المفكّر البرازيلي فرناندو ألكوفورادو حصريًا لـ”الجسرة الثقافية”: أزمة الفكر جعلت العالم فوضويًّا مثل سفينة تنجرف نحو كارثة

قرأت على مدى السنوات الأخيرة كتابات الدكتور البرازيلي فرناندو ألكوفورادو بانتباه بالغ لصلتها بواقعنا وانضوائها إلى أطروحاته النقديّة في مواجهة النظام العالمي الحالي بالاستناد إلى الظواهر المستجدّة التي هي آخذة الآن في نحت تحوّلات حادة في مستوى العالم من دون استثناءات كانهيار النظام البيئي واشتعال النزاعات بين الدّول والقوى بشكل مرعب وما استتبعه ذلك من عنف اجتماعي غير مسبوق والحاجة إلى استخدام العلوم للرفع من قدرات الإنسان المعرفيّة والبيولوجيّة والنفسيّة حتّى يتمكّن من التغلّب على المصاعب المستقبليّة، إنّه يتحدّث في هذا الإطار عن قدرة الإنسان على استبدال الأعضاء التي لا تعمل في سنة 2045 بأعضاء جديدة واستعداد الإنسان باستحداث قدرات جديدة غير مسبوقة  للعيش خارج الأرض في كوكب يدور حول نجم آخر قبل انتهاء وجود الإنسان في عالمه الحالي، وقد توطّدت معرفتي بأفكاره من خلال كتابه الحديث الذي صدر بالبرازيل سنة 2019 وأرسله إليّ بالبريد في نسخة ورقيّة وعنوانه” كيف نصوغ المستقبل من خلال تشكيل العالم” Como Inventar o] Futuro Para Mudar o Mundo ]، وقد قدّمه ماركوس إدواردو دو أوليفيرا الإقتصادي البرازيلي والفاعل البيئي قائلا عن الكتاب ” هذا العمل كتبه بمهارة مهندس كهربائي، ولكن قبل كلّ شيء هو مفكّر اجتماعي بامتياز، ولد في وقت مليء بالشكوك حول المستقبل. يمكن للمرء أن يجده بالمعنى الدّقيق للكلمة ذا محتوى استفزازي عال، ويمكن أن نتخيّله مثيرا للتفكير والتأمّل، فهو يستمرّ في دعوة القرّاء إلى التفكير معه في بناء المستقبل.” ويبيّن دو أليفيرا الهدف الكبير الذي يراهن عليه ألكوفورادو المتمثّل في أن يحيا الإنسان في وئام مع بيئته.

يشدّ في تفكير فرناندو ألكوفورادو امتداد المفكّر فيه وترابطه، وهذا ما يكتشفه قارئ كتابه الأخير، إذ يحلّل الأسس الفكريّة والثقافيّة العميقة لنظريّة صراع الحضارات، ويلتقط من هذا المنطلق مصادرة صمؤيل هنتنغتون التي أعلنها في سنة 1966 في مقالة لتتحوّل بعد ذلك إلى كتاب مؤثّر في اتّخاذ القرارات المصيريّة على الصّعيد العالمي وعلاقتها بالخطّ الفلسفي الغربي، كما يحلّل النظام العالمي الحالي بخصائصه الاقتصاديّة القائمة على الاستهلاك المفرط وكسره للنظام البيئي الأم والآثار المؤلمة الناجمة عن ذلك اليوم، ويحلّل افتقار المجتمعات المعاصرة إلى السلام وهيمنة العنف عليها. وقد ارتأينا أن نعمّق النظر في انشغالات ضيفنا بمحاورته لتعميم الفائدة وتعميق معرفتنا بكتابه المذكور وإطلاع القارئ العربي على أطروحاته فيما يتّصل بالمسألة الثقافيّة في عالمنا اليوم وفيما يتّصل بالعلاقة بين الثقافة العربيّة والبرازيل ثانيا بما يعنيه مفهوم الثقافة من إدماج للمواضيع التقنيّة والاجتماعيّة في صلب الفكر الإنساني المعاصر. سيكتشف القرّاء أركانا كثيرة في هذا الحوار مع ألكوفرادو الأستاذ الجامعي في جامعة باهيا والمهندس ومستشار التخطيط الاسترتيجي.

ـــــ سألناه: عند قراءة أعمالك والتعمّق فيها ولاسيّما كتابك الصادر حديثا” كيف نصوغ المستقبل من خلال تشكيل العالم” يتّضح لنا على الفور أنّ عالمنا يحتاج إلى السلام حاجة أكيدة، ولعلّ هذا ما يفسّر اشتعال الاحتجاجات الاجتماعيّة العالميّة واندلاع الحروب على طول المعمورة وتدمير الطبيعة، هل يمكنك أن تنير لنا أكثر هذا السياق في ظلّ غياب فكر إنساني مؤثّر؟

ــ أجابنا: يصطدم العالم في حقبته المعاصرة بالعديد من الأزمات، وقد أبرزت في كتابي المذكور أنّنا نواجه ثلاث أزمات كبرى في القرن الحادي والعشرين، تتمثّل الأولى في النهاية المتوقّعة للرأسماليّة باعتبارها النظام الاقتصادي المهيمن، وتتمثّل الثانية في التدهور البيئي لكوكب الأرض، وتتمثّل الثالثة في تصاعد النزاعات الدوليّة. واحتمال أن تهدّد هاته الأزمات بقاء البشريّة يضع ضمن الأولويات ضرورة صياغة المستقبل  لتغيير العالم الذي نحيا فيه، وهاته الصياغة تعني إعادة تشكيل أو إبداع عالم يتعارض تماما مع عالمنا. ونحن نقدّم في كتابنا ما يتطلّبه هذا الرّهان وكيفيّة إعادة هيكلة النظام الاقتصادي في المجالين الوطني والعالمي ليحلّ محلّ الرأسماليّة في مقام أوّل والنظام البيئي المتدهور على كوكب الأرض وتغيّر المناخ العالمي الكارثي في مقام ثان والنظام الدولي لضمان التعايش السلمي بين الأمم والشعوب في مقام ثالث، فمع كلّ يوم تتفاقم هاته الأزمات في المجالات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة والبيئيّة، سواء على الصعيد الوطني أو العالمي. إلاّ أنّ أحدّ أزمة تمرّ بها البشريّة اليوم هي أزمة عقلانيّة الفكر التي تشكّل العقبة الرئيسيّة أمام تجاوز الأزمات الأخرى وبناء مجتمع جديد يرتكز على التقدّم الحقيقي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والبيئي، فأزمة الفكر المعاصر هي التي تجعل العالم فوضويّا مثل سفينة تــــنجرف نحو كارثة، ويجب على المفكّرين المعاصرين التحرّك والتعبئة لإيجاد مشروع اجتماعي جديد كما فعل مفكّروا عصر التنوير في القرن الثامن عشر، وذلك بهدف بناء عالم جديد يضع حدّا لمحنة الإنسانيّة، إنّنا نحتاج إلى تنوير جديد للقرن الحادي والعشرين. يعتبر كتابنا مساهمة في هذا الاتّجاه.

 يجب أن تكون حماية مختلف أشكال الحياة وصيانة كوكبنا لبّ التنوير الجديد، ولا يمكن أن ينهض التقدّم على قرارات العمل المنعزلة كما يوصي بذلك المنظّرون النيوليبراليون، أو على التوجيهات البروقراطيّة في الدول ذات السلطة المركزيّة كما يوصي بذلك المنظّرون الاشتراكيون على النمط السوفياتي، وإنّما على الدوافع المنبثقة من المجتمع نفسه. ينبغي على الفكر التنويري الجديد أن يتحّذ له مذهبا الدفاع عن حقوق الإنسان على أنّها الراية الأهمّ وأن يحارب الأنظمة غير الشرعيّة وأن يناضل من أجل الحريّة وضدّ كلّ عسف. وسيتولّى هذا الفكر بناء نظام عالمي قادر على تنظيم لا فقط العلاقات بين الناس على الأرض، وإنّما أيضا على تنظيم العلاقات بين الناس والطبيعة، وسيعمل على تطوير عقد اجتماعي عالمي يمكنّ من التطوّر الاقتصادي والاجتماعي واستعمال الموارد الطبيعيّة استعمالا عقلانيّا لفائدة الإنسانيّة جمعاء.

ـــ سألناه: كيف تقيّم حضور الأدب العربي في البرازيل من خلال اللّغة البرتغاليّة؟ هل يمكن للقرّاء مثلا أن يتعرّفوا عبر التعليم والكتب المنشورة والصّحافة والتعاون الثقافي إلى ابن خلدون ونجيب محفوظ ومحمود درويش وأبي القاسم الشّابي على سبيل المثال لا الحصر؟

ـــ أجابنا: إنّ الأدب العربي غير معروف لدى القرّاء البرازليين، ولعلّ افتقار المترجمين إلى ما تتطلّبه اللّغة العربية من دراية بخصائصها هي من الأسباب الرئيسيّىة لندرة ترجمة الكتب العربيّة إلى اللغة البرتغاليّة. ولكن صدرت في العقد الأخير ترجمات هامة للأدب العربي هنا في البرازيل مثل” ميرامار” لنجيب المحفوظ الحائز على جائزة نوبل لسنة 1988 التي قامت بها صفاء جبران و” موسم الهجرة إلى الشمال” للروائي السوداني الطيّب صالح الذي يعتبر أبرز الكتاب العرب في القرن العشرين. وترجمت في سنة 2009 أكثر الروايات العربيّة مبيعا” عمارة يعقوبيان” للروائي المصري أيضا علاء الأسواني.

ومن أبرز العوامل التي عزّزت حضور الأدب العربي حضور الكتّاب العرب المتزايد للمشاركة في مهرجان باراتي العالمي للأدب، وقد استقبل في نسخته لسنة 2006 الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي والروائيّة المصريّة أهداف سويف في سنة 2007 والشاعر السوري أدونيس في سنة 2012 الذي حضر لنشر مختارات من قصائده.

يمكن القول إنّ ترجمة الأدب العربي تتقدّم نوعا ما رغم التأخير الملحوظ، ونراعي هنا أهميّة الأعمال المعاصرة التي يكتبها الكتاب في لبنان وتونس وسوريا ومصر والجزائر، ولتصحيح الخلل الحاصل فيما يتّصل بضعف حضور الأدب العربي وغياب القديم منه نشر الأستاذان  مويما دو كاسترو وسيلفا أوليفال كتاب” الأدب البرازيلي والثقافة العربيّة” في سنة 2015، وفيه مقالات عن ستّة كتّاب برازيليين من أصل لبناني، حيث وقع تسليط الأضواء على مساهمة العرب الكبيرة في التطوّر الثقافي عندنا.

ـــ سألناه: تتحدّث عن التبعيّة الاقتصاديّة والسياسيّة والتكنولوجيّة في البرازيل، كيف يواجه الأدب والفكر الأدبي هاته التحدّيات؟ وهل هناك كتابة احتجاجيّة خاصة بالإبداع الأدبي في البرازيل؟

ــــ أجابنا: يشبه البرازيل الدول المحيطة به من حيث الاعتماد على الدول الرأسماليّة المركزيّة في الاقتصاد والسياسة والتقنية، ويمتدّ هذا التـأثير الخارجي إلى الثقافة الآن لتوسيع العولمة، فثقافتنا المحلّية والأدب بصفة خاصة واقعان تحت تأثير ثقافة القوى المهيمنة التي تسعى إلى فرض إيديولوجيتها.

وتجد أنّ الفضاء الجغرافي مليء بالعناصر النموذجيّة الممثّلة للعولمة مثل التلفزيون والهوائيات الخلويّة ووسائل النقل بأنواعها وكابلات الألياف الضوئيّة والشبكات التي لا تكون مرئيّة دائما ولكنّها موجودة في الفضاء. إنّ الفضاء الجغرافي يبني أسسه  في مجالات وتكوينات لا حصر لها منها الاقتصاد والسياسة والمجتمع والتعليم، فيتمّ نتيجة لذلك دمج الثقافة بشكل كامل في هذا السياق. ويمكننا من ثمّ ملاحظة إعادة تشكيل المناظر على أساس متوافق مع المجتمعات الرأسماليّة المهيمنة بعناصر ثقافيّة محلّية وإقليميّة موظّفة لا تعكس الخصوصيّة، رغم أنّ الواقع الثقافي ثريّ ومتنوّع.

لقد تطوّرت وسائل التواصل مع العولمة، وتيسّر بالتالي للدول الرأسماليّة المركزيّة، وخاصة الولايات المتّحدة وأوروبا الغربيّة أن تنشر قيمها الثقافيّة. وهناك في هذا الاتّجاه جهد يُبذل باستمرار للسيطرة على ثقافة الدول الأخرى، وذلك من خلل توحيد طرق الحياة وجعل السلوك البشري يعتمد على المرجع الغربي المهيمن، ممّا يؤدّي في نهاية المطاف إلى فقدان القيم التقليديّة والمحلّية. يجعل هذا السلوك العولمة نظاما فاسدا، فإضافة إلى الهيمنة السياسيّة والاقتصاديّة  والتكنولوجيّة التي تقودها الدول الرأسماليّة المركزيّة، فإنّ هذا يساهم في هيمنتها الإيديولوجيّة على المجتمع وتدخّلها في الثقافة الوطنيّة المحلّية لفرض قيمها الوافدة.

ــــ يتجلّى الشعور في الأدب العربي وخاصة الرواية بالعبثيّة، فالألم يسيطر بأشكال وصور مختلفة، إلى أيّ مدى يعكس التعبير الروائي والجمالي عندكم في البرازيل الألم الذي طالعناه مثلا في رواية جورجي أمادو”  Jorge Amado de Faria أرض اللاّنهاية” ” Terras do Sem Fin “؟

ــــ تمّ وصف الألم والمعاناة في البرازيل في أدبنا الذي صوّر استغلال الإنسان للإنسان واستبداد الحكومات عبر التاريخ. يصوّر جراسيليانو راموس Graciliano Ramos في روايته” الحياة الجافة” ” Vidas Secas ” مأساة عائلة برازيليّة من الشمال الشرقي مستعبدة إلى اليوم في البرازيل فاضحا الإهمال الاجتماعي واستغلال البشر.

لقد سجّل الأدب استبداد الحكومات البرازيليّة عبر التاريخ، فلقد كانت الحياة السياسيّة في القرن العشرين واقعة تحت التسلّط والقيادات القمعيّة، بينما كانت الديمقراطيّة استثناء وليست القاعدة. وتمّ افتتاح القرن العشرين في هذا المضمار برواية اتّهمت الحكم في البرازيل هي رواية” الأراضي الخلفيّة” ” Os  Sertões ” في 1902 كتبها إقليدس داكونها Euclides da Cunha. ويمكن القول إنّ الكاتب ليما باريتو قد صوّر الحياة السياسيّة هذه أحسن تصوير في روايته” نهاية حزينة لبوليكاريو كواريسما” Triste      Fim de Policarpo Quaresma التي صدرت في سنة 1915، وفيه إشارات كبيرة إلى عهد الحاكم الدكتاتور فلوريانو بيكسوتو Floriano Peixoto .

وولّدت اعتقالات الشرطة السياسيّة لحكومة غويتسولو  فارغاس الاستبداديّة واحدة من أعظم الكتابات الأدبيّة السياسيّة لدينا في مجلّدين في سنة 1953 بعنوان” مذكّرات السجن” Mémoires de Prison كتبها كراسيليانو راموس الذي صوّر من قبل البيئة القمعيّة في روايته” العذاب” سنة 1936، وكان حينئذ في السجن. وسيكون من الممكن دائما  الشعور من خلال الأدب بقمع حكومة فارغاس في الدولة الجديدة في قصائد كارلوس دروموند دو أندراري Carlos Drummond de Andrade، ولاسيّما في كتابيه” شعور العالم” Sentiment du Monde الصّادر في 1942 و” وردة الشعب” La rose du  peuple الصّادر في 1945.

وتطلعنا رواية إيفان أنجيلو” Ivan Ângelo الزواج” La Fête المتسلسلة المنشورة ما بين 1963 و1975 في خضمّ السنوات المضطربة لحكومة جواو جولارت كرئيس على اضطرابات المجتمع البرازيلي في تلك الفترة، التي وقع فيه الانقسام بين دعم الحكم ومقاومته، والأمر نفسه في رواية” المقلّد” Quarup لأنطونيو كالادو Antônio Callado المنشورة في سنة 1967 التي استلهمت النهايات المأساويّة وانسداد الأفق بين حكومة جواو جولات والجيش في سنة 1947. ويظهر اضطهاد النظام العسكري بصفة محسوسة في ديوان الشاعر ولاي سالومار Waly Salomão ” أمسكني، سأفقد السيطرة” Tiens moi, je vais perdre le contrôle سنة 1972، وكذلك هو الأمر مع رواية  فرناندو غابيرا  Fernando   Gabeira ” ما هذا يا صديقي؟” سنة 1979 التي أصبحت فيما بعد من أشهر روايات الدكتاتوريّة العسكريّة.

الكاتب الآخر الذي تعامل بشدّة مع فترة الدكتاتوريّة العسكريّة هو لويس فرناندو إيميدياتو Luiz Fernando Emediato الذي انخرط في حركة التمرّد ضدّ السلطة بين 1964 و1974في منطقة أراغويا وكتب” سواد الجنّة” Trevas no Paraísa، كما نشر قصّة” كيف تخنق جنرالا” Comment étrangler un général. ويمكننا ونحن نفكّر في إرث الاستبداد وعنف الشرطة والتفاوت الفاضح أن نقرأ كتبا مثل” مدينة الله” La cité de Dieu لباولو دو لينس Paulo de Linz سنة 1997 أو ” فرقة النخبة” Escouade d’élite  لكتابها أندري باتيستا André Batista ورودريغو بريمنتال Rodrigo Pimentel ولويس إدواردو سوريس Luiz Eduardo Soares.

ــــ باولو كويلو Paulo Cœlho هو أشهر كاتب برازيلي في العالم، فهل لا يزال القارئ يقرأ رواية” الحاج كومبوستيلا” O Diário de um Mago و” الخيميائي”  O Alquimistaأم أنّ هناك روائيين آخرين يجذبون المزيد من الاهتمام؟

ــ أجابنا: باع باولو كويلو بالفعل في البرازيل 10 مليون نسخة من 10 كتب، إنّه الكاتب البرازيلي الأكثر مبيعا على هذا الكوكب، فقد بلغ عدد النسخ 210 مليون نسخة، إضافة إلى ترجمته إلى أكثر من 70 لغة ووصوله إلى 150 دولة. الكتب البرازيليّة السبعة الأكثر قراءة في العالم هي بالترتيب:” الخيميائي” لكويلو و” قباطنة الرّمال” Capitaes Areia لجورجي أمادو و”ذكريات ما بعد الوفاة برأس كوباس” Memorias Posthumas de Bras Cubas لماتشادو  دو أسيس و” ساعة النجمة”  A Hora da Estrela لكلاريس ليسبكتور و”الشيطان في طريق العودة” Grande Sertão : Veredas لجواو كيمارايس روزا و” بوليسيا اليائسة” لماريو دو أندراري و” الثلاثة أزواج” لراشيل دو كويروز.

أعظم اثني عشر كاتبا برازيليّا على الإطلاق هم: 1) ماتشادو دو أسيس Machado de Assis( 1839 – 1908) يعتبره بعض العديد من النقّاد أعظم كاتب برازيلي في كلّ العصور، وكان أوّل رئيس للأكاديميّة البرازيليّة للآداب. 2) جواو كيمارايس روزا João Guimarães Rosa( 1908- 1967) اشتهر برائعته الروائيّة ” الشيطان في طريق العودة” “Grande Sertão : Veredas” وهي من أعظم الكتب البرازيليّة في كلّ الأزمنة. 3) كارلوس دورموند دو أندرادي Carlos Durmmond de Anrade( 1902- 1987) برز في الشعر كواحد من أكبر الشعراء.4) كلاريس ليسبكتور Clarice Lispector( 1920- 1977) وهو من أعظم الكتّاب البرازيليين في كلّ الأزمنة. 5) ماريو دو أندراري Mário de Andrade ( 1893- 1945) شاعر وروائي ومؤرّخ وموسيقي ومؤسّس الحداثة الشعريّة في البرازيل بمجموعته” مدينة الهلوسة” ”  Pauliceia Desvairada” ومن المنظّمين الأساسيين لتظاهرة أسبوع الفنّ العصري في سنة 1922 بساوباولو التي كان لها الأثر البارز في تطوير الفن البرازيلي بخصوصياته المحلّية. 6) جراسيليانو راموس Graciliano Ramos( 1892- 1953) وأشهر أعماله روايته” حياة جافة” الذي نشر في سنة 1938، ويحكي قصّة عائلة من المتقاعدين من الشمال الشرقي الذين فرّت من البلاد هربا من البؤس والموت. 7) مانويل بانديرا Manuel Bandeira( 1886- 1968) أحد ممّثلي الحداثة البرازيليّة. 8) ليما باريتو Lima Barreto( 1881- 1922) أحد أعظم كتّاب الخيال. 9) سيسيليا ميريليس Cecília Meireles  ( 1901- 1964) صاحبة أحد أهمّ الأعمال الشعريّة في القرن الماضي باللّغة البرتغاليّة، وأوّل امرأة يتمّ قبولها في الأكاديميّة البرازيليّة للآداب. 10) جورجي أمادو Jorge Amado( 1912- 2001) أشهر كاتب برازيلي على الإطلاق، وعضو الأكاديميّة البرازيليّة للآداب في سنة 1961. 11 جواو كابرال دو ميلو نيتو João Cabral de Melo( 1920- 1999) شاعر كبير، وعضو منتخب في الأكاديميّة البرازيليّة للآداب في سنة 1968. 12) كاسترو ألفيس Castro Alves( 1847- 1871) يلقّب بشاعر العبيد، استنكر بصرامة فظائع العبوديّة في قصيدة رائعة ضمن الشعر البرازيلي بعنوان” القارب الأسود” ” Le Bateau négerier”، وتمّ اختياره في الأكاديميّة البرازيليّة للآداب.

 ـــ هل يمكن أن يكون العالم الرقمي فرصة لتحرير لتحرير البشر أم أنّ العكس هو الصحيح بما أنّ التكنولوجيا موجّهة أكثر فأكثر لجعل المستخدمين مستهلكين؟

ـــ العالم الرقمي في حياة الناس والمنظّمات حول العالم هو نتاج التقدّم العلمي والتكنولوجي. يمكن للعالم الرقمي أن يقدّم تسهيلات كبيرة في مجال الاقتصاد والعلاقات الاجتماعيّة، إضافة إلى تحرير البشر من عبء العمل، وذلك بالإمكانيات الهائلة التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي في مقام أوّل. ويمكن، مع ذلك، أن تستخدم رأسماليّة السوق العالم الرقمي أداة لتوسيع هيمنتها على البشر. إنّه من العادي أن تنظر كثير من المجتمعات إلى العالم والتكنولوجيا بوصفهما محرّرين للبشريّة من عبء العمل والتهديدات الطبيعيّة، كما أنّ هناك وجهة نظر عامة مفادها أنّ هذا التقدّم لا يؤدّي فقط إلى تقدّم المعرفة، ولكن أيضا إلى تحسين جوانب الحياة المختلفة تحسينا فعّالا. نعم هناك تصوّر بأنّ العلم والتكنولوجيا قد مكّنا من تطوّر البشر ولكن في استطاعتهما للأسف تدمير هذا التطوّر.

لا يُنظر إلى هذين العاملين على أنّهما محرّران فقط، بل يُنظر إليهما على أنّهما في وضعيات أخرى يخلوان من الإنسانيّة وآليّة استعباد. نعم ساعدا في السيطرة على الطبيعة، لكنّهما ساعدا أيضا في زيادة هيمنة رأسماليّة السوق على البشر، وأصبحت رأسماليّة السوق المثال المتميّز لهذا النوع من السيطرة العالميّة والمنبثّة في كلّ مكان، ما دامت تمتلك التقنية اللّازمة لجعل الناس تروسا في محرّكها.

تقضي شموليّة رأسماليّة السوق على التفكير المستقلّ، وتعزّز التوحيد والإجماع في مجتمع ثريّ ومتنوّع مثل المجتمع الذي نعيش فيه الآن. يظهر البشر في عالمنا اليوم شركاء ولكنّهم بعيدون عن فرديتهم في ظل الرأسماليّة والعلم والتكنولوجيا، بل إنّهم منصهرون كأنّهم يشكّلون في حقيقة الأمر جسما واحدا، وهم يمتّنون تفوّقهم في المجتمع المعاصر و يحدّدون اتّجاهاتهم بنفس الجرأة و لكن في ظلّ انعدام الطابع الشخصي الناتج عن يد خفيّة توجّههم. لقد فرض العلم والتكنولوجيا اتّجاه السلوك الاجتماعي سواء على المستوى الجماعي أو على المستوى الفردي.

ـــ الحرب هي استراتجيّة يقودها الغرب، وينخرط في هذا الإطار تفكير صموئيل هنتنغتون بأبعاده السياسيّة التي أضاءها باسكال بونيفاس مدير العلاقات الدوليّة والاستراتجيّة بباريس عندما صرّح أنّ القادة الغربيين أرادوا بشكل سريع أن يجدوا بديلا للتهديد الشيوعي الخارجي للمحافظة على وحدة دولهم، هل تستطيع إنارة الأمر أكثر لنا؟

ـــ طوّر صموئيل هنتنغتون في كتابه” صراع الحضارات وإعادة تكوين النظام العالمي” مفهوما جديدا لوصف سير العلاقات الدوليّة بعد انهيار الكتلة السوفياتيّة في نهاية الثمانينات. وهو يجادل في أطروحته بأنّ سقوط الإيديولوجيات قد ترافق مع عودة الإحساس بالهويّة في العالم الإسلامي، ولاسيّما مع عودة ظهور الإسلام الراديكالي في آسيا أو في بلدان أوروبا الشرقيّة. ويوضّح هنتنغتون في كتابه أنّ للإسلام حدودا دمويّة، فالحروب التي خاضها في الماضي كانت أكثر عددا وأكثر دمويّة من حروب الحضارات الأخرى. ولكن ليس من الضروري أن يكون لديك معرفة موسوعيّة لتؤكّد حقيقة أنّ الحربين العالميتين العظيمتين كانتا الأكثر دمويّة في التاريخ، وكان الباعث عليها التنافس بين القوى الكبرى على الهيمنة العالميّة.

لقد طعن برنارد نادولك Bernard Nadoulek في كتابه ملحمة الأمم L’épopée de Civilisations الذي نشر في سنة 2005 في هاته الأطروحة، ويذهب إلى أنّ صدام الحضارات لن يحدث على الرغم من عودة ظهور الجوانب المتطرّفة، أحد الأسباب التي قدّمها هو أنّ الاختلافات الثقافيّة لم تكن سبب الحروب. أودّ أن أوضّح تهافت أطروحة هنتنغتون فيما يتّصل بحتميّة الصراع الحضاري، فإنّه ثبت تاريخيّا أنّ الدّافع وراء الحروب كان دائما هزيمة العدو لأسباب اقتصاديّة واستراتجيّة وليس لسبب حضاري. ويؤكّد باسكال بونيفاس في كتاب أرماند كولين” نحو الحرب العالميّة الرابعة” أنّ القادة الغربيين أرادوا بعد سقوط الاتّحاد السوفياتي أن يجدوا بديلا للتهديد الشيوعي، وسرعان ما شرعوا في استبداله بعدو جديد يوحّدهم تحت قيادة الولايات المتّحدة. وقد جاء خطاب صراع الحضارات لدعم سياسة الحرب الأمريكيّة المتشدّدة على الإرهاب وخاصة بعد هجمات 11 سبتمبر في سنة 2001 والتي أدّت إلى سقوط مركز التجارة العالمي.

هناك حقيقة واحدة واضحة، وهي أنّ الخصم الحقيقي للولايات المتّحدة على المسرح العالمي ليس الحضارة الإسلاميّة، وإنّما القوى الأخرى التي نمت بشكل أسرع وتعزّز نفسها، فقدأصبحت روسيا بطلا في الجغرافيا السياسية العالميّة مثل الاتّحاد السوفياتي السابق وستتجاوز الصين بحلول سنة 2050 الولايات المتّحدة اقتصاديّا. إنّ معضلة الولايات المتّحدة على المدى الطويل تتمثّل في أنّها وقد وسّعت بعد إمبراطوريتها إلى حدّ بعيد لن تكون معه قادرة على إدارتها، تماما كما حدث مع إسبانيا في القرن السابع عشر والمملكة المتحدة في القرن العشرين، وكما حدث أيضا مع الاتّحاد السوفياتي الذي عانى هذا العجز في ثمانينات القرن الماضي بسبب تجاوز الإنفاق على الحرب كلّ الحدود فانهار، يمكن أن تؤدّي زيادة الإنفاق الحربي الأمريكي إلى نفس النتيجة.

ــــ يمثّل فيروس كورونا تحدّيا، لكن لدينا خطابين متضادين أحدهما طبّي أخلاقي والآخر سياسي ينهض على الربح، هل يمكن أن يؤدّي الوعي الحالي في ظل هذا المناخ الثقافي إلى تشكيل إنسان ثائر لا يعترف بالنظام؟

ـــ يُعدّ وباء فيروس كورونا الجديد تحدّيا يتجاوز إطار الصحّة العامة، وذلك من خلال تعريض الاقتصاد والمجتمع لأخطار وطنيّة وعالميّة. يهدّد الفيروس التاجي الجديد العولمة المعاصرة في الصّميم بسبب كساد الاقتصاد العالمي الذي بدأ انطلاقا من سنة 2008 وهزّ التجارة الدوليّة، ممّا جعل الحكومات والمجتمعات والأسر ترزح تحت مديونيّة ثقيلة. ويواجه العالم أفق تغيير عميق لكي يعود الاقتصاد الوطني في الدول ويحقّق توازنه من جديد، لكنّ هذا التغيير مضاد للعولمة تماما، إذ كلّما طالت مدّة الوباء كلّما تقوّضت العولمة، وهذا يعزّز الخطاب الساعي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني.

كان التأثير الأوّل لفيروس كورونا الجديد على الاقتصاد العالمي قد أدّى إلى إغلاق الصناعات الصينيّة من السيّارات إلى أجهزة الأيفون، وعانت في البداية خطوط الإنتاج المتنوّعة والمنتشرة عالميّا في جميع أنحاء الأرض صدمة غير متوقّعة نجمت عن الكائن المجهري الذي أفلت من سوق الحيوانات في مدينة ووهان الصينيّة. وقد غذّى الزعم بأنّ الفيروس الجديد غاز أجنبي أو خطر صيني الإيديولوجيات القوميّة بشكل صريح، كما كشف الوباء أيضا عن مخاطر الثقة في سلاسل الإنتاج العالميّة وأعاد إحياء التدابير الحمائيّة، وهذا يجعل الصين أكثر هشاشة، كما يشكّك في أنّها المصنع الذي يعتمد عليه العالم.

حدثت عولمة المرض مع السفن والطائرات التي انتشرت بسرعة كبيرة في جميع أنحاء الكوكب، وقد انكفأت الدول على نفسها كإجراء وقائي اضطراري، وها أنّنا نشهد بالفعل انخفاضا كبيرا في عدد الرحلات الجويّة. لقد أظهر هذا الفيروس افتقار العولمة إلى التوازن، فالمصانع تعود إلى بلدانها الأم والشركات تنوّع سلسلة التوريد حتّى لا تعتمد على بلد كالصين، بل يمكن لفيروس كورونا الجديد تغيير مجرى التاريخ إذا أخذنا في الاعتبار أنّ تدهور الاقتصاد سيسهم في زيادة التوتّرات الاجتماعيّة على نطاق عالمي، ولربّما يمكن القول إنّ العالم سيشهد حالة دائمة من الثورات الاجتماعيّة في كلّ بلد مع عواقب غير متوقّعة.

 

مجلة الجسرة الثقافية – العدد 57 – شتاء 2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى