كُتّاب أمريكيون لـ الشرق: العام الثقافي مع قطر فرصة للتعرف على التراث والإبداع

زينب ابراهيم

أكد أدباء ومثقفون أمريكيون أهمية العام الثقافي بين قطر وأمريكا في 2021 في توجيه الاهتمام بالقضايا الثقافية وما يتعلق بمختلف الجوانب الإبداعية التي تجمع بين البلدين.
وفي ضوء ذلك كان التركيز على دور مبادرة الثقافة العربية الأمريكية عبر الإنتاج الأدبي الروائي والمسرحي جزءاً رئيسياً باعتبار المسرح العربي الأمريكي مصدرا بحثيا للعديد من الدراسات المسرحية الأمريكية حول تناول طبيعة الموضوعات الأدبية التي يطرحها الروائيون الأمريكيون من أصل عربي والذين أنشأوا حركة مسرحية لها خصوصيتها، وتشارك في عدد من الفعاليات المسرحية خاصة حركة مسرح التحرير التي تعقد مسرحياتها في مدينة شيكاغو والتي احتل المسرح الأمريكي العربي مكانة مميزة من بين العروض التي تعرض خلاله.
ولكن الظاهرة الأبرز التي تسيدت المشهد منذ بداية عهد رواج المسرح الأمريكي العربي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والغزو الأمريكي للعراق، هي الريادة الواضحة للمرأة والكاتبات الأمريكيات العربيات في الكتابة المسرحية، وأيضا في الروايات التي كان أغلبها يتمتع بمساحة أنثوية خالصة في الشخصيات الرئيسية التي تحاكي واقعا مختلفا من ازدواجية الثقافة ومحاولات التمرد والاندماج، ما جعل الكاتبات الأمريكيات من أصل عربي في مقدمة صفوف هذه الحركة المسرحية في أمريكا.

◄ بصمة ثقافية

وأكد ميل ويسكوتز، الباحث الأكاديمي في تراث الأديان والحضارة العربية، في تصريحات لـ الشرق أن العام الثقافي فرصة مهمة لبحث سبل النقاش بين المفكرين والمثقفين حول الحركة الثقافية الجديدة، وقد قمت بزيارة معرض الدوحة للكتاب في العام قبل الماضي ووجدت حركة ثقافية مهمة في قطر، وجمعني حوار مع ستيوارت جيمس هاميلتون نائب المدير التنفيذي لمكتبة قطر الوطنية، وأخبرني عن التأثر الواضح والرغبة في جعل المكتبة المميزة من المنصات الثقافية الكبرى في المنطقة وأن تكون على غرار مكتبة نيويورك أو مكتبة الكونغرس من حيث المكانة الثقافية والأهمية، وألا تقتصر على ضم أبرز مجموعات من الكتب الثقافية ولكن تعزيز الدور البحثي والثقافي وذلك عبر التنسيق مع المؤسسات الأمريكية والعالمية وأيضاً طرح خطط للتعاون والتواصل مع المكتبات في المنطقة العربية، وأيضاً الترحيب الكبير من المكتبات العالمية بذلك، كما أن قطر تمتلك مؤسسات ثقافية كبرى مختصة في حركة الترجمة، وحتى وإن كانت الترجمات يأتي أغلبها للكتب السياسية الشهيرة أو كونها مصبوغة ببصمة سياسية أو أكاديمية بصورة أو بأخرى، إلا أنها تمنح بادرة دعم تواجد هذه الكتب المهمة للجمهور العربي بالكامل، فأدوات قطر السياسية والإعلامية تدعم منطق الجمهور العربي العام فما تتيحه من مطبوعات ونشرات أو خدمات إخبارية وثقافية، وهذا ترسخ بمرور السنوات، كما أن هناك دوراً كبيراً للعام الثقافي بين قطر أمريكا في أن يمنح فرصة من جانب المثقفين والمهتمين بأمريكا للتركيز بصورة أكثر على الكتب التي تتناول الثقافة العربية وتأثيرها في المجتمع الأمريكي، كما أن التركيز على الجوانب الثقافية والآداب والفنون، كل هذا يعبر عن نبض وروح ثقافة كل أمة ومن خلالهم تستطيع استخلاص جوهر ثقافة وحضارات وتاريخ الشعوب.
وشدد على أهمية الكتب في تكوين الثقافة ودور الأدب في التعرف على المكونات التاريخية والتراثية للشعوب، ملقيا باللوم على بعض من الكتاب العرب الأمريكيين الذين كثفوا كل جهودهم الأدبية والبحثية في الاكتفاء فقط بتغيير الصورة النمطية عن العرب والمسلمين متخذين منهجا دفاعيا، بينما التاريخ العربي يذخر بمئات القصص التي أثرت التراث الإنساني على مر العصور.

◄ أهمية الثقافة

يقول الناقد المسرحي والأكاديمي المخضرم مارفن كارسلون، في تصريحات لـ الشرق: إن العام الثقافي بين قطر وأمريكا يأتي في أوقات صعبة عالمياً، وتبرز الحاجة إلى المنتجات الإبداعية التي تُحدث حالة من الألفة المفقودة في واقع غريب تشعر فيه أن الكون كله في سيناريو سينمائي غامض تُرك فيه الوجدان حائراً حول تحديد المصير، وهنا تلعب الثقافة والأدب دورها في التذكير بالإنسانية وقيم التاريخ وكيف تكيفت النفس البشرية في أشد المآسي لتخرج بإبداعات نافذة إلى الوجدان في الشعر والرواية والقصص القصيرة والمسرحيات الروائية، وتصبح الملحمات التاريخية أياً كانت أسبابها مصدراً متجدداً للإبداع، وهذا ما أوضحته في دراستي الخاصة عن دور المرأة بالمسرح الأمريكي العربي، موضحاً أنه في البداية كان يجب التركيز على طبيعة المسرح الأمريكي العربي كمكون ثقافي جديد له روافده الثقافية التي تتمتع بثراء إنساني واضح، وباستعراض الأدوات التي يتم تقييم الروايات والعروض المسرحية بها تجد أغلب الكاتبات الأمريكيات من أصل عربي تقدم تطورا أدبيا جيدا نحو المسرح المعاصر خاصة فيما يتعلق بمناقشة قضايا مسرحية بالأساس ولكن بتأثيرات تتعلق بالهوية السياسية، ومن خلال متابعتي لروايات أكثر من كاتبة تنتمي لهذا التيار الثقافي وجدت مكانة قوية تتمتع بها المرأة في المسرح الأمريكي العربي لأنها لا ترتبط فقط باستعراض تجربتهم ولكن بتجربة تحمل في شخصياتها وأحداثها معلومات مهمة عن الشعوب والدول التي تنتمي كل كاتبة لها وترصد صورة مختلفة عن تجربتها، وتشكل جزءا مقدسا من خلق هوية العرب الأمريكيين وأيضا في التعبير عن هوية جمهورهم على نحو أكبر.
ويتابع: قد يبدو أن ملامح بعض التجارب في المسرح العربي الأمريكي ما زالت جديدة وشابة ولكنها بدأت قوية وتستعين بأدوات متنوعة في استعراض الشخصيات أو بناء نماذج السرد الدرامي وتعدد استخدام الأدوات المسرحية بداخل تجربة كل كاتبة، حتى في المجلات الشعرية فمثلا الشاعرة والكاتبة سهير حماد تظهر رؤيتها واضحة في كتاباتها التي تستعرض هويتها كمواطنة أمريكية من أصل فلسطيني ولدت في مخيمات اللاجئين بعمان، فكانت تكتب عن المعاناة التي تعاني منها خاصة في النظرة التي يُنظر بها إليها فحظت العروض التي تقدمها على مسرح برودواي بوقفات لافتة لتأمل تجربتها، وأيضا تجارب لأسماء عديدة مثل رانيا خليق وليلى باك ونورا أرماني وبيتي شامية وسهى آل جرف ولورا شماس وغيرهن مما أثرين المسرح الأمريكي العربي بكتابات وعروض مهمة.

◄ تحديات النشر

الروائي الأمريكي من أصل سوري د. سامر عيسى يقول في تصريحات لـ الشرق: إنه من الجيد وجود فعاليات ثقافية تجمع ما بين قطر وأمريكا وما يتبع ذلك من أهمية للتعرف على القضايا والتحديات الخاصة بالنشر لدى الكتاب الأمريكيين من أصول عربية بداخل الولايات المتحدة، فقد كان الاهتمام بنشر الأعمال الروائية التي تقوم بها كاتبات ينتمين للمجتمع العربي الأمريكي يحظى بتفضيل كبير جدا من العديد من دور النشر الأمريكية، في البداية كنا نعاني من نشر أعمالنا التي تتعلق بجذور من الثقافة العربية وتتخذ اتجاها يعبر عنا كأمريكيين وتجاربنا نحو الاندماج، وحينها لم يكن هناك حماس كبير في نشر بعض مما نقدمه، ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر تحديدا المشهد تغير وأصبح هناك اهتمام واضح بنشر الكتابات التي تقدم معلومات مختلفة عن الهوية العربية والعقلية العربية، ولكن ما اختلف في الحركة الأدبية وظاهرة تسيد النساء على المستوى الأدبي يرتبط أيضا بحسابات دور النشر التي تفضل التعامل مع الكاتبات باعتبارهن لا يمثلن فقط تجربتهم وجذورهن العربية ولكن أيضا كنساء يتم اعتبارهن من الأقلية وتحظى أصواتهن بشكل عام باهتمام لافت وملحوظ أكثر، على العكس من صعوبات عديدة تتعلق بالنشر يعاني منها بعض الرجال مما قد أعتبره أحيانا اضطهادا للرجال من قبل دور النشر، ولكنه أيضا يساهم في إثراء وتشجيع كاتبات كثيرات ينتمين إلى المجتمع العربي الأمريكي، وتحظى أعمالهن الأدبية باهتمام جيد على مستوى حركة النقد الأدبي.

◄ قضايا أدبية

وتقول الكاتبة الأمريكية من أصل فلسطيني أمينة ساليمان، في تصريحات لـ الشرق: إن العام الثقافي يمنح فرصة للتركيز على المبادرات الإيجابية لتغيير الصورة النمطية عن الثقافة العربية وأيضاً تسليط الضوء على قضايا أدبية مهمة، خاصة فيما يتعلق بما له طبيعة سياسية، وحاولت أن أقدم من خلال كتاباتي فكرة مختلفة لتوضيح الصورة حول العنف السياسي وتنبذه بأكثر من طريقة مثلما كتبت في رواية “امرأة واحدة و5 مآسٍ” التي استعرضت فيها تاريخ العنف السياسي ليس فقط في ما حدث خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر بل من قبل تلك الأحداث بسنوات وحتى في العصور القديمة للتأكيد على أن العنف كقيمة شخصية أو كقيمة جماعية هو استنزاف للإنسانية التي بداخلنا والتي تترك المجال للكراهية وغرائز الشر والانتقام في السيطرة على الأفعال التي تحول الإنسان ليكون أكثر دموية ووحشية، مشيرة إلى أن اختيار بطلات رواياتها من النساء كان مقصودا خاصة في الشموع السوداء التي اجتمعت فيها بطلات الرواية الأربع في غرفة واحدة وكل منهن كانت تعبر عن خلفية تجربتها وترصد مشاعر إنسانية صادقة وكاشفة لأوجه كثيرة من ملامح بعد الصراع وأسباب نشوب العنف والاختلاف.

المصدر: الشرق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى