معيشة المستر غلادستون في بيته

عثرنا في بعض جرائد إنكلترا على مقالة في هذا المعنى فآثرنا تلخيصها تَفْكِهَةً لحضرات القراء، وقدوة لمن أراد. قال الراوي: إن معيشة هذا الرجل في بيته مثال البساطة والترتيب، وأساس أعماله كلها المحافظة على الوقت، فهو يعتبر الوقت أثمن كل شيء، فلا تمرّ دقيقة بغير أن يعمل بها عملًا، حتى إنه إذا سار إلى نزهة يترك رفاقه وينزوي إلى منفردٍ يطالع أو يفكر ولا ينتبه إلا إذا نبهه أحد، والمبدأ الأساسيّ عنده قوله: “لا تمكث بغير عمل قط”.

يذهب إلى فراشه نحو نصف الليل، ولا يستيقظ إلا إذا أيقظوه، لأنه يميل إلى الراحة، ولكنه على كل حال لا تأتي الساعة الثامنة حتى يكون خارجًا من منزله قاصدًا الكنيسة على مسافة ثلاثة أرباع الميل من بيته لاستماع الصلاة، ولا يحول دون مسيره هذا في كل صباح شيء، فلا يُبالي بالأمطار أو الثلوج أو العواصف التي تتوالى كثيرًا في تلك البلاد. فإذا عاد من الصلاة تناول طعام الصباح، ثم جلس لقراءة ما يرد إليه من المراسلات، وهي لا تصل إليه كلها، وإنما ينتخبون المراسلات المهمة، وهي لا تبلغ عُشر ما يرد باسمه منها، لأن ما يرد باسمه كلّ يوم من الجرائد والكتب يحتاج إلى ساعات في فضِّه، فكم بقراءته!، فيضعون الكتب والجرائد الواردة إليه في الخزائن أو الصناديق إلى أن يطلبها. وأما ما يصل من المراسلات المهمة فلا يجيب على أكثر من نصفها، ويهمل النصف الباقي.

ويتناول الغداء الساعة الثانية بعد الظهر، وكان في مدة اعتزاله الوزارة يقضي ما بعد الظهر في ترتيب كتب مكتبته، وفيها نحوٌ من عشرين ألف مجلد، فيضع كل كتاب في مكانه، ويعتني بذلك اعتناء تامًا لأنه يعتبر الكتب شيئًا مقدسًا أو هي بمنزلة الأحياء عنده، فزيادة عددها تقوم لديه مقام زيادة تعداد الأهالي، وإذا رأى أحدًا يمتهن كتابًا أو يسيء استعماله فإنه يشقّ عليه ذلك، وقد يهيج غضبه.

ويخرج قبل الغروب في عربته للنزهة، ثم يعود للعشاء، ويقضي وقت السهر من الليل في غرفة مدفأة يقرأ فيه إلى ميعاد الرقاد.

أما يوم الأحد فهو يوم مقدس عنده لا يعمل فيه عملًا قط، فإذا دخلتَ منزله في ذلك اليوم رأيتَ السكينة والهدوء والراحة مستولية عليه، ولا ترى من الكتب إلا ما هو مخصصًا بذلك اليوم. وقد قال محدثًا عن نفسه: “لولا محافظتي على الراحة في يوم الأحد، ما وصلت إلى ما وصلت إليه”.

وهو يحافظ محافظة تامة على مواعيد الصلاة كما قدمنا، ولا سيما في أيام الأحد. أما طريقته في مطالعة الكتب فقد لا تنطبق على سائر أخلاقه لأنه بطيء في مطالعتها جدًّا، ولكنه لا يحتاج إلى كبير إمعان حتى يحكم في صلاحية ذلك الكتاب للمطالعة أو عدمها. ومن كتب الفكاهة التي يطالعها مؤلفات سكوت، فهو لديه في المقام الأول بين مؤلِّفي الروايات.

مجلة الهلال، العدد (1)، 1 سبتمبر 1892

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى