رواية الجفيري «1972»

رواية لكاتب قطري هو الشاعر والروائي “محمد محمد الجفيري”.. وكعادته أهداني الرواية.. عندها عدت بالذاكرة إلى علاقة التاريخ والأرقام بالأعمال الإبداعية.. نعم قدم الشاعر والروائي القطري الآخر عبد الرحيم الصديقي “4000”، وكان الربط بين رحلاته عندما كان يقود الطائرات في رحلة تجوب العالم.

عدت مرة أخرى بالذاكرة إلى رواية عالمية.. صاغها الروائي العالمي جورج أوريل عام 1949م وحملت عنوان “1984”، ومع أن هذه الرواية قد اتخذت من الخيال عوالم للأحداث والشخوص، ولكن كان وراء الأكمة ما وراءها.

كان الخيال في الرواية إلا أن ظلال الواقع قد غلفت كل جزئيات النص الروائي، وأن الأمر لم يكن مصادفةً، بل جاء هذا المزج الفني امتدادًا لجمالية الخيال.. نعم قد يكون الأمر جزءًا مما أرادت الجهات المعنية.. وإن كان بصوت خافت.. هنا قد يكون.. أقول قد يكون جزءًا من تزوير التاريخ واستحضار للصراع العالمي بين قطبين مسيطرين على العالم الثالث.. الشيوعية بأهدافها، والرأسمالية بدورها في السيطرة على مصائر بعض الشعوب في شرق وغرب العالم.. هنا القيادة للسوفيت وهناك قدرة العم سام..!!

ومع أن خيوط الأحداث قد مزجت بين الحب والسياسة وتعرية السلطة المطلقة في روسيا السوفيتية.. كل هذا قد دفع القارئ إلى التأمل والتوقف كثيرًا حول الناتج السردي.. هل كانت هذه الرواية قراءة مستقبلية؟! أم مجرد خيال كاتب مبدع؟! وهل يمكن اعتبار رواية «1984» رواية فنتازيا تطرح اللا معقول في واقع معقول؟ أم أنها تحمل أكثر من رسالة وأن الهدف أعمق بكثير؟!! هل هي رواية أرشيفية ساهمت عدة جهات في صياغة أحداثها وأقلها المخابرات في الغرب؟! كان السؤال عند إصدارها هل يتحقق أيّ أمر؟

علاقة الحب مجرد وعاء خارجي في رواية “1984” لأورويل، فماذا عند كاتبنا القطري “الجفيري” في روايته «1972»؟

بعدها بسنوات تحقق الأمر.. فكان انهيار الاتحاد السوفيتي في زمن جورباتشوف.!! كيف؟!

لا تسأل.. نعم انهار كيان الدولة ذات الحزب الواحد.. هنا نعود إلى “جورج أوريل” هل كان قارئًا للمستقبل أو قد كان على علاقة وثيقة مع المخابرات؟! وهل كان يملك الأدلة أن ما بناه “ستالين” عبر نظريات “الحزب ولينين” وأن جبروت الحزب سوف ينتهي سريعًا.. لأن كل أجزاء الدولة بقومياتها وأجناسها ودياناتها مرصود؟! وأن هناك شاشات رصدت كل الحركات.. وتراقب كل الأمور..

نعم كان الانهيار قبل أن يعي أصحاب الدولة.. كيف كان الانهيار سريعًا؟! ومع هذا فإن الكاتب قد مزج كل هذا بقصة الحب لتكتمل فصول العمل.

نعم علاقة الحب مجرد وعاء خارجي.. وهذا ما كان في رواية «1984« فماذا عند كاتبنا القطري “الجفيري” في روايته «1972« والمضمن عنوانًا جانبيًا وبشكل مباشر “صدفة خير من ألف ميعاد“؟

غانم السليطي

 محاولات “الجفيري” تتعدد فقد قدم للمكتبة القطرية عطاءً متنوعًا بين السيرة الذاتية، وتعامل مع الشعر عبر ديوانه “وهج الشوق” ولديه أعمال تحت الطبع.

ما يهمنا ماذا يطرح في روايته «1972« والسؤال المباشر لماذا “1972” تحديدًا؟ وهل نعيد عقارب الساعة إلى الوراء؟ الأجمل أن هذا العام ذو ارتباط عضوي لمجموعة من زملاء الرحلة، فقد كنا ننشد المعرفة في عدد من العواصم مثل “القاهرة، بغداد، بيروت، الرياض، المدينة المنورة، الرباط، وغيرها من العواصم العربية”.. ساهمت تلك العواصم في تغذية ذاكرتنا بالمعرفة.

ومن هنا، وهو يسرد الأحداث يكون الانطلاق “بأحمد” بطل الرواية من الدوحة إلى “بيروت والقاهرة ولندن” وتلك الحقبة الزمنية ما زالت تلتصق بذاكرة جيلنا وبخاصة القاهرة، وتلك الشوارع وذكريات الصحبة الجميلة، كما أسلفت:

  1. في البدء رحلة الاكتشاف إلى لبنان وخيوط الحب، و«عاليه» مركز تجمع القطريين.
  2. النهاية في عاصمة الضباب.. ولعبة القدر في وضع النهاية لأجمل قصة حب..!!
  3. هذه اللعبة القدرية تتوالى بين الأمل واليأس والاقتراب والابتعاد.
محمد علي عبدالله

والفترة الزمنية تمتد منذ “1972” حتى النهاية، وهو في إطار دائري.. تبدأ والأب يهرب من واقعه إلى كورنيش الدوحة.. ومع هذا فإن هناك خيط واهٍ.. بين نور الحفيدة وأحمد الحفيد.. نعم.. إن بطل الرواية.. يهرب من ذاته لذاته.. أصبح الآن وهو يجر الخطى نحو الكهولة.. ومع ذلك فإن خيوط الحب تعيده إلى مرحلة الصبا.. نعم الآن وقد تجاوز العقد السادس من عمره.. عالمه مرتبط بالروتين الحياتي والفراغ.. يلبي طلبات المنزل والأسرة وحفيده الأول.. ومع هذا فقد كبل ذاته بحكاية طوت أكثر من أربعة عقود من عمر الزمن..

نعم هناك حكايات متناثرة هنا وهناك.. ومع أن ظلال السارد موجودة في أكثر المواقف وقد يكون جزءًا من اللعبة أو شاهدًا على الأحداث.. ذلك أن طرح الواقع عبر أحداث الرواية تؤكد هذا الحدس.. حتى وإن كان النفي من طرف السارد “محمد الجفيري”.

أعتقد أن الأحداث تؤكد أنك وإن كنت شاهدًا على فترة مزجت الأحداث بنا.. لأنك لابد وأن عايشت “حي الدقي” وبقالة “سعودي” والأندية الطلابية.. ومن بمقدوره أن ينسى الآن.. جنازة سيدة الغناء العربي؟ خاصةً، وأنا والفنان غانم السليطي كنا شاهدين على الحدث التاريخي الجليل.

تتعدد محاولات محمد محمد الجفيري، فقد قدم للمكتبة القطرية عطاءً متنوعًا بين السيرة الذاتية، الشعر ولديه أعمال تحت الطبع.

في إطار الرواية القطرية نتوقف أمام عدد محدود من الروايات التي لا تغوص في طرح المضامين الاجتماعية.. مثل رائعة محمد علي عبد الله “فرح” وما قدمه الروائي عبد العزيز المحمود.. في هذه الرواية.. الزمان والأماكن خلقت الأحداث والنماذج ارتباطهم بالإطار المحدود.. رجل يبكي على اللبن المسكوب.. وسرد لواقع الحياة البسيطة ورحلات الصيف هروبًا من حر القيظ.. أما اللغة فهي في إطار من الإطار التقريري.. مع إدراج ما يشكل إعلانًا مجانيًا لنوع الفندق، ونوع السيجار ونوع المشروبات!

هذا لا يعني أن الاختيار الذكي من قبل السارد أن عام «1972« كان مليئا بالأحداث مثل: سنة الانتخابات الأمريكية، انتهاء حرب فيتنام، عملية ميونيخ، إنتاج فيلم العراب وغيرها من الأحداث، وكيف مهّد ذلك لأحداث هامة مثل قبول مبادرة روجرز عام 1970م، وكيف أدى قلق الناس إلى انتصار السادس من أكتوبر 1973م.

عبدالعزيز المحمود

هذه الرواية.. رصد لرحلة جيل كما أسلفت بأحداثها ومدنها.. وشكلت بالنسبة لنا عودة إلى تلك الحقبة الرائعة ونحن نتلقى المعرفة في جامعات قاهرة المعزّ والصحبة الجميلة.. القاهرة شكلت لنا وطنًا آخر.. ذلك أن الإنسان المصري يتميز بمميزات خاصة.. أهمها حسن المعشر وكرم الضيافة.

هناك ملاحظات في هذه الرواية.. أن السارد يستحضر مخزونه اللغوي، ومن ثم يستعملها في إطار المضمون والعديد من المواقف.. هذه المقاطع التي تعتمد على جمالية اللغة لا تشكل نسيجًا مع الحوار أو الصياغة اللغوية.. نعم لتلك الجمل صلة بجمالية لغة الضاد.. ولكن تنفر الأذن.. فاللغة كائن حي..

وقبل الختام أسرد على الكاتب “محمد الجفيري” أن سيدة الغناء العربي وهي تقدم رائعة أبو فراس الحمداني.. توقفت كثيرًا.. وغيرت مفردة “بلى أنا مشتاق وعندي لوعة” إلى “نعم” والسارد عندنا اعتقد بحسن النية.. إن الاستعارة من الموروث اللغوي في صالح النص.

بطل الرواية.. يهرب من ذاته لذاته.. أصبح الآن وهو يجر الخطى نحو الكهولة.. ومع ذلك فإن خيوط الحب تعيده إلى مرحلة الصبا

هناك فرق بين شاعرية النص.. وواقعية النص المرتبط بواقعنا المعاش.. ومع هذا فإن “محمد الجفيري” لا يتوقف ويواصل عطاءه شعرًا ونثرًا.. نبارك له جهده وعطاءه .. فهو صوت قطري يسهم مع أشقائه في رفد المكتبة القطرية بنتاجه.. فله شكرنا وتقديرنا.

مجلة الجسرة الثقافية – العدد 60

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى