إعادة تأهيل المواقع التاريخية.. إحياء للتراث

طه عبدالرحمن

في ظل الإعلان من وقت لآخر عن إعادة تأهيل المواقع التاريخية والأثرية في الدولة. يطرح التساؤل نفسه عن مدى أهمية هذا التأهيل، وانعكاساته على حالة الوعي داخل المجتمع، فضلاً عن أهميته بالنسبة للحركة السياحية، لتكون هذه المواقع مقصداً للزائرين من دول العالم.
مثل هذه التساؤلات طرحتها الشرق على عدد من خبراء الآثار والتاريخ، والذين شددوا على أهمية إعادة تأهيل هذه المواقع، لآثارها الإيجابية على مختلف المستويات، سواء بالنسبة لحالة الوعي، أو استقطاب السائحين، علاوة على الدور الذي تعكسه في عراقة هذه المواقع، وتاريخها الممتد عبر العصور.
ونوه المهتمون بالجهود المبذولة حالياً في سبيل إعادة تأهيل هذه المواقع، خاصة وأن الدوحة أصبحت محط الاهتمام العالمي، مع اقتراب العد التنازلي لاستضافة كأس العالم 2022، الأمر الذي يضفي أهمية كبيرة على كافة الجهود المبذولة من أجل تحقيق أهداف إعادة التأهيل، بكل ما يواجهه من تحديات، إحياءً للتراث، واستحضاراً لتاريخ عريق أمام الأجيال.

د. محمد الكواري: لا بد من إعادة ترميم هذا الإرث الحضاري
د. محمد خليفة الكواري، أستاذ الجغرافيا البشرية والتخطيط العمراني، مهتم بالحفاظ واستخدام المواقع الأثرية في مجال السياحة، وسبق له الاشراف على مشاريع تخرج للحفاظ على التراث القطري، واستغلاله في مجال السياحة مثل مناطق الكرعانة والزبارة وقرى الشمال، يؤكد أن “الحفاظ على التراث هو حفظ لماضي الدول وثقافتها وإرثها الحضاري، ولكن هذا الحفاظ لا يمكن أن يتم بطريقة الإبقاء عليها في حالتها الطبيعية، وتسويرها ومنع الآخرين من الاطلاع عليها، لأن هذا التصرف سوف يعجل من تدهورها ثم خسارتها بشكل نهائي ماديًا ومعنويًا، لذلك لابد من إعادة ترميم هذا الإرث الحضاري المادي بشتى أنواعه: قلاعا وقصورا وبيوتا وأدوات كان يستخدمها الأجداد.
ويقول إن “هذا النوع من الحفاظ على الإرث يكون بالعناية المستمرة بالمواقع الأثرية مع تنظيم الزيارات الداخلية والخارجية، ولابد من توصيف هذه المواقع الاثرية وإعداد كتيبات تشرح ماضي هذه المواقع واستخداماتها، وكذلك أهميتها للمواطنين، وبذلك يكون قد أسهم في الحفاظ عليها، ويتم التعريف بها مما يساعد بشكل كبير في الحفاظ على الإرث الحضاري للدولة، خاصة وأننا نتعامل مع إرث يمكن أن نشاهده ونلمسه”.
ويلفت إلى أن قضية الحفظ في المتاحف فقط تؤدي إلى فصل اللقى الأثرية عن الواقع، وبالتالي ضياعها. “لقد كانت عملية الحفاظ على سوق واقف وقلعة الزبارة وقلعة الكوت وسوق الوكرة خطوة عملية كان لها أكبر الأثر في التعايش مع الماضي بشكل عصري، وتوظيفها بشكل ممتاز في السياحة والتعريف بإرث قطر التراثي”. داعيا إلى أن يشمل إعادة التأهيل قرية أم سوية، لما لها من دور في تاريخ قطر.

عبدالعزيز السيد: تسهم في تعميق الوعي بالتاريخ المحلي
يؤكد السيد عبدالعزيز البوهاشم السيد، الباحث في شؤون التراث، أن إعادة تأهيل المواقع الأثرية والتاريخية جزء من مهام الدولة، والتي تضطلع بدور كبير في هذا الجانب، حماية للآثار والمواقع التاريخية في البلاد، وذلك بإعادة تأهيلها بما يسهم في جذب السياحة العالمية إليها، “خاصة وأن لدينا تاريخا عريقا، وممتدا عبر العصور، وحافلا بالعديد من التفاصيل، التي تعكس أن بلادنا كانت مأهولة بالسكان منذ زمن قديم، وفي هذا دلالة كبيرة على عراقة قطر وتاريخها الطويل، الممتد عبر العصور”.
وحول أبرز التحديات التي يمكن أن تواجه هذا التأهيل. يحددها السيد عبدالعزيز البوهاشم السيد، صاحب مكتبة عبدالعزيز البوهاشم للكتب التراثية، في أهمية الاستعانة بالخبرات العالمية، والوقوف على أبرز النتائج والتفاصيل والمخرجات التي تتمخض عنها عملية إعادة التأهيل، بما يعطينا تفاصيل أكثر عن الحياة قديماً في الدولة، وفق أسس علمية ومنهجية”.
ويلفت إلى التنوع التاريخي والحضاري للدولة، “وهو تنوع شديد الثراء، ويمتد إلى مناطق شاسعة في الدولة”. منوهاً في هذا السياق بالجهود التي تقوم بها وزارة الثقافة والرياضة ومتاحف قطر في صون الآثار، والحفاظ عليها، سواء كان ذلك تراثاً مادياً أم غير مادي.
كما يشير إلى أن إعادة التأهيل يأتي في الوقت الذي أصبحت فيه قطر محط أنظار الاهتمام العالمي، مع اقتراب بطولة كأس العالم قطر-2022، لافتًا إلى أهمية الدور الذي تعمل الجهات المعنية في عملية تأهيل المواقع التاريخية والأثرية، بهدف تنمية الوعي لدى جميع أفراد المجتمع، فضلاً عن آثارها الإيجابية في دمجها بالمناهج التعليمية، “وهو ما يتحقق حالياً على أرض الواقع في قطر، الأمر الذي يسهم بدوره في تنمية الوعي بعراقة تاريخنا، وما تزخر به قطر من مواقع ذات جذور عميقة”.

د. فايقة أشكناني: المباني الأثرية ثروة وطنية لربط الأجيال بتاريخ الأجداد
الأكاديمية الدكتور فايقة أشكناني، تقول: إن توثيق التاريخ يُنصف الأمم ويحفظ تراثها، فكثير من التراث الذي تتميز به الدول يأتي بسبب توثيق التاريخ له، وإبرازه بالشكل الملائم، ومن هنا كان اهتمام دولة قطر بتاريخها وتراثها الغني، والذي يعد جزءًا من تاريخ منطقة الخليج العربي.
وتتابع: على مدى السنوات الماضية بذلت متاحف قطر جهداً كبيراً في القيام بأعمال تنقيب وترميم واسعة، فضلاً عن إجراء بحوث علمية للحفاظ على التراث المحلي وتوثيقه، وتأهيل المناطق التراثية؛ حيث إن كل هذه الجهود تتكاتف وتتعاضد؛ لتشكيل الوعي بالتاريخ القطري؛ ليكون حاضرًا في وجدان جميع أهل قطر انطلاقا من رؤية قطر 2030، والتي توجه إلى الجمع بين التاريخ والعادات والتقاليد الموروثة، وبين المستقبل والتطلع إلى التقدم.
وتعتبر المباني الأثرية في قطر ثروة وطنية تربط الأجيال القادمة بتاريخ الأجداد، وتوثيقًا حياً لتاريخ الوطن. “من هنا وجهت الكثير من المؤسسات الثقافية بالدولة اهتماماتها للحفاظ على المباني القديمة لتسرد للأجيال القادمة قصة تاريخ قطر، ومن أهم وأبرز المواقع التاريخية والأثرية التي تم ترميمها في قطر موقع “الزبارة” الذي تم إدراجه في عام 2013 ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، بالإضافة إلى مشروع مشيرب قلب الدوحة، حيث تم تطوير منطقة مشيرب بتصميم هندسي حديث مع استخدام مواصفات صديقة للبيئة للمباني الخضراء مع الحفاظ على المباني والتاريخ الذي يكتنزه هذا الحي؛ ليروي قصة تاريخ المنطقة للأجيال القادمة، وإحياء النبض فيه؛ ليصبح معلما من المعالم التاريخية للدولة”.
وتلفت إلى أنها عندما تزور منطقة مشيرب ومتاحفها، “أشعر بالحنين للزمن الماضي؛ ففي كل شارع أو زاوية لي ذكريات وأشجان، حيث نشأت فيه وترعرت ودرست، وقد كان حينئذ نموذجًا لتلاحم المجتمع القطري”.

د. علي عفيفي: إعادة التأهيل يثري المشهد الثقافي
يقول د. علي عفيفي علي غازي، الباحث في التاريخ، إن تأهيل المواقع الأثرية وترميمها، واستخدامها كمزارات سياحية تتوافق مع الحداثة والمعاصرة، يُثري المشهد الثقافي والحضاري في قطر، ويعمل على تنشيط الحركة السياحية؛ إذ يتيح للزائر فرصة العيش في التاريخ، واستنشاق عبق التراث، ويُذكر بحياة الأجداد، ويُقدم دروس التاريخ، إذ إنها ترتبط بأحداث تاريخية مهمة، تؤرخ لجوانب في الشخصية القطرية، كما أنه لا يُحرم الزائر من الرفاهية والخدمات الجيدة، وذلك إثراء لتجربة ضيوف قطر، إذ إن اعادة التأهيل يمثل أحد السبل للحفاظ على المواقع الأثرية، التي تعتبر ثروة وطنية يجب علينا الحفاظ عليها لتسليمها لأبنائنا كما حافظ عليها آباؤنا وأجدادنا، كما أن التأهيل يقتضي تطوير المناطق المحيطة بالموقع الأثري المعاد تأهيله؛ لرفع كفاءة الخدمات السياحية، وإطالة مدة إقامة الزائر، ووضع لافتات تعريفية تُبرز القيمة التاريخية والحضارية والثقافية للمزار الأثري أو التراثي، وذلك لزياة الوعي بأهميته، وضرورة المحافظة عليه كإرث حضاري؛ يُسلط الضوء على حياة الأسلاف.
ويتابع: إنه مع عولمة البناء والعمران بالاعتماد على مواد وأدوات حديثة، باتت المحافظة على التراث العمراني التراثي والمواقع الأثرية تواجه تحديات حقيقية، وخاصة أن الحياة في الأبنية العصرية أسهل وأكثر راحة من الأبنية التراثية. كما أن تكاليف البناء الحديثة أقل بكثير من تكاليف صون الأبنية التراثية وتأهيلها، بالإضافة إلى أن ضعف الحافز المادي والمعنوي الذي يحصل عليه المتخصصون في مجالات الصيانة والتحديث، ومن هنا تأتي فكرة إدخال الأبنية التراثية، والمواقع الأثرية في الاستثمار السياحي، مع توفير بنية تحتية حديثة لها، وإقامة الفنادق والمطاعم وأماكن الترفيه بالقرب منها، لمواجهة هذا التحدي، ولكن التركيز على حماية المباني التاريخية وحده لا يكفي؛ بل يجب مراعاة عناصر البيئة التاريخية الأخرى المحيطة بها، لذا يجب تبني موقف حازم تجاه الترميم واعادة التأهيل اعتماداً على تصور تنموي مستديم، وأن يتم ذلك من دون تغيير طابعها التاريخي والتراثي والأثري والحضاري.

المصدر: الشرق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى