المتاحف في قطر وكيف واكب المجتمع القطري التطور والحداثة

المتحف لغةً، هو المكان المخصص لعرض التُحف، وهي الغرائب النادرة سواء من المخلوقات أو من صنع الإنسان. وترجع نشأة المتاحف إلى غريزة حب الاقتناء لدى الإنسان.
ويُجمع المؤرخون على أن نشأة المتاحف في مرحلتها الجنينية كانت في الشرق الأدنى القديم، في بابل بقصر الملك الكلداني نبوخذ نصر الأول (604-562 ق. م)، حيث خُصصت فيه قاعة لعرض التحف الفنية.
وتبدأ علاقة دولة قطر بالمتاحف مع افتتاح متحف قطر الوطني، ذلك الصرح التراثي، في 23 يونيو 1975؛ بهدف التعبير العلمي عن البيئة القطرية برًا وبحرًا في الماضي والحاضر؛ ليفيد زائره من كل بلاد العالم ثقافيًا وترويحيًا وتعليميًا، فضلًا عن مشاركته في مضمار البحث العلمي، والتعاون مع الباحثين من الجامعات والمعاهد وغيرها من المنشآت العلمية. وكان حينئذ يضم خمسة أقسام:
القصر القديم المبني على الطراز الإسلامي التراثي في عام 1912، كمقر للحكومة وسكن لعائلة الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني، حاكم قطر (1913-1948)، وهجر في العشرينات من القرن العشرين، وكاد ينهار لولا التفكير في اتخاذه متحفًا في سنة 1972، فتم ترميم أبنيته المتداعية؛ تمهيدًا لتحويله إلى نواة متحف قطر الوطني.
القصر الجديد أنشئ أثناء ترميم القصر القديم سنة 1972. ويتكون من ثلاثة طوابق، العلوي للإدارة والمكتبة، والأوسط لعرض فيلم علمي يحكي جوانب من تاريخ وتراث قطر، والثالث تحت مستوى سطح البحر، للتاريخ الطبيعي، وعلوم وفنون الحضارة الإسلامية في القرون الوسطى، والصيد والخيل والإبل وحياة البادية، والتاريخ الحديث، والجيولوجيا والبترول والمسكوكات الإسلامية.
القسم البحري افتتح في 22 أكتوبر 1977، لاستكمال أهم جوانب التاريخ الطبيعي في البيئة القطرية وما يتعلق بها، وفيه يتم عرض الأحياء المائية الإقليمية، وما يتعلق بصيد الأسماك والغوص على اللؤلؤ، وعلوم الملاحة العربية، وأنواع المحار والأصداف واللؤلؤ الطبيعي والمستزرع. وتلحق به بحيرة تعرض فوق مياهها نماذج من السفن والقوارب الشراعية القديمة (المحامل)؛ كالبوم والشوعي والسنبوك والجلبوت والبقارة والبتيل والورجية.
الحديقة النباتية، لاستيعاب كل ما يُمكن من نباتات البيئة الصحراوية.
وفي مارس 2010 أعلنت هيئة متاحف قطر عن تصميم المتحف الوطني الجديد سعيًا لجعل قطر مركزًا ثقافيًا مهمًا ومميزًا في منطقة الخليج العربي، وتم بناء المتحف الجديد في ذات موقع المتحف القديم حول القصر القديم، على الطرف الجنوبي من كورنيش الدوحة، وافتتحه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في يوم 28 مارس 2019؛ بهدف أن يكون لبنة في بناء ثقافة قطرية أصيلة تقوم على الأبداع والابتكار، من خلال احتفاءه بماضي قطر، واستشراف مستقبلها، كما يقوم بدور مهم في تعزيز الانتماء الوطني، من خلال ما يضمه من شواهد وآثار، وجوانب من تراث قطر؛ ترصد حياة الأجداد، وتوثق للتطور الذي شهدته البلاد عبر تاريخها.
يتميز بتصميمه الرائع الفريد، كطراز معماري يجمع بين التراث القطري والحداثة، إذ جاءت فكرة تصميمه من تاريخ وجغرافية قطر، لتمثل رمزية تُجسد القاسم المشترك بين الحداثة والأصالة، ويُمثل إضافة مثيرة إلى أفق الدوحة، حيث إن المعماري الفرنسي جان نوفيل (ولد 1945)، الحائز على جائزة “بريتزكر” للهندسة المعمارية، والمعروف بتصاميمه المعمارية الفريدة، استوحى تصميمه من زهرة الصحراء، وهي الاسم العام لمجموعة من المعادن، التي توجد مدفونة في الصحراء، تتجمع مع بعضها البعض مع تبخر المياه لتكوّن الزهرة، وتأخذ ألوان أكاسيدها كالبازلت والجص، وتحتاج إلى عقودٍ، وربما قرون كي تتكون، وتتشكل تحت الأرض أولًا، ثم تتكفل الرياح الصحراوية مع الوقت بالكشف عنها.
ويستعرض المتحف تاريخ قطر البيولوجي؛ إضافة إلى مجموعة من الآثار والتحف الإسلامية، فضلًا عن متحف تظهر فيه بانوراما ثروة قطر السمكية، وبحيرة صغيرة تعرض فيها المراكب الخشبية (المحامل) التقليدية المصنوعة في قطر، والتي كانت تستخدم في الغوص على اللؤلؤ. ويضم المتحف متجرين ومقهيين ومطعم، وقاعة ندوات ومؤتمرات واجتماعات تتسع لأكثر من 220 شخصًا، ومركز أبحاث ومختبرات يوفر فرصًا دراسية، وتم تقسيم المتحف إلى ثلاثة أقسام: البدايات، الحياة في قطر، بناء الأمة، وتضم هذه الأقسام 11 صالة عرض مستقلة، لكل منها شخصيتها المنفردة، تمتد على مساحة 40 ألف متر مربع، تجمع بين ماضي قطر وحاضرها ومستقبلها، ويحتضن هذا المبنى الفريد قصر الشيخ عبدالله بن جاسم بعد ترميمه، والذي يمثل جوهر الهُوية الوطنية القطرية.
ويقدم المتحف عروضًا وقصصًا بطريقة تفاعلية، إذ تروي القاعة الأولى قصة نشأة قطر جيولوجيًا منذ أكثر من 700 مليون عام، أي منذ ما قبل استيطان الإنسان في شبه الجزيرة العربية، وبعدها تتوالى قاعات المتحف، التي تنقل الزائر من محطة إلى أخرى في تاريخ قطر، وتضم أعمالًا فنية مبتكرة صممت خصيصًا على أيدي فنانين قطريين ودوليين، ومقتنيات نادرة وثمينة، ومواد وثائقية، وأنشطة للتعلم التفاعلي، وعروضًا صوتية ومرئية، وتتنوع مقتنيات المتحف ما بين عناصر معمارية، وقطع تراثية كانت تستخدم في المنازل والسفر، ومنسوجات وأزياء، ومجوهرات وغيرها من أداوت الزينة والحلي التي استخدمتها المرأة القطرية في عصر ما قبل النفط، هذا بالإضافة إلى كتب ووثائق تاريخية، وموسيقى وصور أرشيفية، ومرويات قصصية، وغيرها من المقتنيات الآثرية والتراثية، والتي تمثل فضاءً لتثقيف الزائر حول ماضي قطر وتاريخها، وكيف واكب المجتمع القطري التطور والحداثة.

متحف قطر الإسلامي

يضم المتحف كذلك قسمًا خاصًا بالمحامل التقليدية القطرية التي استخدمها الآباء والأجداد في الغوص على اللؤلؤ، وهي سفن خشبية شراعية مصنوعة يدويًا كانت في الماضي تمثل شريان الحياة في قطر، إذ استخدمت في صيد الأسماك والتبادل التجاري عبر المحيطات، والغوص في مياه الخليج العربي.
ويضم أيضًا قاعة تستعرض بعض مقتنيات حكام قطر، منذ الشيخ محمد بن ثاني، حاكم قطر (1851-1878).
وهكذا يروي هذا المتحف تاريخ نشأة قطر، ويعرّف بتراثها وثقافتها، ويعبر عن طموحات القطريين، عبر استخدام أساليب مبتكرة في سرد الحكايات، ويقود الزائر في رحلة زمنية تنقله من محطة تاريخية إلى أخرى وصولًا إلى الزمن الحاضر، مستكشفًا محتويات مدهشة تجمع ما بين الأرض والبحر. ويُطلع المتحف زائره على جوانب من تاريخ قطر، واهتمامها بتراثها وآثارها وعمارتها وثقافتها التي تمثل رمز هويتها، ويقدم وجبة دسمة من المعلومات عن ماضي البلاد.
أما متحف الفن الإسلامي فيقع على كورنيش الدوحة في الطرف الجنوبي لخليج الدوحة، صممه المهندس المعماري الأمريكي من أصل صيني آيوه مينغ باي (1917-2019). وتم الانتهاء من بنائه في عام 2006، ولكنه افتتح رسميًا في 22 نوفمبر 2008، إذ افتتحه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير قطر (1995-2013) بالتوقيع على أولى صفحات الكتاب الذهبي الخاص بالمتحف؛ بحضور ضيوف من كافة أقطار العالم على مستوى الملوك والرؤساء والوزراء والسفراء.
ويتألف المبنى من خمسة طوابق، وجناح تعليمي من طابقين يتصلان ببعضهما عبر ساحة مركزية، ويرتفع المبنى 50 مترًا، ويحوي واجهة زجاجية ترتفع 54 مترًا على الواجهة الشمالية للخليج العربي، وتبلغ المساحة الاجمالية للمتحف حوالي 45 ألف متر مربع، إذ يضم مكتبة وقاعة للأنشطة وجناحًا تعليميًا، ومخزن مقتنيات، ومسرحًا، فالمتحف مؤسسة ثقافية خدمية، هدفها نشر الوعي بالتراث والآثار، والحضارة الإسلامية، ومنجزاتها الحضارية المتعددة. ويعرض المتحف أكثر من 800 قطعة فنية ثمينة، قادمة من ثلاث قارات، وتؤرخ للحضارة الإسلامية على امتداد 14 قرنًا من الزمان. وتضم مكتبة المتحف مجموعة نادرة من المصادر الإليكترونية، والمطبوعات الدورية، وكتالوجات المعارض، والمخطوطات، بعدد من اللغات منها: العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، التركية، الفارسية، وغيرها.
ويحتضن المتحف مجموعة من مقتنيات الفن الإسلامي، وكنوزًا أثرية من الخزف والمعدن والمجوهرات والخشب والزجاج، إذ يضم عددًا كبيرًا من المقتنيات الفنية والتراثية والآثارية، ويحوي قدرًا كبيرًا من التنوع في الفنون الإسلامية التي تجمع ما بين المخطوطات، والسيراميك، والمعادن، والزجاج، والعاج، والمنسوجات، والأخشاب، والأحجار الكريمة، والعملات الفضية والنحاسية والبرونزية، وغيرها.
كما يضم مركز أبحاث، ومكتبة متخصصة في كتب الحضارة الإسلامية، وصالة عرض لتنظيم المعارض المتنوعة، إذ تسعى هيئة متاحف قطر إلى جعله مركزًا للمعلومات والبحث والإبداع، ومنارة للحوار والتبادل الثقافي، في إطار السعي لأن تكون الدوحة عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي.
كما يضم المتحف واحدة من أفضل مجموعات الفن الإسلامي في العالم، ويقدم أسلوب تقليدي للحياة والعمارة الإسلامية، ويأخذ زواره في رحلة للتعرف على الفن والتاريخ الإسلاميين، ومن ثم فهو يحتفي بالإرث العظيم للحضارة الإسلامية، واسهاماتها في التراث العالمي الإنساني. وتسميته إسلامي لا تعني أنه يقتصر على مقتنيات إسلامية فقط، ولكنه استوعب تحت مظلته العديد من انتاجات الحضارات الأخرى، التي اتصل بها وتأثر بها وأثر فيها الفن الإسلامي، ونتج عن ذلك نمط من الفنون سميت بالفنون الاسلامية.
ويُعد المتحف العربي للفن الحديث؛ المتحف الأول من نوعه، الذي يجمع بين جنباته مختلف الفنون الحديثة في المنطقة العربية. نشأت فكرته تطويرًا لجهود فردية توفر عليها الشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني (ولد 1960)، إذ أنفق أكثر من عشرين سنة في سبيل جمع مقتنياته، ويرجع الفضل في الدفع بهذه الفكرة إلى الفضاء الثقافي المفتوح في قطر إلى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي أبدى تقديره للمجموعة الفنية، إذ وجدها تنسجم مع سياساته نحو إنشاء مجموعة من المتاحف المتخصصة التي تنمي الثقافة في المجتمع، وتنفتح على الثقافات الفنية العربية الأخرى. وقد احتوت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع هذه المجموعة الفنية، حين تبنت الفكرة الشيخة موزا، رئيس مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، ودفعت بها إلى آفاق الخدمة المجتمعية، بتطوير إدارتها، وعرض المقتنيات وصيانتها، وإجراء الدراسات الأكاديمية والفنية حولها.
يضم متحف السلاح مجموعة نادرة من السيوف والخناجر والبنادق وملحقاتها، ويقع في إحدى ضواحي مدينة الدوحة. ويُعد من أهم المتاحف المتخصصة في الشرق الأوسط، وافتتح في عام 1994، ويضم 2315 قطعة، تتوزع ما بين مجموعة الأسلحة النادرة، من السيوف والخناجر والبنادق الخليجية والعربية، ويعود بعضها إلى الأسرة الحاكمة في قطر، ومجموعة الأسلحة البيضاء من السيوف والخناجر العمانية واليمنية والفارسية وغيرها من السكاكين الحربية والنبال والسهام والأقواس والرماح وواقيات الصدور والأيدي والدروع والفؤوس والهراوات، ومجموعة الأسلحة النارية وملحقاتها، وتشمل بنادق فتيل وجرخ ومقمع ومارتيني وبنادق عثمانية وبريطانية وفرنسية وبلجيكية، وكذلك مسدسات ورشاشات ومدافع تعود لبدايات القرن العشرين، بالإضافة إلى قرون حفظ البارود، وأحزمة طلقات البنادق والرشاشات، وقذائف المدافع والقنابل .
أما متحف الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني؛ فقد تأسس ليضم مقتنيات الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني (ولد 1948)، ليُجسد ما تحمله المقتنيات في داخلها من حكايات، وصور الحياة المتطورة، التي تحمل في مجملها الأبعاد الزمنية الثلاث للتاريخ: الماضي والحاضر والمستقبل، ويعتبر اسهامًا ثقافيًا لرفد البيئة الثقافية القطرية بمدلولات تنمي روح البحث عن التاريخ والتراث لدى الأجيال الشابة.
وانضم المتحف إلى منظمة المتاحف العالمية التابعة لمنظمة اليونسكو في عام 2002 كعضو عامل.
يضم المتحف سبع قاعات: الفنون العربية والإسلامية، تعرض مجموعة نادرة من السيوف والخناجر والبنادق والفؤوس والدروع تمتد عصورها من القرن الخامس عشر الميلادي حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، ومجموعة أخرى من المصنوعات الحرفية البرونزية والنحاسية والفضية، ومن الحديد المطعم بالذهب، بعضها مرصع بالأحجار الكريمة، ومعظمها عليها كتابات عربية، ونقوش إسلامية، ومجموعة خزفية وفخارية وزجاجية، وتمتد من العصر الأموي حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وتشغل الحلي الفضية المطعمة بالعقيق والياقوت والمرجان حيزًا كبيرًا من القاعة، وتضم مصوغات مختلفة من اليمن والجزيرة العربية وتركمانستان وأوزبكستان وأفغانستان وقفقاسية والجزائر والمغرب.
وتستعرض القاعة الثانية مجموعة من السيارات الكلاسيكية، تبدأ من السيارة البخارية لعام 1885 وتنتهي بموديلات سنوات الخمسين، التي كانت تستخدم لمختلف الأغراض، وتضم واحدة من أوائل سيارات الإسعاف، التي ترجع إلى عام 1924، وهو العام الذي انتقلت فيه وسائل الإسعاف من العربة التي كانت تجرها الخيول إلى سيارات الاسعاف التي تدور بالموتور. أما القاعة الثالثة فتضم مجموعة نادرة من العملات الورقية، تغطي جميع بلدان العالم. وتضم القاعة الرابعة مجموعة قيمة من المخطوطات العربية الإسلامية في مختلف العلوم والمعارف، كتبت بعدد من أنواع الخط العربي كالثلث، والنسخ والنستعليق (الفارسي) والريحاني والديواني والقيرواني الأندلسي والرقعة والكوفي، وتضم كذلك صورًا ورسومًا.
وتأخذ القاعة الخامسة الزائر في رحلة إلى المتحجرات والآثار القديمة، وأهمها رأس كامل لأحد الديناصورات إلى جانب قطع من الآثار العربية القديمة. وتضم القاعة السادسة المنسوجات والمطرزات الإسلامية، بعضها بخيوط الذهب والفضة، والبعض الآخر بخيوط من الحرير تعود لبلدان مختلفة منها اليمن والعراق وسوريا ومصر، وقسم منها يعود للفترة العثمانية، وللمناطق التركمانية والأزبكية وغيرها. وكذلك ما يحتويه البيت القطري التقليدي؛ لإعطاء فكرة عن الحياة القطرية في الفترة التي سبقت النهضة. حيث تحتوي على مجموعة من الأثاث والأدوات المنزلية، وملابس المرأة القطرية التراثية.
وتضم مكتبة المتحف أكثر من 12 ألف مجلد تحتوي على أهم الموسوعات التاريخية العربية، وعلى مجموعة ضخمة من دواوين الشعراء العرب، وعددًا كبيرًا من الموسوعات الفقهية والدينية إلى جانب الروايات وكتب اللغة والنحو.
يتفرد متحف بن جلمود في موضوعه ومحتوياته، فهو متحف فريد في العالم العربي، والشرق الأوسط، إذ يصطحب زواره في وسط العاصمة القطرية، عبر بوابة تفضي إلى قاعة ثم ممر، حيث تصطف الغرف المنارة بأضواء غير ساطعة. ومن أي غرفة تستطيع معاينة الحوش الواسع، حيث كان العبيد حتى منتصف القرن العشرين يُجمعون لبيعهم، على يد أحد أبرز التجار، ويدعى “بن جلمود”، فيما تقول الروايات إن جلمود، لقب له لصلابته وقسوته.
أول غرف المتحف تُدخلك إلى التاريخ القديم، ففي أحد أقدم النصوص في العالم التي تشير إلى الرق، هناك قانون حمورابي البابلي، والذي يرجع تاريخه إلى سنة 1772 ق. م وفي اليونان القديمة كان الأرقّاء يمثلون جزءًا لا يتجزأ من اقتصادها. ولم تنقطع العبودية مع كل حضارة حفرت اسمها ومنجزاتها العالية، من روما إلى فارس، إلى أقصى شرق آسيا، إلى الحضارة الإسلامية، ومن أكثر الأرقاء شهرة المماليك، الذين أسسوا دول باسمهم في مصر وسورية والعراق، مرورًا بالانكشارية في الدولة العثمانية. وفي عصر النهضة الأوروبية، مات ملايين العبيد من إفريقيا تحت القهر والتعذيب، في ترحيلهم من إفريقيا عبر المحيط الأطلسي إلى أوروبا، والعالم الجديد في الأمريكيتين، حيث يحتاج إلى عبيد يحرثون الأراضي الشاسعة، ويبنون حضارة أنكرت وجودهم. تأخذك رحلة المتحف إلى وثائق وصور ورسوم، تفيد بأن الاسترقاق لم يكن مرتبطًا بأي عرق أو جنس معين أو خلفية دينية محددة.

مجلة فنون الجسرة – العدد 01 – ربيع 2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى