من الذي يقتني اللوحات في زمن كورونا؟

كثيرون هم مَنْ يعشقون الفن التشكيلي، ويتابعون المعارض الفنية ويزورونها، ويلتقطون الصور، وهذه حالة لا غنى عنها للفن أو للفنان، أما حينما يهيمن حب الفن بشكل أعمق على الإنسان، فإنه يتحول من حالة المشاهد إلى حالة الراغب في الاقتناء، ومعايشة العمل الفني بشكل دائم.

والفن التشكيلي قوامه معادلة تجمع بين الفنان، وصاحب الجاليري، والمقتني الذي هو الطرف المجهول نوعًا ما في هذه العملية الإبداعية، رغم أنه المحرك الرئيسي لسوق الفن.

وهناك دراسات وبحوث شهيرة في علم الاجتماع قادها المُنَظِّر الفرنسي الشهير “بيير بورديو” حول رأس المال الثقافي؛ فقد دَرَسَ الطبقة الأرستقراطية وأوضح أن رأس المال الثقافي هو ما يمتلكه الفرد من لوحات ومقتنيات فنية ومعارف مكتسبة بفضل الدراسات العلمية الرفيعة. ورأس المال هذا هو الذي يصنع ذائقة الفرد، ويشكلها على مدى سنوات التنشئة الاجتماعية.

ومن المعروف أن ثقافة الاقتناء في مصر سادت بشكل لافت خلال عهد أسرة محمد علي، التي عرف عن أفرادها ولعهم بشراء الأعمال الفنية من مزادات أوروبا، وجلب الفنانين لتنفيذ أعمال في مصر، ولا تزال متاحف مصر شاهدة على هذا الشغف؛ إذ تعج بمقتنيات من: فرنسا، وإيطاليا، وتركيا، وإيران، وروسيا، وكلها أعمال فنية نادرة.

إحدى قاعات الاقتناء في واحدة من الجامعات العربية

ومؤخرًا ظهرت نوعيات جديدة من المقتنيين، إلى جانب المخضرمين الذين يمكن بما جمعوه من أعمال فريدة إقامة متحف خاص بهم.

ومجلة “فنون الجسرة” تستعرض معكم خفايا هذا العالم، وتتساءل:

 هل صحيح أن دائرة الاقتناء اتسع قطرها؟

 وهل يمكن تصنيف المقتنيين إلى فئات؟

وهذه آراء نخبة من خبراء الفن التشكيلي الذين يُجمِعون على أن هناك دوافع عدة للاقتناء، وهي التي تحرك مَنْ يقتني، أو يجمع الأعمال الفنية، وهي تعتمد أيضًا على الرؤية والمرجعية الثقافية، والذائقة الفنية، والهدف من الاقتناء؛ كالتباهي أو التجارة والاستثمار أو تكوين مجموعة نادرة تتوارثها أسرة المقتني.

 المقتني الفنان

وقد يكون المقتني فنانًا تشكيليًا، ومجموع هؤلاء يشكل فئة مهمة بين فئات المولعين بالاقتناء.

وفي تاريخ الاقتناء، اشتهر عدد من الفنانين العالميين بولعهم باقتناء أعمال من مدارس فنية مغايرة لاهتماماتهم، أو مكملة لها، وأشهرهم الفنان الفرنسي “مونيه” الذي أدركه الولع بفن التصوير الياباني فاقتنى مجموعة “هوكو ساي” “الزهور الكبيرة”، كما عُرِفَ عن الفنان “ماتيس” عشقه للفنون الزخرفية الشرقية، بينما اشتهر الفنان “ديجا” بهوسه بشراء الأعمال الفنية على حساب نفقات معيشته كشكل من أشكال إدمان الاقتناء، وقد كان يقول: “أنا أشتري، أشتري، ولا أستطيع التوقف عن شراء اللوحات”.

 فاروق حسني: اقتناء اللوحات أعظم فرص الاستثمار

وحول ثقافة الاقتناء، تحدث إلينا الفنان التشكيلي الكبير فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق وأحد أشهر المقتنيين في العالم؛ وهو الذي قام بتحويل مرسمه إلى متحف يضم أعماله جنبًا إلى جنب مع مقتنياته من أعمال أهم فناني العالم ليكون متاحًا للزوار في منطقة الزمالك، وحول ذلك يقول: “دائمًا ما عبرت عن قناعتي بأنه لا توجد سلعة يزيد ثمنها بمرور الزمن مثل العمل الفني، ودائمًا أصرح بأن لوحاتي هي أهم من أموالي؛ فأنا أراها أمامي وهي تمنحني الدفء والطاقة المحفزة على الإبداع”.

الفنان والفنانة وعدسات المصورين تلاحقهما

ويضيف: “المقتني شخصية متذوقة وحساسة وصاحبة رؤية، والشغف بالاقتناء مرض أو إدمان حميد، فالمقتني دائم البحث عن أعمال فنية تحيط به، وتروي سيرته، وتتحدث عنه. الفليسلوف يقول: تكلم حتى أراك، والمقتني يعرف نفسه بما هداه إليه ذوقه، ورؤيته، ومرجعيته الثقافية.

 واللوحة تجعله يبحث في الفلسفة ويتعمق في دراسات الفنون، وهو ما يدفعه إلى الابتكار والإبداع. ويتوقف الأمر على نمط تنشئة هذا المقتني؛ فهو يحب الفن لذاته، وينفق للحصول على سعادته بقيمة العمل الفني الذي يمتلكه”.

ويضيف الفنان فاروق حسني: “هناك شخص يقتني فقط، ولكن من يتفوق عليه هو من يكون لديه الخبرة في التقييم المادي والفني للعمل الفني، مع الوضع في الاعتبار أن التقييم الفني مطلق، بينما المادي تتحكم فيه أسواق الفن العالمية”.

وحول تغير نوعية المقتني يقول: “في الثمانينيات من القرن الماضي راهنت على المقتنيين الشباب، وهم بالفعل أصبحوا يتصدرون المشهد اليوم. وحتى إذا كان المقتني شخصًا معنيًا بالمكاسب المادية فقط، فإنه سيسهم، من خلال اقتنائه، في تكوين ذائقة أبنائه فنيًا.

 واليوم، أصبحت لدينا في وطننا العربي كله، أجيال رائعة من هواة الاقتناء تنافس مثيلاتها في الغرب”.

ويستطرد الفنان الكبير: “في الثمانينيات حينما كنت أقيم معارض للوحاتي في أوروبا، قلت لصديقي الفنان الكبير آدم حنين: يجب أن نعرض أعمالنا في بلدنا، لأن مستقبلنا فيه، وحضورنا في الوطن مهم، وسيربي جمهورًا يستطيع متابعة التطور في الحركة الفنية.

وبالفعل شهدت الأيام التالية ذلك، واستقر آدم حنين في بلده”.

وحول مستقبل الاقتناء في زمن الوباء، يقول الفنان الكبير فاروق حسني: “الفن هو الحياة، وسوف تستمر حركة الاقتناء وحركة الإبداع الفني وإقامة المعارض، رغم كل شيء.

ولعل الحلول التي أتاحتها التكنولوجيا، ومنها عرض اللوحات أونلاين، أسهم في تحريك حالة السكون التي شهدها العالم في ذروة هذه الجائحة، ولكن لقاء الفنان بجمهوره داخل قاعات المعارض هو بمثابة حالة أو احتفاء، لا مثيل له، بقيمة الفن، وهو يخدم أغراض الثقافة بمعناها الجماهيري، كما يسهم في نشر الوعي الفني بين الأفراد، بينما العرض أونلاين يستهدف المتخصصين والخبراء والممارسين للفنون فقط”.

وعن المواقف التي صادفها الفنان فاروق حسني كمغرم بالاقتناء، ولا يمكنه نسيانها يقول: “كنا نتبادل الأعمال الفنية، فمثلًا تبادلنا أنا وحامد ندا ومنير كنعان لوحات وأعمالًا فنية أخرى. وأوضح أن عدوى حميدة تسري بين هواة الاقتناء تتمثل في تنافسهم على جمع الأعمال الفنية وشرائها”.

ويتابع: “المقتني لديه ما يسمى مهارة الرصد الداخلي في تلقي الأعمال الفنية، وهناك رجال أعمال لديهم حساسية فائقة في الانتباه إلى أهمية الأعمال الفنية. وهناك أناس يقتنون بدون هذه الملكة”.

ويرى الفنان فاروق حسني أن هناك مقتنيًا يتباهى بشكل فج بقيمة ما دفعه في شراء لوحة، بينما يتباهى آخر بقيمة اللوحة ذاتها.

وهو كفنان يهتم بمن يُقدّر العمل.

وقد حدث ذات يوم أن أعجب شخص بسيط من الصعيد بلوحة في معرضه، وكان لا يمكنه أن يشتريها، فما كان منه إلا أن أهداه إياها لثقته في أنه مهتم بها وسيقدر قيمتها.

ويؤكد أشهر وزير ثقافة عربي أن سياسة الاقتناء لدى المؤسسات الحكومية تسهم في رفد المتاحف بمخزون رائع من المقتنيات.

ويشير إلى أن قطر من الدول التي شجَّعت على نشر ثقافة الاقتناء، وأسست متحفًا عالميًا لفنون العالم العربي.

وحول دور “مؤسسة فاروق حسني للفنون” وسياسات الاقتناء فيها، يقول: “أقتني من الشباب المشاركين في مسابقة جائزة المؤسسة وفقًا لقدراتي، وبشكل شخصي، ولكن بشكل منفصل عن الجائزة التي تُخصَص لأفضل الأعمال كقيمة مادية تحفز الفنان على الاستمرارية”.

 مُقتنٍ دؤوب ومُقتنٍ موسمي

ولمعرفة الفارق بين مقتني دائم البحث عن لوحات فنانين بعينهم، وآخر عابر، تواصلنا مع الخبير والباحث في الفن الدكتور حسام رشوان، أحد أهم من يقتنون أعمالًا من الفن المصري الحديث، وقد عمل على إصدار “الكتالوج المسبب” الخاص بلوحات الفنان محمود سعيد، وهو حاليًا يعكف على إعداد “الكتالوج المسبب” الخاص بلوحات الفنان عبدالهادي الجزار، بالتعاون مع دار النشر الإيطالية “سكيرا” المتخصصة في نشر الكتب الفنية، وهو يرى أن “المقتنيين إما أفراد لديهم الوله بالفن ويقدرون قيمته، أو مؤسسات تعي دور الفن في تهذيب النفس وإثراء المكان، أو صاحبة رسالة في دعم الفنانين”. ويذكر أن “مؤسسة الأهرام” تعتبر من أهم جهات الاقتناء غير الرسمية، هي والبنك الأهلي المصري، إلى جانب بعض البنوك والمؤسسات المالية والخاصة الأخرى.

ويضيف بأن المقتني يحركه دافع الشغف لاقتناء أعمال فنان محدد مثل رجل الأعمال نجيب ساويرس الذي يقتني مجموعة أعمال الفنان عبدالهادي الجزار، وهناك من لديهم مجموعات فنية قيمة ومتنوعة مثل: شيرويت شافعي، ونادية نيازي مصطفى، والدكتور محمد أبو الغار.

الفنان أشرف رضا مؤسس آراك للفنون والثقافة

 وهناك أيضًا مجموعات استثمارية مثل: مجموعة فاروس التي تقتني الأعمال الفنية بغرض طرحها في المزادات العالمية، ومثل هذه المؤسسات لها دور فاعل في تنشيط سوق الفن وبورصته.

أما الفنان التشكيلي أحمد الجنايني، رئيس أتيليه القاهرة للفنانين والكتاب، فيرى أن غالبية المقتنيين في مصر يركزون على أعمال الرواد بشكل كبير مثل: عبدالهادي الجزار، ومحمود سعيد.

ويصنف المقتنيين إلى فئتين: فئة أولى تقتني بدافع الاستثمار فقط، والتباهي والمظهرية الثقافية. والفئة الثانية معنية فعلًا بأهمية الفن الراقي، ويحركها دافع الشغف بالفن والتجارة أيضًا.

ويضرب مثالًا بمحمد محمود خليل الذي كان عضوًا في مجلس الشيوخ وحرص على الاقتناء من مختلف أنحاء العالم لكبار الفنانين العالميين، وبعد وفاته تحول منزله إلى متحف فني من أهم المتاحف الفنية في العالم العربي.

 في حين يعتبر الجنايني أن دور المؤسسات ليس فاعلًا كجهات اقتناء، فمثلًا كثير من الفنادق تعرض مستنسخات من اللوحات وليست الأعمال الأصلية توفيرًا للنفقات، ولكن هذا لا يمنع من وجود فنادق كبرى اهتمت منذ تأسيسها باقتناء مجموعات فنية رائعة.

أما الخبير الفني وليد عبدالخالق، صاحب “جاليري المسار” بالزمالك، فيؤكد أن ثقافة الاقتناء موجودة في مصر منذ أكثر من قرن ونصف من الزمان، وأن المقتنيين الأفراد هم المحركين الرئيسيين لسوق الفن في مصر، ودور المؤسسات أقل تأثيرًا من المفترض.

ويشير إلى أنه في بدايات القرن العشرين كان المصريون من الطبقة الأرستقراطية يحرصون على اقتناء أعمال الفنانين الأجانب أو الفنانين الأجانب المقيمين في مصر من طليان، وفرنسيين ومع اشتعال الحروب تأثرت حركة الاقتناء ولكنها عادت مع الستينيات إلى التزايد.

الخبير الفني وليد عبد الخالق مؤسس جاليري المسار

 ويرى أنه عقب ثورة 2011 تغيرت فئات المقتنيين ليتراجع عدد قدامى المقتنيين الذين كانوا يهتمون باقتناء أعمال الرواد، وظهرت حاليًا فئة جديدة هي فئة الشباب ممن يهتمون أكثر بالفن التجريدي، وأغلبهم من المقبلين على حياة جديدة ممن يقتنون الأعمال الفنية بغرض تزيين جدران المنازل.

 وحول الفنادق السياحية، يقول عبدالخالق إن بعض المؤسسات كالبنوك والفنادق استعانت به لاقتناء مجموعات فنية، ولكن عدد الفنادق التي تحرص على الاقتناء أقل من 10 فنادق خلال الـ15 عامًا الماضية.

 ويلفت إلى مسألة مهمة وهي أن الاقتناء يرتبط بالمناخ العام، أو النمط السائد، ففي أزمنة الحروب والكوارث وغيرهما يتأثر المقتني وقد يخشى المجازفة بأمواله.

ويؤكد أن وجود فروع لصالات المزادات العالمية الكبرى عندنا مثل: كريستيز، وسوذبيز أثَّر بشكل كبير في نشر الوعي بقيمة الفون التشكيلية وأهمية الاستثمار فيها، كما حققت الرواج لها في الخارج.

وباتت أعمال الرواد محط أنظار المقتنيين في أوروبا وأمريكا وفي العالم بأسره.

وحول تأثير جائحة كورونا على نوعية من يقتنون الأعمال الفنية أو على ثقافة اقتناء اللوحات، يرى أنها لن تؤثر جذريًا ولكنها قد تقلل من الاقتناء كما حدث في العام الماضي، فتمت الاستعاضة عن العروض في الجاليريهات بعروض افتراضية. ولذا تأثرت بالفعل ثقافة مشاهدة الفن التشكيلي بسبب الوباء.

ويلفت عبدالخالق إلى أن الفنانين لم يتأثروا بحالة العزلة والحجر بسبب كورونا، بل على العكس، فقد ولدت هذه الفترة طاقة إبداعية لديهم؛ فالفنان ينتج أكثر في ظل الأزمات والحروب.

تمثال نصفي لمحمد علي

ويواصل: “صحيح أن عملية الإبداع الفني أصبحت أبطأ إلى حد ما عقب الجائحة، وحجم الإنتاج أقل، ولكن الحركة الإبداعية مستمرة ومعها ستستمر حركة الاقتناء”.

ويضيف: “يجب أن نسعى للحفاظ على المتلقي والمشاهد، وجذبهما نحو المعارض فهما عماد الحركة الفنية”.

 ويلفت إلى أنه حينما نسَّق معرض الفنانين: فاروق حسني وآدم حنين في متحف المتروبوليتان، كانت أولى الإحصائيات التي ركزت عليها إدارة المتحف هي عدد الزوار، وبالفعل حقق المعرض 550 ألف زائر في 4 أشهر، ويشبِّه عبدالخالق الحركة الفنية بمنضدة لها أربعة أرجل هي: الفنان، والجاليريست المتمرس، والإعلامي المثقف، والمقتني، ويتوسط المنضدة منسقو المعارض “القوميسير”، وينبه إلى أن استثمار الأفراد في الفن يذهب إلى منحنى خطير، ولكن سيظل وجود بعض المؤسسات التي يرأسها أشخاص يتمتعون بمستوى فكري وثقافي عالٍ هو طوق نجاه دائم للفن.

 المقتني بعينه وقلبه

تصنيف آخر يطرحه الفنان التشكيلي إيهاب اللبان، مدير مجمع الفنون بقصر عائشة فهمي بالزمالك، عندما يقول: “هناك 3 أنواع من المقتنيين: الأول هدفه الاستثمار، وهو مقتنٍ مدرب وخبير بسوق الفن، وهو يعتمد على خبرته، أو خبير فني مكرس، وهو دائم اقتناء أعمال كبار الفنانين سواء كانوا من الرواد أو من المعاصرين. وبعضهم يتعامل مع جاليري معين يثق فيه ويتابع ترشيحاته.

أما النوع التالي، فهو المقتني بداعي الوجاهة والتباهي ليظهر في الأوساط الاجتماعية وكأنه مثقف.

أما النوع الثالث، فهو منْ يقتني حبًا في الفن وشغفًا به، وهو الذي يطلق عليه “غاوي فن” ولكنه لا ينفق كثيرًا في الشراء، ولكن بشكل عام، لابد من أن تكون له مرجعية ثقافية.

وقد ظهر نوع يضم هذه التصنيفات كلها؛ إذ وسَّعت المتاحف الدولية في العالم العربي ومراكز المزادات من دائرة المقتنيين.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن المتاحف الكبرى هي من أهم المقتنيين”.

ويذكر أن بعض المؤسسات تلجأ إلى خبراء في الاقتناء، وهنا يجب أن نشير إلى أن القوميسير لا يكتشف الفنان، وإنما فقط يكون على دراية بعمله، فينتقي منه ما يناسب رؤية العرض.

ويعتبر الاستشعار في الفن أهم العوامل التي تحرك المقتني، ويصنف هواة الاقتناء إلى فئات مرتبطة بمرجعيتهم الثقافية.

لوحة الفنان محمود سعيد الدراويش

فالنوع الأول: المقتني المثقف فنيًا وبصريًا، وهو من يتابع بدأب الحركة الفنية والقراءات النقدية لأعمال الفنانين. وهناك مقتنٍ بدافع القيمة الجمالية كأن تناسب اللوحة ديكور منزله مثلًا بغض النظر عن قيمتها الفنية وتفاصيلها. وهناك مقتنٍ محب للإتجار وهو يبحث ويدقق قبل شراء أي عمل فني وهم قلة. ويمكن القول إنه يقتني بقلبه وبعقله.

المقتني الخفي

ومع الآراء السابقة تتفق الفنانة التشكيلية د. رشا العجرودي، مؤسسة “جاليري النيل”، فتؤكد أن المقتني هو المحرك لبورصة الفن التشكيلي، وتصنف المقتنيين إلى أربعة أنواع: المقتني المتأني، وهو الذي يعتمد على خبرته أو رأي متخصص. والمقتني المغامر: وهم قلة يقدمون على اقتناء أعمال لفنانين جدد، ويراهنون عليهم، والمقتني المستثمر هو من يشتري أعمال الفنانين الرواد واللوحات النادرة بغرض الإتجار، فضلًا عن فئة يمكن تسميتها بالمقتني الخفي: وهو من يتابع الحركة الفنية عن كثب ولكنه لا يظهر في المعارض أو يحضرها، بل يوكل من ينوب عنه في المشاهدة والشراء والاقتناء.

والنوع الأخير هو المقتني المحب للفن: وهو من يتابع الحركة الفنية ويحاول الاقتناء قدر استطاعته المادية حتى أنه قد يقوم بتقسيط ثمن اللوحة.

وترى العجرودي أن الشباب يمثلون ظاهرة جديدة ضمن من يقتنوا بغرض التزيين والتجميل، فضلًا عن أن أعمال شباب الفنانين تلقى إقبالًا ورواجًا نظرًا لأسعارها المناسبة وعصريتها.

أما الفنان التشكيلي د. أشرف رضا، مؤسس “آراك للفنون والثقافة”، يصنف المقتنيين إلى ثلاثة أنواع وفقًا لاهتماماتهم؛ أول نوع هو من مهندسي الديكور، أو حديثي الزواج، أو شخص يؤثث مكتبًا أو مقر عمل جديد، ويقتني بغرض التزيين والتجميل، ويبحث عن سعر معتدل، ولا يضع اعتبارات للقيمة الفنية الكبيرة في العمل الفني، بل يذهب للمنسوجات والصور الفوتوغرافية وينصب تركيزه الأساسي على تناسق الألوان.

أما النوع الثاني فيتكون من محبي الفن؛ وهم أناس ليس لديهم القدرة المادية الفائقة لاقتناء اللوحات الثمينة ولذا فهم يشترون اللوحة بعد ادخار ثمنها، ويهتمون جدًا بالقيمة الفنية للعمل.

أما المقتني المحترف؛ فهو محب للفن ولكنه ينزع إلى الاستثمار فيه، وهو يبحث عن لوحات معينة أو أعمال لفنان بعينه مثل محمود سعيد، أو حامد ندا، أو عبدالهادي الجزار ليكّون مجموعته، أو حبًا في امتلاك الأعمال الفنية، أو لأنه يعلم جيدًا طرق استثمارها، أو ليجمعها في كتاب بغرض التوثيق، أو التسويق للمجموعات، أو إهداءات للأصدقاء.

وهناك جيل جديد من الشباب الذين لديهم قدرة مالية متوسطة ممن يحبون الفن ويسعون لإقتناء أعمال الفنانين الشباب وجيل الوسط حيث تتراوح الأعمال ما بين 10 إلى 40 ألف جنيه.

المقتني المسافر

وهناك مقتني يعشق اللوحات ويرفض بيعها بأي شكل، أو يظل يطارد لوحة بعينها ويسافر بلادًا ويجوب العالم بحثًا عن لوحة ما ليراها في بداية يومه وينظر لها وهو يحتسي قهوته الصباحية.

دائرة الاقتناء

وحول ظهور فئة المقتنيين الشباب، يقول د. أشرف رضا: “في مصر هناك حوالي 15 جاليري تعتمد على أجندة عرض شهرية، وهذه الجاليريهات شجعت شباب الفنانين من ناحية، وشجعت المقتنيين الشباب على اقتناء أعمال فنية بسعر يناسب دخولهم من ناحية أخرى”.

ويقدر د. أشرف رضا عدد المقتنيين في مصر بنحو 100 مقتنٍ، بعضهم ينحدرون من أسر لها تاريخ في الاقتناء وبعضهم الآخر اكتسب الخبرة بعد اقتناء عدة لوحات، واكتشاف قيمتها الاستثمارية.

وحول دور المؤسسات في الاقتناء، يقول د. أشرف رضا: “في مؤسسة “آراك للفنون والثقافة” نعمل منذ 10 سنوات ونسهم في تكوين وتشكيل المجموعات الفنية للمؤسسات، المهتمة برفع جماليات المكان وتغذية الذوق العام، ولا يمكن إغفال أهمية ثقل المؤسسات كفئة من فئات المقتنيين. ونحن كخبراء، نعنى بتحريك سوق الفن، فهو أول كيان يصيبه الركود في الأزمات”.

مجلة فنون الجسرة – العدد 01 – ربيع 2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى