“في النقد الموسيقي”.. محاولة لإرساء دعائم النقد الموسيقي المصري المعاصر

صدر حديثًا كتاب “في النقد الموسيقي” من تأليف فتحي الخميسي الملحن والمؤلف الموسيقي المصري وصاحب سيمفونية “غضب النيل” والرئيس السابق لقسم علوم الموسيقى بأكاديمية الفنون.
ويأتي هذا العمل الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب مساهمة من الخميسي في إرساء دعائم النقد الموسيقي المعاصر، حيث يعتقد الكاتب أن النقد الموسيقي غائب تمامًا في مصر المعاصرة؛ فالنقد الموجود على صفحات الجرائد والمجلات إما في الشعر والأدب أو في السينما والدراما، بالإضافة إلى عدم وجود مطبوعة دورية متخصّصة في الموسيقى، رغم أن مصر عرفت في السابق نوعا من النقد الموسيقي الجاد في “مجلة الموسيقى” و”مجلة آفاق مصرية” وكتابات حسين فوزي وفؤاد زكريا.
وظهر العدد الأول من “مجلة الموسيقى” في القاهرة على يديْ محمود أحمد الحفني بتاريخ السادس عشر من مايو 1935 ثم توقفت المجلة بعد 13 عددا، وحُفظت أعدادها في أرشيف المعهد الملكي للموسيقى العربية.
ويأخذ الكاتب على “مجلة الموسيقى” أن المحتوى الأوروبي غلب على صفحاتها، وحين نشرت المجلة مقالات عن الموسيقى العربية اتسمت موضوعاتها بعمومية شديدة، وكانت إذا قدّمت مطربًا مصريًا اكتفت بذكر اسمه واسم ملحن الأغنية وكاتب الكلمات ونوع اللحن، دون التطرق إلى أي جوانب موسيقية خاصة بالنمط الذي ينتمي إليه اللحن.
وقد حاولت رتيبة حفني أن تعيد إصدار مجلة الموسيقى في الفترة التي تلت حرب أكتوبر 1973 غير أن هذه المحاولة لم تستمر أيضا، وسرعان ما توقفت المجلة عن الصدور.
كما أصدرت دار الأوبرا المصرية مجلة “آفاق مصرية” وكان شعارها المكتوب على الغلاف الأمامي “موسيقى – أوبرا – باليه” وبهذا بدا أنها لا تتوجه إلى الجمهور المصري الذي لا يقبل منه على الأوبرا والباليه إلاّ أقلية من الطبقة الأرستقراطية التي كانت تشاهد الأوبرا والباليه أثناء السياحة في الدول الأوروبية، بينما مصر لا تنتج الأوبرا والباليه أصلًا!
وهذا يعني أن المجلة كانت تكتب عن عالم آخر لم يكن يعرفه الجمهور المصري، وكان الأولى بها، وفق ما يقول الخميسي أن تجعل شعارها مثلا “موال – قصيد – دور..”، ثم توقّفت مجلة “آفاق مصرية” ولم تصدر من بعدها أية دورية موسيقية أخرى.
ويضيف المؤلف أنه على مستوى المؤلفات الفكرية والنقدية الموسيقية المعاصرة، لا يملك العرب مُؤلَّفا واحدا! ولم يصدر أحد من كبار الموسيقيين في مصر كتابا واحدا في النقد الموسيقي باستثناء محمد كامل الخُلعي الذي أصدر كتابين كلاهما مدرسي تعليمي بحت.
وعمومًا يمكن القول إن الكتب الموسيقية القليلة التي صدرت طوال القرن العشرين في مصر، اتسمت بالطابع التعليمي، وكانت موجهة إلى دارسي الموسيقى، وكرّست عملها لجمع ورصد المقامات والضروب والنغمات، بعيدا عن النقد والفكر الموسيقي.
ونفى المؤلف أن يكون كتاب “تعال معي إلى الكونسير” للأديب يحيى حقي كتابا في النقد الموسيقي؛ فهو يتحدّث فيه عن “جو حفلة الكونسير” الذي هيأ له استرجاع ذكرياته في “كونسير روما” الذي كان يزوره قبل الحرب العالمية الثانية في إيطاليا، وفي الجزء الثاني من الكتاب يتحدّث عن فن الكاريكاتير، ويلقي الضوء على قضية “فقدان المجتمع للوعي الجمالي بالموسيقى”.
وأوضح الخميسي أنه ليس ممّن يرفضون الامتثال للتقدّم الأوروبي في الموسيقى والأخذ به إجمالًا، إلاّ أنه يرفض التطبيق الجاهز للنتائج النهائية للتطوّر الأوروبي، ويدعو في المقابل إلى الأخذ بتركيب الألحان مع الاحتفاظ بروح الموسيقى الشرقية وهويتها.

صحيفة العرب اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى