“الموسوعة الجزائرية” في 60 مجلدًا لإبراز جهود 11 ألف علم حفظًا لذاكرة الأمة الجزائرية

تأتي “موسوعة الجزائر” بمبادرة من المجلس الأعلى للغة العربيّة بوصفه واجهة وطنيّة، وسلطةً مرجعيّة لغويّة وثقافيّة، واستنادًا إلى مهامّه المحدّدة قانونا، ويأتي في مقدّمتها العمل على ازدهار اللغة العربيّة، ونشر الثّقافة الجزائريّة، وإنجاز مدوّناتها الكبرى، ومعالمها المعرفيّة، وخزائنها التّراثيّة، كما تأتي الموسوعة دعمًا للجهود الثّقافيّة، الرّاميّة إلى الحفاظ على عناصر الهويّة الوطنيّة.
وتعدّ الموسوعة واحدة من أهمّ المرجعيّات الأساسية التي يقوم على عاتقها الاحتفاء بتراث الأمّة وتاريخها والبيانُ لأمجادها وبطولاتها؛ إنّها الذّاكرة الحيّة النّاطقة بما يزخر به رصيد الأمة من المعارف، والثّقافات، والأحداث، والوقائع والتّراجم والسّير وغير ذلك. وللمحافظة على هذه الذّاكرة، وعلى ما تحويه من رصيد معرفيّ وثقافيّ ضخم لا بدّ من إعداد محصِّلة موسوعيّة تكون سجلّا تاريخيّا موثَّقا، يفخر بشهاداته المفتخرون ويحتفي بنصوصه المحتفون، وخلفيّة معرفيّة مهمَّة يرجع إليها الدّارسون، والمهتمّون، لاستجلاء غوامض المصطلحات والمسمّيات وللكشف عن حقائق الأحداث، والأماكن والشّخصيّات وللوقوف على ما قدّمه زعماء الأمّة، وعلماؤها ومبدعوها، من مكتسبات ومنجزات ولمعرفة خصائص ما تقوم عليه مناهجهم ورؤاهم ومعتقداتهم، في كلّ ما أنجزوه عبر مختلف العلوم والمعارف والثّقافات.
وحريٌّ بهذه الموسوعة أن تقوم على عمل جبّار، يدوِّن ما تعرفه الجزائر، خلال تاريخها الطّويل، من حضارات وثورات ومقاومات، وما تعرفه أرضها من ثروات وخيرات، وما قدّمه أبناؤها من علوم ومعارف وثقافات وما تتميَّز به مدنها من معالم وشواهد وتقاليد وعادات.

■ اجتماع أعضاء الموسوعة بعد صدور العددين الأولين منها لأعلام الجزائر

وحريٌ بالقائمين عليها أن يُعِدُّوها إعدادًا يقوم على كلّ عملٍ متقنٍ ولحظٍ جادّ ويسعى في ربط الماضي بالحاضر، وفي ربط الحاضر بما هو آت ويعمل على تواصل الأحفاد مع الأجداد، ولا يتوانى في الكشف عمّا في الجزائر من الكنوز والمقدّرات، وفي التّعريف بما تملكه من المزايا والخصوصيّات.
ولا شكّ أنّ في إعداد الموسوعة على هذا النّحو المتقن الجادّ، ما يدفع بها إلى أن تكون مرجعًا معرفيًّا أساسًا لدى مختلف الطّلبة، والباحثين في بلادنا، ولدى مختلف الرّاغبين، من خارج بلادنا، في الاطّلاع على تراث الجزائر، وأعلامها، ورموزها، وأيقوناتها.
وقد استفادت الموسوعة الجزائرية من تجارب الأمم الشّقيقة، والصّديقة التّي سجّلت معالمها، ودوّنت تاريخها في سجّلات موسوعاتها. ويمكن الإشارة في هذا السّبق، إلى الموسوعة الفلسطينيّة، والموسوعة التّونسيّة، وموسوعة مصر القديمة والحديثة، وموسوعة اليمن، ومعلمة المغرب، والموسوعة الإسلاميّة والموسوعة العربيّة، والموسوعة الإيرانيّة، وموسوعة الفيتنام وموسوعة فرنسا، وغيرها…
تستجيب “موسوعة الجزائر” في إعداد موادّها ومفرداتها، لمجموعة من الأهداف نعرض أبرزها فيما يلي:
– إعداد مرجع معرفيّ جزائريّ جامع وشامل يعرّف بالمنجزات الجزائريّة ويرصد مكاسبها وتطوّرها عبر العصور.

البروفيسور العربي ولد خليفة، الرئيس الأسبق للمجلس الأعلى للغة العربية

– تحديـد معالم المرجعية الثقافية، والعلميّة، والحضاريّة للجزائر، بما يراعي جميع خصوصيّاتها، ويقدِّر أهمِّيّة مكاسبها إنْ في هُويتها، أو أصالتها، أو تراثها، أو تاريخها، أو سائر منجزاتها المتنوِّعة.
– حفظ ذاكرة الأمّة الجزائريّة، وتخليد إنجازاتها المعرفيّة والثّقافيّة.
– إبراز المعالم المضيئة والأحداث الوجيهة من تاريخ أمّتنا، وخصوصًا ما تعرفه من مراكز للإشعاع العلمي والثقافي ومن ثورات بارزة في مقاومة الاحتلال بمختلف أشكاله.
– ضبط المرجعيّة الثّقافيّة والحضاريّة للأمّة الجزائريّة ورصدها عبر التّاريخ.
– التّعريف بالتّراث الجزائريّ، بمختلف مشاربه، وحقبه الزّمنيّة، وبيان منزلته من التّراث الإنسانيّ.
– التّعريف بأعلام الجزائر وشخصيّاتها البارزة، والكشف عمّا تعرفه إنجازاتهم من إضافات نوعيّة وخصوصيّات عبر تاريخ الجزائر الطّويل لا سيّما في بُعده المغاربيّ.
– لفت الانتبـاه إلى المنجـزات العلميّة، والثّقافيّة غير المعروفة كالمخطوطات، وقصائد الشّعر الملحون، والأغاني والأهازيج، وما قد يُتداول في التّظاهرات الشّعبيّة المختلفة.
– تنميّة الوعي الوطنيّ بالقيّم الثّقافيّة، والمعرفيّة الكامنة في منجزات الشّعب الجزائريّ وتراثه، وبمعالم الهويّة الوطنيّة، ولا سيما لدى فئة الشّباب.
– استهداف الموسوعة – فيما تعرضه من موادّ ومضامين – لجميع فئات المجتمع الجزائريّ، ولاسيّما فئة الطّلبة، والباحثين، والمهتمّين، وذلك من أجل أن تسدّ حاجاتهم إلى تحصيل المعرفة والثّقافة، وأن تجيبهم على جميع تساؤلاتهم، وأن تستجيب لكلّ اهتماماتهم وتطلّعاتهم.
– ضبط معالم الهويّة الجزائريّة وتأطيرها، بما يعزّز وحدتها الوطنيّة ويستوعب روافدها المختلفة.
– الاستجابة لمتطلَّبات البحث العلميّ في مختلف التّخصّصات والسّعي إلى تقريب القارئ من روافد العلم والمعرفة بطرائق علميّة صحيحة وموثَّقة ودقيقة.
– التّعريف بالأماكن والوقائع والسّيَر والبطولات مع إبراز أشكال التّفاعل الحضاريّ مع الشّعوب الأخرى وبيان مجالات التّأثير والتّأثّر.
وقد راجت فكرة إنشاء “موسوعة الجزائر” منذ فترة ليست بالوجيزة وشاعت وتحمّست لها فئة داخل المجلس الأعلى للغة العربية حتّى غدت حلمًا تشرئب إليه الأعناق، وتتوقّع أن يلوح سناه في الآفاق؛ وتمّ التّمسّك بها، والإيمان بوجاهتها حتّى أصبح من غير المقبول التّردّد في إعداد مشروعها، أو الإحجام عنها، أو تأجيل الخوض فيها.
وهذه شهادة الرئيس السابق للمجلس الأعلى للغة العربية الأستاذ الدكتور العربي ولد خليفة، الذي بادر بفكرة إنشاء موسوعة جزائرية منذ سنة 2006، لكنها لم تتجسد على أرض الواقع إلا سنة 2018 مع البروفيسور صالح بلعيد الرئيس الحالي لمجلس اللغة العربية:
“يعكف المجلس الأعلى للغة العربيّة على إعداد موسوعة لأعلام الجزائر الذين خدموا الوطن وثقافته العريقة في مختلف أنحاء الجزائر، وهو لا ريب مشروع عظيم يخدم الذّاكرة الجماعيّة ويوثّق الصّلة بين الخلف والسّلف، ويجمع في مجلداته الضّخمة مساهمات أهل الفكر والذّكر وأبطال الكفاح من أجل تحرير الوطن من ظلام الكولونياليّة بالسّيف والقلم.
يحتاج العمل الموسوعيّ إلى تكاثف جهود عدد كبير من أهل الاختصاص في جامعاتنا ومراكز البحث التّابعة لها، وكذلك من العصاميين الموهوبين لتقديم معلومات دقيقة تشمل مراحل حياة أولئك الرّجال والنّساء في المدن الصّغيرة والكبيرة والأرياف النائيّة والشّاسعة في بلد هو الأكبر مساحة في إفريقيا.

صورة تجمع بعض أعضاء موسوعة الجزائر

ويعرف أهل الاختصاص المهتمون بتاريخ الجزائر وأعلامها الروّاد أنّ جزءًا كبيرًا من ماضيها الثّقافيّ والسّياسيّ والعسكريّ موجود في الخارج أو مخزّن في أرشيف بلدان أخرى قبل الاحتلال الفرنسيّ، وتمّ نهبه أثناء الاحتلال على نطاق واسع بهدف محو الذّاكرة الوطنيّة بتخطيط من خبراء (الأنديجينوفيليا) علم الأهاليّ الذين يعرفون بأنّه لا انتماء للوطن بدون ذاكرة شاهدة على ماضيه.
ولذلك من المهم التعريف بماضي الجزائر في مجالات العلوم والفنّون والآداب وكلّ الذين دافعوا عن الوطن منذ جهاد البحر بسبب الرواية الشفهية التي سادت في ربوع المنطقة كلّها، وكانت في الجزائر أوسع بسبب سياسة التّجهيل والقمع والعزل المطبّق على الجزائر عن محيطها وعن العالم الخارجيّ كلّه، ولذلك أصبح الحفاظ والاعتماد على قوّة الذّاكرة في الكتاتيب أو المعمرّات هي الوسيلة الباقيّة للمحافظة على كتاب الله وعيون الشّعر الشّعبيّ النّابض بالحكمة والجمال والحثّ على مقاومة العدوان الكولونياليّ كما نراها في أشعار “بن خلوف” و”محند أومحند”، بفعل الثّورة الجزائريّة وتضحيات شهدائها العِظام ومجاهديها الأوفياء حقّقت الجزائر خلال العقود الخمسّة الأخيرة ما كان مجرّد آمال عند أجيال من النّساء والرّجال الذين كانوا يكافحون من أجل البقاء على الحياة ونسبة قليلة منهم لم تكن تحلم بأكثر من حفظ آيات من القرآن الكريم.
إنّ تلك الآمال هي اليوم حقيقة نراها بالعين المجرّدة في المدارس والجامعات وملايين المتعلّمين من الإناث والذّكور، حتى في القرى النّائيّة وأعماق الصّحراء سيجدون في الموسوعة الجزائريّة التي ينبغي أن تكون في إخراج جذّاب ما يدعوهم لمعرفه أعلام بلادهم في مختلف المجالات التي تساعدهم على المطالعة والتّوسيع في معرفة تلك المجالات وحتى مقارنتها بما عند الغير في محيطا القريب والبعيد.
ونشير إلى أنّ فكرة الموسوعة اٌنطلقت سنة 2006 في نفس الهيئة، عندما تشرّفت برئاستها ولكنّها توقفت في بدايّة الطّريق، وذلك بعد بضعة جلسات خصصّت لدراسة منهجيّة العمل، وأجلت لأكثر من عقد لأسباب كما يقال خارجة عن إرادتنا وهي الآن تستأنف مسيرتها بين أيدي أمينة تجد سندًا كبيرًا في الرّقمنة والشّابكة.
وقد يجد هذا المجهود دعمًا واهتمامًا من شركاء في أجهزة الدّولة والمنظّمات الاجتماعيّة والثّقافيّة المعنيّة لتوزيعه والتّعريف به، فقد يكون من المفيد أن تزوّد به المكتبات العموميّة عبر الوطن والمراكز الثّقافيّة وكلّ التّخصصات الجامعيّة في الآداب والعلوم والتّكنولوجيا والمراكز الثّقافيّة في بلاد الهجرة، وقد تقدّمه السّلطات المعنيّة كهدايا للشّخصيات التي تزور الجزائر أو لتكريم المتفوّقين في الامتحانات والمسابقات الجهويّة والوطنيّة والدّوليّة.

البروفيسور صالح بلعيد، الرئيس الحالي للمجلس الأعلى للغة العربية

ومن الممكن أن تساعد هذه التّجربة النّاجحة في التّفكير في موسوعات متخصّصة في مجالات معرفيّة أو حقب تاريخيّة، فبدايّة القطر غيث ثم ينهمر”.
ومن أجل تحويل مشروع الموسوعة من فكرة مجرّدة إلى واقع ملموس، وحتّى لا يبقى، في الأمر، أدنى مجال للتّراجع أو التّخلّي أصدر السّيد رئيس المجلس الأعلى للغة العربيّة مقرّرًا رسميّا مؤرّخا في 10 يوليو من عام 2018، تحت رقم 06/2018 يتضمّن إنشاء لجنة لإعداد مشروع موسوعة الجزائر. وقد أدّى صدور هذا القرار في محيط المجلس، ولدى المتتبّعين لأعماله، إلى مزيدٍ من التّفاؤل، ومزيدٍ من الاحتفاء بالمشروع، ومن الجديّة في السّعي إلى إنجازه.
وفي المادّة الثّانيّة من المقرّر أعلاه تحدَّدت مهمّةُ هذه اللجنة النّواة في جمع المعطيات، والاستشارة الواسعة حول ما يتطلَّبه مشروع الموسوعة؛ ويتعلّق الأمر بإعداد تصوّر عامّ يتضمّن وضع ديباجة الموسوعة، وصيّاغةَ هيكلتها، وتحديد المداخل الأساسيّة التّي يُرتكز عليها في تحديد موضوعاتها، وفي وضع موادّها وتوزيعها وترتيبها. وقد تمّت التّوصيّة بالاطّلاع على تجارب البلدان التّي سبقت الجزائر في هذا المجال، وباستشارة العلماء، والباحثين المتخصّصين الذّين بإمكانهم المساهمة الجادّة في إعداد المشروع وفي إثرائه.
وتطبيقًا لما ورد في المادّة السّابعة من المقرّر المذكور آنفًا توسّعت هذه اللّجنة النّواة لينضمّ إليها عدد من الشّخصيات الثّقافيّة والفكريّة والأدبيّة والوطنيّة، وهو ما منح المشروع وجاهةً ومصداقيّة، وبُعدًا حيويًّا، وحماسة خاصّة، وشجّع اللجنة النّواة على تكثيف جهودها ومواصلة اتّصالاتها وطنيًّا وعربيًّا، وتوسيع استشاراتها مع العديد من الشّخصيّات العلمية التي لبّت نداء المجلس مشكورةً، واستجابت لما دعاها إليه من استثمارٍ للمعارف والخبرات العلميّة، والتّنظيميّة، في دفع المشروع دفعًا قويًّا وثابتًا إلى الأمام.
وفيما يلي كلمة الأستاذ الدكتور ‘صالح بلعيد الرئيس الحالي لمجلس اللغة العربية – الذي تبنى فكرة إنشاء الموسوعة – متتبعا خطى الرئيس الأسبق للمجلس الأعلى للغة العربية البروفيسور العربي ولد خليفة – يتحدث فيها عن أهمية الموسوعه وما تنماز به مُشيدًا بتحقق هذه الفكرة التي بدأت حلمًا، فرأت النور بفضل جهود الرجال المخلصين المؤمنين بفكرتها:
“لقد آن الأوان ليكون للجزائر موسوعاتها، ومعالمها، ومدوّناتها الكبرى، وخزائن تراثها، التّي تجمع ثقافتها وتاريخها ومعارفها وعلومها، على غرار ما للأمم الأخرى من موسوعات، ومدوّنات ومعالم. لتضعها بين دفتي سلسلةٍ من الكتب الورقيّة، والرّقميّة، والوسائط المحمولة مفتوحةً على التّجدُّد، قابلة للاستزادة، يجد فيها الباحث/القارئ في جميع مراحل بحثه ما يسعفه، ويمدُّه بالمعارف المُوسَّعة. كلّ ذلك يُتاح من خلال استكتاب أهل ثقافتها وكُتَّابها وباحثيها، لأنَّها تعلم يقينا أنَّ هذا المُنجز إنَّما هو اليوم حاجةٌ وطنيّة، وضرورةٌ أمنيّة، ومطلبٌ حضاريٌ تعمل كثير من الأمم على أن يكون له هيئته/هيأته المستقلّة التّي تُواكب الجديد فتسجّله في صفحات إنجازاتها.
وتنماز موسوعة الجزائر بخصوصيّة موضوعها، وبأشكال تسجيلها الثلاثة؛ فهي تتمثّل في: نسخة ورقيّة، ومِنصَّة تفاعليّة، وقرص مضغوط cd لتكون الوجه الثّقافيّ، والمعرفيّ، والتّاريخيّ للوطن، عبر حقبه التاريخية وأزمنته المترامية من عصور التاريخ الموغلة في القدم إلى أيّام النّاس هذه. لا تترك شاردةً ولا واردة، ترى فيها عونًا للقارئ وزادًا للباحث، ومعينًا للمُطَّلع، إلّا وفَّرتها له في أجمل إخراج، وأحسن ثوب، وأقرب لغة، وأنصع بيان. وهي تستند في كلّ ذلك إلى بحوث الباحثين من أبنائها، وتستعين بكفاءات وبخبراء ومختصين أجانب، في جميع اللغات، لتصبَّ إسهاماتهم في لغة الموسوعة، موثَّقة المصادر، مُبيَّنة المراجع، مُسهَّلة الموارد والمصادر.

■ البروفيسور نور الدين السد، رئيس الهيئة العلمية للموسوعة

لقد انطلقت موسوعة الجزائر في عملها منذ اليوم الذّي تمّ فيه تنصيب هيئتها. غير أنّها لم تنطلق من العدم، بل استفادت مما أنجزته الأمم الأخرى لتكون على بيِّنة من أمر مشروعها، مستفيدةً من طبيعة منهجيّات الكتابة، ومضامين الموضوعات ومفرداتها، وأشكال العرض وأدواتها. وهي تحاول أن تجد، من خلال نظرها في اجتهادات غيرها، ما يمكن أن يكون لها في عملها شارة امتياز، وعلامة نوع، وسمة اختلاف.
وإنَّه لشرف عظيم أن يساهم فيها علماؤها بما تجود به أقلامهم في جميع المجالات. فهو عمل يمسُّ التّخصُّصات كافة، ويلامس جُلَّ المعارف، فهو بهذا المنطق عمل جماعيّ بامتياز. وزيادة على ذلك عمل يتمُّ بواسطة حلقات بحثيّة متخصِّصة، تتواصل فيما بينها عن بُعد، ودون انقطاع ضمن نظام إلكترونيّ يتيح صبَّ المنجزات البحثيّة، وتصويبها، والإضافة إليها، والتّحقّق من علميّتها، عبر برنامج تفاعليّ مباشر، متوفّر في ورقة الإكسال excel .
وأخيرا، إذا كانت موسوعة الجزائر تحقِّق مّيزة التّواصل بين الباحثين والمستكْتَبين اليوم مباشرة، فإنَّها تحقِّق ميزة التواصل بين الأجيال حينما تتجاور المنجزات في الحقول والمداخل والمفردات بأزمنتها ومناطقها عبر المدوّنات والمعالم وخزائن التّراث، لترفع إلى عين القارئ/الباحث، وتضع بين يديه محصلات التواصل المعرفيّ، والثّقافيّ النّافع الذّي صنعته الأجيال في تواليها، على الرّغم من اختلاف حقبها التّاريخيّة. وهي، بهذا الشّكل، تُكسب الوطن وحدته الثقافية، وبُعده المعرفيّ وصبغته الحضارية.. فهلمَّ إلى تشييد هذا الصّرح العلميّ، اليوم قبل غد”.
وأثمرت جهود الباحثين والرجال المخلصين للوطن بإصدار مجلدين يخصان “الأعلام”، متحدين بذلك الظروف الصعبة ليكسبوا الرهان، وفيما يلي نص كلمة وشهادة الأستاذ الدكتور نور الدين السد رئيس الهيئة العلمية للموسوعة الجزائرية، بعد صدور العددين الأولين من الموسوعة التي تضم “أعلام الجزائر”:
“بفضل الله وعونه، وتحت وصاية رئاسة الجمهورية، وبإشراف السيد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية الدكتور صالح بلعيد، وبجهود الهيئة العلمية للموسوعة الجزائرية، وإسهام الباحثين الأكفاء من جميع جهات الوطن، ومرافقة الخيرين الأسخياء من أبناء جزائرنا الشامخة؛ تم إصدار مجلدين كبيرين من الموسوعة الجزائرية، مخصصين لأعلام الجزائر منذ العهود القديمة إلى يومنا، ونحن عازمون على مواصلة العمل، لإكمال قائمة الأعلام التي تجاوزت 11000 علما، والتي نشرنا منها عددا معتبرا في هذين المجلدين، وسنواصل عملنا بإذن الله لإنجاز (الموسوعة الجزائرية) في 60 مجلدا.
وستكون هذه الموسوعة وثيقة مرجعية في تعزيز معالم الهوية الوطنية، ودعم روح الإنتماء، والإعتزاز برصيدنا الحضاري والثقافي والإنساني، ومصدرا رصينا يزود المهتمين والباحثين وطلاب العلم والمعرفة بالمعلومات الصائبة والموثوقية حول الجزائر، في جميع الميادين… تضمن هذان المجلدان: أعلام الجزائر منذ العهود الفينيقية والليبية والنوميدية والرومانية والبيزنطية والوندالية والفتوح الإسلامية والدول المتعاقبة في مختلف مراحل التاريخ إلى الفترة العثمانية والاحتلال الفرنسي وعهد الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية إلى يوم الناس هذا، مرورًا بكل الحضارات المتعاقبة على الجزائر .
وقد ضم هذان المجلدان 1000 علم، وكنا أحصينا 11700 علمًا جزائريًّا، سيتم إنجاز البحث فيهم لاحقا من الأساتذة الباحثين، وسنطبع بقية الأعلام في عشرة مجلدات، مع الإشارة إلى أن العمل في المجالات الأخرى متواصل، وستكون الموسوعة الجزائرية عبر منصة خاصة في الشابكة، وتكون مطبوعة ورقيًّا، وفي أقراص مضغوطة، وعبر برنامج Qr وستكون بعض متونها مقروءة بالصوت، فالمادة التي يريد أن يستمع إليها المستمع يؤشر عليها فقط، وله أن يسمعها ملفوظة، ويكون هذا الإنجاز الكبير دعامة من دعائم الحفاظ على الذاكرة الوطنية، والحفاظ على أمننا اللغوي، ومعلمة تشمل الإرث الحضاري والثقافي والعلمي للدولة الجزائرية، ونعد هذا الإسهام إضافة نوعية إلى ما أنجز من دراسات وبحوث ومؤلفات ومصنفات وموسوعات في تاريخ الجزائر والحضارات المتعاقبة عليها، وهم مشكورون على مبادراتهم العلمية الراقية التي أفاد منها باحثونا في مجال الأعلام”.
وأخيرا، سيسجّل التّاريخ موقفًا جليلًا لكلّ من أسهم، بجهد عظيم أو قليل في تعريف كنوز الجزائر، وفي إبراز إسهاماتها ضمن المشهد العالميّ لعطاءات الأمم والشّعوب، وذلك من خلال إعداد ذخيرة علميّة وثقافيّة وروحيّة سيكون لها الفضل في تحقيق التّواصل الأمثل بين الماضي والحاضر، وسيكون من سماتها الشّموليّة، والتّكامل، والتّماسك، وسيقع على عاتقها الجمع والتّنظيم للمتراكم تاريخيًّا ومعرفةً وثقافةً وتراثًا. لا سيما وأنه ميراث ضخم للأجيال وسجل تاريخيّ كبير، يحفظ أمجاد الأمّة على مدى أزمنة طويلة، ومنارة عاليّة للعلم والمعرفة، من شأنها أن تهدي الدارسين والمهتمّين ليستكملوا عبر هديها ثقافتَهم، ويطَّلعون، من خلالها، على منجزات أمّتهم.
يذكر أن “موسوعة الجزائر” تشمل المجالات الآتية: الأعلام – الجغرافيا – الدين – اللغات واللهجات -الثقافة – الأدب – الفنون – الآثار – الجيوش – الاجتماع والعمران – التاريخ – العلوم الإنسانية – العلوم وتطبيقاتها – الاقتصاد والتجارة – الإعلام.

مجلة الجسرة الثقافية – العدد 58 – ربيع وصيف 2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى