحسب خلال إقامتها مدة من الزمن في النمسا. وترى في كونها منفصلة مصدر قوة، لأنها اختارت أن تبقى كما هي بفكرها وروحها، متصالحة مع نفسها مهما كان الثمن، بعدما شعرت في بداية الطريق بأنها ليست ذاتها، وبأنها نسخة مزيفة عن نفسها بتأثير شريكها، لكنها تؤكد طبعا أن الأمومة شيء مقدس لديها. وتتابع «في البداية كانت حياتي رحلة جبلية صعبة، لكنني كنت فرحة في الجبل لرؤية الحياة بعيون النسر، بنظرة أوسع وأعمق، ورغم الصعود المضني فهو ممتع فعلا». كما هو الحال مع معظم الفنانين العرب فإن ريشة الرسم لا تشكل مصدر دخل بالنسبة لسهى التي تسترزق من مهنة التعليم وفي سرور.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى