إلى خيري منصور.. أقرب إلى السماء

منيرة المهندي

 

مرحبًا خيري، كيف حالك؟ أتمنى أن تحظى بأيامٍ طيبة في السماء، كما كُنت تردد دومًا بأنك أقرب إليها من غيرك مُنذ الطفولة أيها الجبلّي وها قد استقررت فيها أخيرًا. أكتب الآن لا لأُرثيك، إنما لأتحايل على الموت وأُريك كم أنت حيّ، وكم أن ذكراك عصيّة على كل نسيان.
مرَّ عامان منذ أن تلقيت نبأ وفاتك، عندما صدحت الأخبار بذلك النبأ وتهافت الكُتّاب والأصدقاء والقُرّاء لتوديعك وتأبينك، وأنت من فوقهم تراهم بضحكتك المالحة: إنهم يقتلونني مرارًا! لا مراثي للنائم.. الجميل!
نحنُ لا نحتفي بك مجردًا، إنما نكتبك ونعيدك مرّة أخرى إلى الحياة بيننا، بمقالاتك وشعريتك الفضفاضة وروحك الباقية. لنستمع منك الأسرار ونُحوِّل العصا إلى ناي، ونثرثر حتى المساء لتمر سيرتك خاطفة من جديد دون أن يغلبنا نعاس أزلي ولا نوم.
نكتبك يا سيدي لنشهر طفولتك المضمّخة بدموع الخيل في وجه العالم الذي يحترف النسيان، ولنفتش في متحف ذاكرتك عن أوراقك ومقتنياتك لنرسم بها تضاريسًا خالدة تحتويك، ولنسافر إلى ”دير الغصون“ لنجد قريتك وبيتك ونستمع لغراب (إدغار إلن بو) ينعق: ما مضى سيعود، حتمًا سيعود!
سيعود إلى حيث الخيول والأسلحة ولأنك اخترت ألا تموت، ولأنك وجدت بُعدًا ثالثًا لثنائية الحياة والكتابة الصارمة؛ فكسرتها وعشت الكتابة وكتبت الحياة وتحايلت على الغياب وبقيت خالدًا بيننا، مشتاقًا إلى المستقبل.
أكتبك لأُعرّفك على نفسي، من مدينة رُبما لم تسمع بها من قبل، في أقاصي شمال الخليج، أنا التي قرأتك جيدًا والتي اختارتك أن تكون فنجان قهوتها الأول على حد تعبير درويش، أعودُ إلى مقالك الأخير قبل أيام قليلة من رحيلك، حينما ذكرت بأن الذين استحوا.. ماتوا! وكأنك مُت لتثبت أنك من الكُتّاب الذين صدقوا العلم روحًا والكتابة حياةً فمُت وتركت الذين لا يستحون يعيثون في أرض الثقافة.. فسادًا!
مُت مرّة واحدة، وستولد مرارًا مع كل مقال نُعيده فنقرأه أو بيت شِعرٍ نُردده فنحفظه، أو فكر جميل نكرره فندرسه. ولأنك كثيرٌ بيننا، اختارتك السماء لتفترش لك مهدًا قُرب النجوم حيث موطنك ولتُضيء شُعلتك ولا تنطفئ أبدًا!

مجلة الجسرة الثقافية – العدد 60

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى