المهرجانات السينمائية.. ظاهرة سوسيولوجية وتأريخ للزمن

مع كل دورة مهرجانية سينمائية جديدة هنا أو هناك، يبدأ الجدل والصراعات والخلافات والإثارة. المهرجان السينمائي الذي كان مقتصرًا على فئة بعينها فيما مضى، تحول مع السوشيال ميديا إلى “ظاهرة/ “تريند” يمكن لغير المختصين الإدلاء بآرائهم فيه، والسخرية منه أو الدفاع عنه.

لكن إن طرحنا سؤالًا عن حقيقة المهرجانات السينمائية مثلًا، أو فائدتها أو سبب نشأتها أو لماذا تستمر إلى اليوم رغم السقوط الجزئي للسينما وانهزامها – بشكل أو بآخر- أمام منصات المشاهدة، لن نجد إجابات كافية. في هذا المقال نطرح تساؤلاتنا حول المهرجانات السينمائية، بدايتها، علاقتها بتأريخ الأفلام، كظاهرة سوسيولوجية، والفجوة الكبيرة في تذوق الأفلام ما بين المتلقي المتخصص والعادي.

البداية

بدأت مهرجانات السينما كظاهرة أوروبية تجمع بين الشؤون السياسية والقومية، مثلها مثل المعارض العالمية للتجارة والكتاب والألعاب الأوليمبية والمنافسات الرياضية. وكانت المهرجانات تختار الأفلام التي تمثل بلادها مثل اللجان الوطنية التي تختار الرياضيين للمنافسة في الأولمبياد. ثم شهدت الستينيات تغييرا كبيرًا مع ظهور “الموجة الجديدة” والثقافة المضادة.

ولعل أقدم مهرجان سينمائي هو مهرجان البندقية السينمائي الدولي الذي أفتتح في عام 1932، وكان جزءًا من المعرض الفني الدولي السنوي للمدينة، مع تمثيل دول إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي. ومع ذلك، على الرغم من عدد الأفلام القادمة من بلدان مختلفة، فقد استخدم موسوليني المهرجان بشكل أساسي كأداة للدعاية للفاشية الإيطالية وإضفاء الشرعية عليها.

موسوليني.. المهرجان كمنصة سياسية

أدى الاستياء من الدعاية الفاشية لمدينة البندقية إلى تأسيس مهرجان كان السينمائي. الذي تم تأجيل نشاطاته بعد الغزو الألماني حتى عام 1946. وفي الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، بدأت العديد من المهرجانات السينمائية الدولية الكبرى الأخرى، بما في ذلك إدنبرة، لوكارنو، برلين، تليها في عام 1956 مهرجان سان سيباستيان في إسبانيا ومهرجان لندن السينمائي ومهرجان القاهرة السينمائي.

في عام 1972، جعل مهرجان كان السينمائي مدير المهرجان مسؤولًا عن الاختيار الكامل للمشاركات الرسمية، مما أدى إلى استبعاد اللجان الوطنية من عملية الاختيار. سمح هذا الإصلاح في عملية اختيار الفيلم، الترويج للفن والسينما الطليعية وولادة المهرجان السينمائي بشكله الحالي.

في الثمانينيات، اكتشف صناع الأفلام قيمة المهرجانات بما يتجاوز وظيفتها كعارض سينمائي، لقد تحولت المهرجانات إلى مكان يمكنهم فيه مقابلة زملائهم من صناع السينما الدوليين، ومقارنة التقنيات، وتبادل الأفكار لتحسين الأعمال. أصبحت المهرجانات السينمائية مواقع مركزية ونقاط التقاء لصناع السينما العالمية.

ما تقدمه المهرجانات

الحقيقة أن أيّ مهرجان سينمائي لا بد وأن يقدم شيئًا، ولو كان الإعلان عن مدينة أو جهة أو أعمال فنية، أو حتى أن يتحول إلى منافسة وحفل توزيع جوائز على المشتغلين بالسينما. في المهرجانات يشارك الصناع بحثًا عن تقدير لجان نخبوية تنتقى بعناية، ويشارك المهتمون للتعرف على أنماط فنية جديدة، لن يتاح لهم النظام الموجود وتوزيع الخريطة السينمائية بالاطلاع عليها بسهولة. ويشارك الصحافيون والكتاب عن شغف أو كتأدية لعمل يحتم عليهم تغطية الحدث وإيصاله إلى الجميع. وكلها مشاركات شرعية لا حرج فيها ولا ضرورة لمثل هذا الشعور بالذنب الذي يأتي مصاحبًا لكل مهرجان على وسائل التواصل الاجتماعي، ويدفع المشاركون للدفاع عن حدث، أو يدفع المهاجمون للسخرية أو التقليل منه.

تتجه الغالبية اليوم إلى منصات المشاهدة لكنها لا تحقق فرصة تقديم التنوع الذي توفره المهرجانات

كل مهرجان يختلف باختلاف جغرافيته وتأسيسه وأهدافه واختياراته وهيكله، في مصر يحل مهرجان القاهرة في المرتبة الأولى فنيًا والثانية جماهيريًا قبل وبعد مهرجان الجونة، بينما تظل بانوراما السينما الأجنبية مثلا حدثًا منفصلًا ونخبويًا لا يهتم به سوى عشاق السينما.

وفي حين يتجه المعظم اليوم نحو منصات المشاهدة مثل نيتفليكس وشاهد وosn، إلا أن هذه المنصات لا لا تقدم فرصة الاطلاع على التنويعة الفنية التي تقدمها المهرجانات من ثقافات مختلفة، فإذا كان الغرض من المنصات تحقيق المشاهدات وإرضاء الشريحة الأكبر من جمهور عام يهتم بالإبهار، تأتي المهرجانات لتنتخب الأفضل، وتمنح الفرصة لأفلام ربما صوّرت على هواتف هواة في شوارع صغيرة لمدينة مهمشة بممثلين غير محترفين للمعان والظهور.

مهرجان الفيلم وتاريخ الفيلم

على الرغم من أن المهرجانات السينمائية كان لها دور محوري في دراسات الأفلام منذ الأربعينيات من القرن الماضي في تحديد جوانب مختلفة من الاهتمامات البحثية، سواء على المستوى النقدي أو النظري، إلا أنها لم تحظ باهتمام أكاديمي إلا في السنوات الأخيرة كمجال بحثي مستقل.

استخدمت دراسات المهرجانات السينمائية مجموعة واسعة من الأساليب المنهجية للتركيز عليها من زوايا مختلفة، مثل: تقديم نظرية مهرجان الأفلام، والعلاقة بين تاريخ المهرجانات السينمائية والتاريخ الجيوسياسي؛ والمهرجانات السينمائية من منظور مكاني، مثل علاقاتها بالمدن المضيفة وحركة السياحة بها وتأثير هذا التلاقح في الجو الاجتماعي للمدينة، أو من حيث علاقتها باقتصاد السينما أو دراسات استقبال المتلقي.

من أجل تحديد العلاقة بين مهرجان الفيلم وتاريخ الفيلم، من الضروري التركيز على ثلاثة جوانب مختلفة لما نعنيه بكلمة “التأثير”.

الجانب الأول يتم من خلال تقديم أفلام جديدة تمامًا، يكون المهرجان قادرًا على تشكيل تصور المشهد السينمائي المعاصر، وعقد مقارنات بين الثقافات المختلفة، وتغيير التسلسل الهرمي لصناع السينما، وتسليط الضوء على التجديد والتجريب في السينما.

أفيش فيلم «ريش»

ثانيًا، يتمتع مهرجان الفيلم بالقدرة على إجبار نقاد الأفلام على تغيير وجهة نظرهم حول ظاهرة سينمائية قديمة، مما يدفع الأجيال الجديدة من النقاد إلى إعادة النظر في مفاهيمهم من خلال تقديم عرض استعادي كامل لمجموعة أفلام معينة لأول مرة لمخرج مثل بيرجمان أو كريستوف كيشلوفسكي مثلا. كما حدث في الدورات السابقة من مهرجان الجونة.

ثالثًا، لكل مهرجان سينمائي لجان خاصة يجب عليها اختيار الأفلام للأقسام المختلفة، كما ينتج المهرجان نصوصًا مكتوبة مثل الكتالوجات، الكتب الفردية أو النشرات اليومية. تعكس المنشورات الرسمية لمهرجان سينمائي العمل البحثي وراءه. وبذلك يكون مهرجان الفيلم قادرًا على تعزيز أنواع مختلفة من البحث مثل الجامعات أو دور المحفوظات .

اختيارات الأفلام وفرادة المهرجانات

أي مهرجان يقوم بنشاط أساسي للاختيار. من خلال عملية التضمين والاستبعاد، يمكن تحسين القيمة المتصورة لبعض الأفلام أو العكس. وتستلزم عملية الاختيار النظر في أنواع جديدة من الأفلام أو إعادة النظر فيها.

لتوجيه عملية الاختيار، تتبع المهرجانات معايير مختلفة. بعضها راسخ وكلاسيكي يتم بناء على أحكام لجان من نقاد وصناع سينما، مثل (أيام البندقية) في البندقية، و”Quinzaine des réalisateurs” في كان، و” Midnight Madness ” في مهرجان تورنتو السينمائي ومسابقات “وثائقي” و”درامي” في مهرجان صندانس السينمائي.

 يمكن للمهرجانات أيضًا تقديم منافسات جديدة. مثل (الزاوية الإيطالية العكسية) من مهرجان البندقية السينمائي، وقسمي “Panorama” و”Forum” في مهرجان برلين السينمائي و” ديسكفري” في مهرجان صندانس السينمائي.

البندقية أقدم المهرجانات، استخدمه موسوليني المهرجان بشكل أساسي كأداة للدعاية للفاشية الإيطالية وإضفاء الشرعية عليها

كل هذه الأنواع المختلفة من المنافسات تفرض مساءلة المعايير من خلال الاكتشاف وإعادة الاكتشاف، والغرابة، التجريب والابتكار، والعلاقات مع وسائل الإعلام والفنون الأخرى، والنوع، والسينما المستقلة ومنخفضة الميزانية، والأفلام الأولى، إلخ.

المهرجان كظاهرة سوسيولوجية (الجونة كمثال)

في عالم يتجه إلى العزلة، بأثر دائم للتقدم التكنولوجي تضاعف بعزلة الوباء العالمي، يبدو المهرجان السينمائي مناسبة للقاء البشر من مختلف المستويات.

في شهر أكتوبر، يتزين منتجع “الجونة” مثل عروس. المنتجع الذي يبدو كجنة معزولة وسط صحراء يزداد ألقًا، ويشغل نجوم العالم حجرات فنادقه وبيوته المبنية على نمط المعماري حسن فتحي. وهناك نجمات يقضين كل الوقت في اختيار الفساتين وتسريحات الشعر والاستعداد لظهور ما على سجادة حمراء، ونجوم يستعدون لتكريم أو ندوة أو محاضرة وحتى التقاء بصناع آخرين للسينما. وأيضًا بصحافيين ومهتمين بالفنون ونقاد ومصورين.

رغم أن هذا المنتجع الذي يقع على بعد 22 كيلو من مطار الغردقة الدولي في المعتاد طبقة واحدة ثابتة وصلبة، معزول ببوابات يحميها حراس لا يسمحون بدخول أحد سوى المُلاك أو المستأجرين. فارغ تمامًا إلا من مارة عابرين يتمشون في الشوارع المظلمة أو عربات “توك توك” تحل محل سيارات الأجرة. إلا أنه يتغيّر بشكل أو بآخر خلال المهرجان، ويتحول إلى طبقات عدة، ويظهر فيه كل التناقضات التي ربما لا نلحظها لو نظرنا له من بعيد.

من بعيد يمكننا أن نقول بأن هناك سطح وعمق، سطح يسكنه الصفوة يدخلون منه من بوابة محددة ويعيشون في أماكن محددة ويجلسون في مطاعم محددة، وعمق يسكنه العمال والمهمشون، يدخلونه من بوابة أخرى، ويسكنون أعماقه فلا يظهرون سوى كأطياف عابرة. لكن هؤلاء العمال يتحتم عليهم أن يتعاملوا مع فئات جديدة في فترة المهرجان. ضيوف قادمون من جميع أنحاء مصر لتغطية مهرجان سينمائي، لا شيء يجمعها سوى الفن أو العمل.

لقطة من «فيلم» ريش للمخرج عمر الزهيري

ما يحدث أن المنتجع أو لو أطلقنا عليه فرضا المدينة الصغيرة المعزولة يؤثر أكثر مما يتأثر. وهناك يتلون الإنسان ويتغيّر طبقًا للبيئة من حوله. ثمّة شيء في الهواء أو البناء أو التعاملات يحوّل البشر إلى كائنات أخرى وكأنها خارجة من فيلم. ولو رصدنا التغيرات الإنسانية لزائر من القاهرة في فترة مهرجان الجونة إلى هذه المدينة لخرجنا بالكثير من الملاحظات السوسيولوجية التي تكرّس فكرة التحولات طبقا لتغير المكان والحدث.

تنطبع المدينة على الإنسان، ووجود المشتغلين في مجال لامع ومزعج أحيانًا مثل السينما يؤثر على رؤية العاديين لأنفسهم، فتتأثر أرواحهم بغرابة الظروف المحيطة، وتتغيّر طريقة البعض في الكلام أو ارتداء الملابس أو الدعابة، يوضعون أمام تحدي التلاقي مع الآخر أو الحفاظ على الهوية بشكل ما.

يحدث شيء مذهل بسبب المهرجان يمكننا أن نسميه تأثير الدهشة”، وفيه يندهش الشخص من الوهج فيذوي قليلًا أمامه، ينجذب إليه إلى أن يندمج فيه أو يبتلعه. ومن هنا يمكننا أن نفهم لماذا يحدث العراك الكبير بين من هم داخل الجونة لتغطية المهرجان، وبين المتابعين خارجها المنتظرين على وسائل التواصل الاجتماعي رصدًا لما يحدث بعيدًا عن التركيز على السجادة الحمراء والأزياء والإطلالات.

هناك سطح للمهرجان يسكنه الصفوة يدخلونه من بوابة محددة ويعيشون في أماكن محددة، وهناك عمق يسكنه العمال يدخلونه من بوابة أخرى

لعل آخر ما يهم القطاع الأعرض ممن يغطون مهرجان الجونة هو الأفلام السينمائية. الضوء يسرق، وهالات النجوم المحبوبين تسرق، ورصد الأزياء والسجادة الحمراء والصور الغريبة والنزاعات الجانبية والأحداث الهزلية ليس تافهًا، الأزياء نفسها علامات يمكن من خلالها فهم ما يحدث في المهرجان كظاهرة. كذلك المواقف المحرجة والخلافات الكبيرة وحتى النمائم الدائرة.

هذا الأثر الاجتماعي للمهرجان اهتمت به السينما نفسها؛ حيث يرصد الفيلم الفرنسي Les Coquillettes للمخرجة Sophie Letourneur التحولات الحاصلة لثلاث فتيات (مخرجة وصحفية وناقدة) يحضرن مهرجانًا سينمائيًا في مدينة صغيرة ولا ينشغلن سوى بأنفسهن، عواطفهن وسذاجة العلاقات العابرة مع رجال يصادفوهن، رغم أنهن فنانات حقيقيات وشغوفات بما يفعلنه. لكن ثمّة شيئًا ما في مثل هذه التجمعات الباذخة يحولها بعض الشيء عن هدفها الحقيقي، حتى ولو من على السطح، ليجعلها أقرب لإعلان طويل وملون لمدينة ما، أو جهة ما، أو حتى أفراد بأعينهم.

حلم الشاشات الكبيرة

نجلس في قاعة السينما الفارغة أو المزدحمة، نشاهد فيلما يعجبنا أو نريد الكتابة عنه، نفتقد زر التقديم والتأخير والتوقيف الذي اعتدنا عليه أثناء المشاهدة على المنصات، إن غفلنا للحظة ربما يفوتنا جزء محوري، الجميع يغفل، وهذا يمنح الفيلم المعروض في السينما نقصانه الجميلة. الانطباع الناقص عن عمل فني يكمله، ويجعله ربما أكثر جمالًا وتأثيرًا، سوف يفسر الناقد الفيلم طبقًا لما استوعبه عقله وأضافه لتعويض المشهد الناقص، وسوف يكره آخر فيلمًا لأنه لم يحتمل اكتماله بشكل ما، أو ربما لم يتمكن من تعويض نقصه.

تلقي كل شخص للعمل الفني يختلف، الأمر لا يتعلق بثقافة المتلقي أو مجاله، بغض النظر عن النقاد المحترفين الذين يحللون كل عمل فني بنظريات محددة، من حق أي شخص أن يكره أو يحب عملًا، لهذا تهتم المهرجانات السينمائية بوجود جائزة ضمن جوائزها خاصة يمنحها الجمهور لعمل ما، ويتم بالتصويت بعد انتهاء عرض الفيلم ومنحه درجة من 1 إلى 5.

جائزة الجمهور عادة ما تميل إلى عمل لا يحبه النقاد، إنما يمس هؤلاء الأشخاص العاديين الذين يرون في السينما شيئًا أعمق من مجرد نص تطبق عليه نظرية، يرون فيها تجسيدا لحياة بشكل ما وإن كان برؤية غير واضحة وأحيانًا ما تكون ساذجة.

آخر ما يهم القطاع الأعرض ممن يغطون مهرجان الجونة هو الأفلام.. هالات النجوم المحبوبين تسرق الأضواء

سيدفعنا هذا التناقض إلى التأمل فيما حدث خلال مهرجان الجونة السينمائي بعد عرض فيلم “ريش” للمخرج عمر زهيري” ومحاولة فهم التناقض الكبير بين رأي النقاد والمتفرجين.

الفجوة بين المتلقي المتخصص والعادي

لم يكن معتادًا أن يعترض فنان أو واحد من المشاركين في مهرجان على اختيار لجانه، كما حدث في الدورة الخامسة من مهرجان الجونة السينمائي، عندما اعترض فنانون على عرض فيلم “ريش” للمخرج عمر الزهيري، لأنه يسيء إلى سمعة مصر من وجهة نظرهم، لما يعرضه من أحداث كابوسية تقع في منطقة متطرفة وفقيرة. الأمر الذي تحول إلى معركة كبرى على الفيسبوك وتويتر، بعدما انبرى الناشطون في الدفاع عن حرية الفن والتعبير، والإعجاب بالسيدة دميانة بطلة الفيلم غير المحترفة. المعركة التي لم تستمر طويلًا بعد تسريب الفيلم إلى الإنترنت، وتحول الناشطون إلى الهجوم عليه بسبب مستواه الفني المتدني،وتقنياته غير المعتادة والقصة غير المفهومة. ليبدأ النقاد في الكتابة عنه ومحاولة تبسيط فكرته الغرائبية أو إيصالها إلى المتلقي العادي دون نجاح.

الفيلم الذي يحكي قصة رجل يتحول إلى دجاجة يشبه روايات الواقعية السحرية برمزيتها وتأويلاتها المختلفة، حيونة الإنسان أو ما يفعله الفقر في تحويل الإنسان إلى دابة هي الفكرة الأساسية للعمل، وهي رغم وضوحها وتناولها بطريقة يغلب عليها السخرية والخفة إلا أنها لم تلق استحسان المتلقي العادي الذي لا يمكنه أن يستوعب فكرة غير منطقية يتم تناولها بصورة منطقية وبتصوير كابوسي وبلقطات مطوّلة. ورغم ذلك فاز الفيلم بجائزة نجمة الجونة الذهبية كما فاز قبلها بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد في مهرجان “كان، وبعدها بجائزة مهرجان قرطاج.

في المهرجانات، لا يمكن أن يتفق الناقد مع الجمهور، ومن هنا يحدث الخلط الكبير بين مفهوم الفيلم التجاري في قاعات السينما وعلى المنصات والفيلم النخبوي الذي يعرض ليحدث فرقًا أو تجديدًا في الصناعة بأكملها. أو حتى يحدث حراكًا كما حدث في هذه الأزمة الأخيرة.

مجلة الجسرة الثقافية – العدد 59

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى