صدور رواية «ستاريكس» للعراقي علي لفتة سعيد

صدر عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر الرواية الحادية عشرة للروائي العراقي علي لفتة سعيد وحملت عنوان «ستاريكس» التي تتناول موضوع التظاهرات بصورة غير مباشرة.. فهي تتناول مجموعة من فئات المجتمع العراقي ينتقلون من خلال سيارة من نوع ستاريكس من الناصرية جنوب العراق إلى مدينة كربلاء وسط العراق وجنوب بغداد، حيث يوجد فيها جريحان بسبب التظاهرات.. يجلس الأول في مقدمة السيارة مع أبيه، والثاني في مؤخرة السيارة مسافر إلى كربلاء للمشاركة في تظاهراتها، بعد أن تم اختطافه وتوقيعه على عدم الخروج إلى تظاهرات ساحة التحرير والحبوبي.
وهناك رجل دين ورجل شيوعي، فضلا عن أرملة بنزاع عشائري لديها طفلة معاقة بسبب ذلك النزاع، حيث تقطع يدها لحظة اغتيال أبيها من قبل أولاد عمه.. وامرأة كبيرة السن زوجها ضحية حرب وابنها كذلك وحفيدها ضحية «داعش». وهناك رجل وزوجته، لهما ابن بعمر 16 عاما هو عمر التغيير ما بعد عام 2003 يعاني من وجود ثلاثة ثقوب في قلبه، تمثل المحاصصة والطائفية في العراق، لا تجعله ينمو وكثير التعرق.. وهناك سائق السيارة المتخبط الخائف الذي يعمل أجيرا في السيارة لوالد زوجته وابنه شهيد.
في السيارة تحدث المناقشات بصورة اجتماعية فلسفية وتأويلية، يشارك فيها الجميع، خاصة بين رجل الدين والرجل المتقاعد المدني، فتنسكب كل الأحداث لتشكيل الواقع العراقي، في كل متناقضاته وتقلباته وانعكاساته على الشخصية العراقية، وتمثل السيارة الواقع العراقي، حيث تصادف عملية تفجير الإطار والبقاء في العراء، وكذلك مواجهة مطبات الطريق والخوف من المجهول والموت، والحوار حول جدوى التاريخ والدين والسلطة والأحزاب الدينية، حيث يكون الانتقاد الكامل لها.. وتناولت الرواية بطريقة محايدة كل هذه الأحداث التي شهدها العراق خاصة التظاهرات الأخيرة، التي هي روح العمل، والصراع والفعل الدرامي والحكاية التي أخذت منها البنية التدوينية.. والرواية تنتهي بطريقة لا يمكن إلا أن تكون كذلك حيث تنقلب السيارة في الطريق قبل الوصول إلى كربلاء، فيتم إنقاذهم من قبل أصحاب التكتك الموجودين في تظاهرات جنوب الحلة لإنقاذ المسافرين.. إنها رواية الجانب الخلفي للتظاهرات، فضلا عن جانب المواجهات المسلحة وعمليات الاختطاف في ثلاث مناطق هي، بغداد والناصرية وكربلاء.. حيث تدخل الرواية إلى مناقشة وتصوير المواجهات بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية وغيرهم بطريقة لا تكون مباشرة، لكنها محسوسة، ودون أن تكون ضد الأحزاب والسلطة، بل هي تنتصر للمدنية.. الرواية ذكرت بتجرد هتافات ومواقف المتظاهرين ضد الأحزاب والسلطة وإيران وأمريكا، ليس بطريقة تسجيلية بل بطريقة السرد الروائي.
يقول الناقد عمار الياسري، إن بنية التسريد في الرواية تشتغل على تفعيل نسقين بنيويين، أولهما مفاهيمي ثيمي اعتمد فيه القاص على هدم السرديات الكبرى الجاثمة في الوعي الجمعي العراقي، التي تجسدت وفق بنية سلطوية متعددة مثل، سلطة الحكومات الفاسدة والسلطة الدينية والسلطة القبلية، إن سرديات ما بعد الحداثة التي عدت طروحات نيتشه وفوكو وجاك دريدا، المشتغلة على تقويض السلطات، تجلت بشكل كبير في رواية «ستاريكس» فالشباب الثائر قوض الفعل الديني الفاسد للأحزاب الحاكمة، إذ لم يعد الرمز كينونة قارة في الوعي الشبابي، كما نلحظ ذلك في شخصيتي أحمد ومهدي، والثأر العشائري المتجسد في قطع يد رقية قوض فعل القبيلة المتزمت، كما تمثل ذلك في الطروحات المتعددة لأبي أركان وأحمد حتى السلطة الجنسية، فقد أعاد الروائي تنظيم فعلها من خلال عدم وجود التحرش في ساحات التظاهرات، وندم أحمد على فعلته مع أم رقية، والنسق الثاني تقني معماري عمل من خلاله الروائي على تشكيل مكان واقعي لحيوات متناثرة اجتماعيا وعلميا ومتعددة زمنيا.. إن المكان المتشكل المتجسد من خلال سيارة الستاريكس، لم يكن أيقونة مباشرة تعتمد على حمل الركاب، بل هو وطن مصغّر تعدّدت فيه الأصوات السردية بكل انثيالاتها، ما جعل الروائي يتنقل ما بين هذه الأصوات الهادرة من أجل نقل صورة للثورة العراقية الراهنة في شكل يقترب من مفهوم الواقعية السحرية، كما عمد الروائي إلى توظيف تقانة الروائي العارف بكل شيء من خارج الأحداث، ذي التبئير الصفري من أجل المسك بعقد الحكايات المتناثرة من جهة، والتعليق على الأحداث والشخصيات من جهة أخرى، رواية «ستاريكس» رواية وطن ولدت في رحم الثورة الشبابية وكبرت فيها.. لقد برع في صياغتها المعمارية الروائي علي لفتة سعيد.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى