السينما في الكويت.. بدايات وأسئلة!

في واقع الأمر لم تعرف دولة الكويت الإنتاج السينمائي بالمعنى المتعارف عليه. فمثلًا لا يوجد قطاع عام، كما هو الحال في سورية، ولا توجد شركات إنتاج مختصة بصناعة أفلام كويتية ضمن خطة واضحة، رغم وجود تراخيص كثيرة للإنتاج السينمائي ضمن تراخيص شركات الإنتاج الفني. ولا يوجد أي نوع من أنواع الدعم الحكومي المنتظم لإنتاج الأفلام سواء الروائية أو القصيرة كما يحدث مثلًا في تونس والمغرب، وكما يحدث أحيانًا في الامارات وقطر من خلال دعم صناديق سينمائية مثل: “سند”، و”مؤسسة الدوحة للأفلام”. وإذا كان تاريخ السينما في العالم قد تجاوز المائة عام فإن عدد الأفلام الروائية الكويتية الطويلة لا يتجاوز ثلاثين فيلمًا أغلبها تم تصويره بتقنية الفيديو. كذلك لا يوجد انتاج سينمائي كويتي، لا بمقاييس الصناعة ولا بمواصفات السوق، إنما يوجد واقع سينمائي متمثل في العديد من المحاولات الفردية والرسمية للتعرف على فن السينما منذ ظهوره، ثم محاولة عرضه كتسلية لمشاهد شغوف، ثم تكريسه كعنصر هام من عناصر الثقافة، ثم محاولة إدخاله كمنتج روائي وتسجيلي مطلوب للمشاركة في مشروعات التنمية أو ربما التسلية. 

بدايات وملامح

في عقد الثلاثينات من القرن الماضي وعندما بدأ الكويتيون السفر إلى عدد من الدول العربية للدراسة أو التجارة، شاهدوا الأفلام في دور السينما في تلك الدول، وفي عام 1939 قام ألن فلييرز الرحالة الأسترالي بتصوير فيلم تسجيلي عن الغوص وصيد اللؤلؤ، تسجيلًا لرحلة بدأت من عدن مرورًا ببعض موانىْ إفريقيا الشرقية، وفى الكويت قام فليبرز بتصوير لقطات ومشاهد ترصد حركة الحياة، وبعض ملامح البيئة الاجتماعية في بعض احياء الكويت القديمة.

المخرج عبدالرحمن المسلم

وفي عام 1946 تم تصوير فيلم تسجيلي عن بدء ضخ النفط من ميناء الأحمدي، وفي عام 1950 قامت دائرة المعارف “وزارة التربية الان” بتأسيس قسم للسينما والتصوير، وأنتجت ستين فيلمًا وثائقيًا تعليميًا عن التعليم والصحة وغيرهما من الأمور المتعلقة بالحياة في الكويت. وفي عام 1954 تأسست شركة السينما الكويتية التي أخذت على عاتقها إنشاء دور العرض واستيراد الأفلام. وبعد عشر سنوات انتقل النشاط السينمائي من دائرة الشؤون الاجتماعية “وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الآن” إلى وزارة الإعلام حيث تم افتتاح قسم السينما بتلفزيون الكويت ثم مراقبة السينما عام 1981 بطاقة إنتاجية تتراوح ما بين عشرين إلى ثلاثين فيلم في السنة. وكان التلفزيون قد بدأ إنتاجه السينمائى في عام 1961 .

وفي عام 1965 قدم محمد السنعوسي فيلم “العاصفة” كأول فيلم كويتي قصير، وبعدها قدم خالد الصديق مجموعة من الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة توجت بفيلمه الروائي الأول “بس يا بحر” في عام 1971، وقد حقق نجاحات عربية ودولية عديدة وأعقبه فيلمي “عرس الزين” ثم “شاهين” وهو إنتاج مشترك بين الكويت والهند وإيطاليا. 

إسهامات وتشكيل

عدا السنعوسي والصديق بوسعنا أن نشير إلى العديد من الأسماء التي أسهمت في تشكيل الواقع السينمائي الكويتي مثل: هاشم محمد، بدر المضف، عبد الرحمن المسلم، عبد الله المحيلان، عبد الوهاب السلطان، نجم عبد الكريم، نادرة السلطان وعامر الزهير، كما تمكننا الإشارة إلى محاولات كل من: توفيق الأمير، حبيب حسين، ابراهيم قبازد، عبد المحسن الخلفان، عبد العزيز الحداد، عبد المحسن حيات، ماهر حجي، طلال الشويش، خالد النصرالله، وليد العوضى، جاسم يعقوب، عبدالله المخيال، زيادالحسينى، عبدالله بوشهري، محمد دحام الشمري، سامى الشريدة، عبداللة السلمان، ابراهيم المانع، محمد مطلق العتيبي، عبد الكريم الصالح. كذلك نشير إلى بعض محاولات الهواة فى عدد من الأفلام الروائية والتسجيلية وأفلام التحريك القصيرة مثل: أفلام هيثم بودى، فيصل الدويسان، داود شعيل، نواف بوعركى، مشاري العروج، مقداد الكوت، منصور حسين المنصور، بدر العوضي، أحمد القطان، عبد الرحمن الخليفي، محمد الهولي وأحمد حمادة وغيرهم.

المخرج حبيب حسين

ذلك مع استثناء أفلام الهواة القصيرة التى صورت بمقاس 8 ملم أو سوبر 8 ملم ومشروعات تخرج السينمائيين الكويتيين التي لم تعرض كلها على الجمهور عبر شاشات السينما أو التلفزيون.

وفي يوم 14 مايو 1977، بدأ أول عروض نادي الكويت للسينما بقاعة غرفة التجارة والصناعة، ومع انطلاقتها انتسب للنادي عدد كبير من المهتمين بالقضايا الفنية، ومتذوقي الفن السابع.

وأسفر الاجتماع الذي عقد في أول اكتوبر1976 عن اختيار محمد السنعوسي كأول رئيس لمجلس الإدارة، ومحمد الرميحي نائبًا للرئيس، وبدر المضف أمينًا للصندوق، وعامر التميمي أمينًا للسر.

ومن أهداف النادي التي نصت عليها لائحته الأساسيه عرض الأفلام الطليعية ذات المستوى العالمي التي تتناول التجارب السينمائية الرائدة سواء في القصة، أو الإخراج، أو الإنتاج، وفي مختلف فروع هذا الفن.

وأيضًا عرض الأفلام التي لا تصلح موضوعاتها للعرض العام ولكنها تعالج جوانب فنية تفيد المهتمين بفنون السينما. وعقد الندوات حول الأفلام المعروضة ومناقشة جوانبها الفنية المختلفة. بهدف تنمية التذوق الفني لمختلف الاتجاهات السينمائية لدى الأعضاء، وتشجيع المواهب السينمائية المحلية ورعايتها.

كانت هذه مقدمة عامة عن تاريخ السينما الكويتية، وهي تثير في أذهاننا عددًا من التساؤلات المشروعة:

 متى بدات السينما فى الكويت؟ وهل كانت بدايتها مع فيلم “ابناء السندباد” للأسترالي الان فلييرز الذى التقى مع على بن ناصر النجدي فى عدن، وصور فيلمًا عن الساحل الشرقى لإفريقيا وصور بعض معالم الكويت بعد ذلك فى الفيلم الذي لم يعرض إلا في عام 1967؟ أم يمكن التأريخ للبداية بالفيلم التسجيلى “النفط فى الكويت” الذى أنتجته شركة نفط الكويت عام 1946؟ أم بفيلم محمد قبازرد “الكويت بين الامس واليوم” في عام 1948؟

من “عرس الزين”

وإذا كان فيلم “بس يا بحر” يؤرخ لميلاد السينما الروائية الكويتية، فماذا عن فيلم “سارة” الذي أنتجته فرقة المسرح الكويتي عام 1968، وقدمته على أنه أول فيلم روائى كويتي، أي قبل عرض “بس يا بحر” بثلاثة اعوام؟!. ولكن لماذا يسقط فيلم “سارة” دائمًا من ذاكرة السينما فى الكويت؟ وماذا عن أول فيلم روائي قصير؟ فهل هو “العاصفة” لمحمد ناصر السنعوسى؟ أم “عليا وعصام” لخالد الصديق فى العام ذاته؟ أم هو فيلم “الحقيبة السوداء” لعبد الرسول سلمان؟ وماذا عن أول عرض سينمائى رسمى فى الكويت؟ أهو “أغلى من عينية” الذي قدمته شركة السينما الكويتية عام 1954 فى سينما الشرقية؟ أم أن البداية تمثلت في عروض الصالة المملوكة لشركة نفط الكويت، وخصصتها لعرض الأفلام الأجنبية والعربية للعاملين بالشركة؟ وقبلها كانت هناك صالات البيوت وصالة نادى المعلمين فى الصالحية.

وكيف يمكن إدراج الأفلام المنتجة بتقنية الفيديو ضمن الإنتاج السينمائي الكويتي، وهي تمثل نصفه تقريبًا، والأمر نفسه ينطبق على أكثر 80% من الانتاج التسجيلي؟ فكيف يمكن إطلاق لفظة سينمائي على كل من خالد الصديق الذي صور كل أفلامه بكاميرات 16 ملم و35 ملم، وعلى مخرج آخر مثل: عبدالله المخيال الذي صور كل أعماله بتقنية الفيديو؟، وكيف يمكن المساواة بين عامر الزهير الذي صور فيلمه التلفزيوني “القرار” بتقنية السينما، وعبدالله السلمان الذي قدم فيلمه “منتصف الليل” بتقنية الفيديو ثم قام بنقله على شريط سينمائى؟

إجابات وتطورات

يبدأ تاريخ السينما في أي بلد مع أول عرض سينمائى يشهده هذا البلد، سواء كانت الأفلام المعروضة من الإنتاج الأجنبي أم المحلي، فظاهرة السينما تبدأ في التشكل مع وجود دور العرض السينمائي التي يرتادها الجمهور. ويبدأ تاريخ الأفلام بتصوير أول فيلم سواء كان أجنبيًا أم محليًا؛ إذ يبدأ مع هذا الفيلم التاريخ المصور بكاميرات السينما لهذا البلد، سواء كان الفيلم روائيًا أم تسجيليًا، ويبدأ الانتاج السينمائي المحلي مع إنتاج أول فيلم بواسطة شركة أو مؤسسة محلية مهما كانت جنسية المخرج أو غيره من العاملين فى الفيلم. وهنا نؤكد على أننا عندما نتحدث عن أول فيلم يعرض، أو أول فيلم ينتج، فإننا لا نقصد الأفلام الطويلة فقط كما هو شائع، وإنما نقصد الفيلم المصور بكاميرا السينما أيًا ما كانت مدة عرضه، وأيًا ما كان الجنس الفني الذى ينتمي إليه؛ لذا فإن فيلم “ابناء السندباد” للأسترالي الن فلييرز في عام 1939، هو أول فيلم كويتي، وإن تأخر عرضه حتى أواخر شهر يناير عام1967، حين زار مخرجه ومصوره الان فلييرز الكويت بعد غيبة طويلة عنها، وقدم نسخة من الفيلم هدية إلى وزارة الإعلام. وإذا أقررنا بأن عروض شركة نفط الكويت كانت خاصة ولم تكن مُقدمة لجمهور عام يقصد دار العرض السينمائي خصيصًا لمشاهدة الفيلم، ويدفع ثمن مشاهدته، وإذا كان من الصعب رصد العروض المتفرقة التي أقيمت في منازل الشيوخ والأثرياء فى ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين، فضلًا عن افتقار هذه العروض لشرط العرض التجاري؛ فإنه بوسعنا الإقرار بأن العرض السينمائي الاول الذي شهدته الكويت حدث في عام 1954 عقب افتتاح أول دار عرض سينمائي، وهي دار سينما الشرقية، التي افتتحت بفيلم “أغلى من عينية” بطولة سميرة أحمد وإخراج عز الدين ذو الفقار.

لقطات من فيلم “العاصفة”

وإذا كان فيلم “عليا وعصام” الذي تم تصويره فى نصف يوم، باعتباره فقرة ضمن برنامج صور شعرية، وفقًا لما ذكره خالد الصديق فى شهادته عن الفيلم، لذا فإنه لا يدخل فى خانة الأفلام الروائية نظرًا لدخوله فى دائرة البرامج التلفزيونية، أي أنه لم ينتج خصيصًا كفيلم روائي درامي قصير. أما فيلم “الحقيبة السوداء” فتم تصويره بكاميرا 8 ملم ويدخل ضمن سينما الهواة وبالتالى فإن فيلم “العاصفة” لمحمد ناصر السنعوسى، هو أول فيلم روائي قصير فى تاريخ السينما الكويتية، أما فيلم “سارة” فمن الصعب اعتباره أول فيلم روائي طويل إذ أن مدة عرضه لا تزيد عن خمسين دقيقة، بينما القوانين المعمول بها فى المركز الوطني الفرنسي للسينما، تشترط في الفيلم الطويل أن تزيد مدة عرضه عن تسع وخمسين دقيقة، إذن ففيلم سارة يقع في المساحة الفاصلة بين الفيلم القصير والطويل، أي فئة الافلام الروائية المتوسطة الطول، لذا فإن فيلم “بس يا بحر” هو أول فيلم روائى طويل فى تاريخ السينما الكويتية. 

مرحلة ورؤية

لقد أدت التطورات التكنولوجية إلى أن يكون للسينما جماليات مستجدة، وهو الأمر الذي أحدث تغييرًا ملحوظًا في شكل العلاقة بين المرسل والمستقبلِ. وقد استعارت السينما الكويتية تقنيات الإضاءة في التلفزيون مثل شبكات الإضاءة التي تتحرك بالكمبيوتر، ودفعت صناع الفيلم الخام إلى التفكير في اختراع وضع أفلام خام أكثر حساسية وذات سرعة عالية حتى يمكنها التصوير سينمائيًا على ضوء شمعة تقليدًا لما تم تطويره في كاميرا التلفزيون.

وفي مجال الرسوم المتحركة دخل الكمبيو-جرافيك بقوة، وأصبح من العسير الاستغناء عنه نتيجة لما يوفره من أبعاد ثلاثية، وما يتيحه من اختيارات هائلة بالنسبة للألوان والخطوط، بالإضافة إلى تحريك وتشكيل الكتل والأحجامِ.

ومن الجدير بالذكر أن صناعة السينما عالميًا تقف الآن على أعتاب مرحلة جديدة من التطور التقني قفزت بها خلال سنوات قلائل إلى مجموعة من المتغيرات الثورية التي تعيد صياغة وجهها الذي لازمها منذ بداية ظهورها، ويمكن القول إن التكنولوجيا فرضت شروطًا جديدة على صُناع الفيلم السينمائي لتجعل المشاهد يشارك المخرج وطاقم الفيلم في تحديد الكيفية التي تعرض بها الأحداث على الشاشة.

المخرج عبدالله المخيال
المخرج هاشم محمد


ويمكننا القول إن المحرك الأساسي وراء المرحلة الجديدة من عمر السينما هو ما يعرف باسم الثورة الرقمية، والاختلاف الذي يحدث الآن في طريقة استقبال وتسجيل الصور السينمائية على وسائط أخرى قد غيًر من النظرية الفوتوغرافية. والوسيط الإلكتروني الجديد معروف منذ مولد الراديو والتلفزيون ولكن الاهتمام به سينمائيا زاد عندما أثبت صلاحيته لإعطاء صور متحركة. ومن المؤكد أن هذا الوسيط الجديد له مزايا وله عيوب لكن مع مرور الوقت ربما نتفق على أن كلا من النظرية الفوتوغرافية والسينما بالوسائل الالكترونية الرقمية الديجتال هدفهما إعطاء صور متحركة ملونة تحمل صفات واقع اللحظة، ومع مضي الوقت فإن التصوير بكاميرات الديجتال فائقة الجودة سيجعل من الصعب الحديث عن سينمائيين يصورون بكاميرات سينمائية، وسينمائيين يصورون بكاميرات الديجتال، وسيكون المقياس هو الرؤية السينمائية الموجودة خلف الكاميرا، وليست الكاميرا نفسها كوسيط متغير، وكأداة يمكن تطويرها للوصول الى أفضل صور ملونة ممكنة لتحقيق الرؤى الفنية. وهنا نتوقف لنقول إن أي مخرج يصور بتقنية كاميرات الديجتال في واقع الأمر يستطيع ان نطلق عليه لفظة سينمائي بلا تردد، والذي يحدد ذلك هو الرؤية السينمائية وليست الكاميرا.

وأخيرًا فقد كانت هذه مقدمة ضرورية عن تاريخ السينما في الكويت وبعض الأسئلة التي شغلتني خلال مواكبة هذا التاريخ لمدة اربعه عقود. وأتمنى أن يأتي اليوم الذي يمكن فيه النظر إلى هذا التاريخ بشكل علمي وموضوعي. وهكذا يبدو حال البحث في موضوع بدايات السينما في بلاد العرب، وهو حال يؤكد أننا نعتمد على وثائق غير موثقة، وأرشيف ينقصه الكثير.

مجلة فنون الجسرة – العدد 01 – ربيع 2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى