مسرح الطفل.. بذرة الوعي!

تُمثِّل تجاربي الأولى في مسرح الطفل سنة 1971 إطلالة خجولة على نوع فريد من الفن الرفيع، تسلحت له بقراءات لعوالم وليم شكسبير المسرحية، فقد فتنني الكاتب بقدرته على استحضار التراجيديا المُعاصرة، وإن لبست ثوبًا تاريخيًا.
أول تجربة مررت بها كانت كتابة نص مسرحي، أخرجته بنفسي لطلاب المرحلة الابتدائية، واتخذ عنوان “العودة”، من الجميل أن أهالي الطلاب أنفسهم قاموا بتصميم الثياب، وعمل الديكورات، ولما قدم العرض في المسرح القومي قُوبل باحتفاء كبير.
الخطوة الثانية تعاونت فيها مع الفنانة فاطمة المعدول، وقد أخرجت لي عملًا شعريًا بعنوان”الأراجوز” 1974، قدم وقتها على مسرح ثقافة الطفل بجاردن سيتي بالقاهرة.
على امتداد أربعين عامًا قدمت لمسرح الطفل مئات الأعمال التي تميَّزت بالبساطة والعُمق، وكان العنصر المشترك فيها كونها عروضًا تتحرى البهجة والفرح، وإضفاء كثير من المرونة في التعامل مع نصوص لها أبعاد تربوية، ظل هاجسي أن يشترك الأطفال في التعامل مع خشبة المسرح بأريحية وقبول كي تتضافر الجهود لتقديم نشاط مسرحي يخص الطفل بعيدًا عن القوالب الجامدة.
سعيت أن تكون تجربتي مع الطفل ثرية بعناصر حية يمكن أن تتلخص في طابع المرح والفُكاهة التي تُظلِّل النصوص، بالإضافة إلى عنصرين أساسيين في أغلب العروض، وهما: الاستعراضات الراقصة، والأغاني الملحنة التي تؤكد على وجود كورس أو مجاميع تتولى عملية تقديم الفصول أو التعليق عليها.
وهو الشيء الذي قمت به في عدة مسرحيات من إخراج الفنان أحمد شبكة، وقدمت على مسرح قصر ثقافة الطفل بدمياط، الأعمال كثيرة من أبرزها :”عودة إيزيس الجميلة “، “حكايات خضراء”، “الكنز ..فين؟”.
من خلال فهم لفكرة الصراع المتنامي في العرض قدم الأطفال أعمالًا مترعة بالفكر، لا تستنيم للأفكار المُسبقة، واستعضنا عن الجُمل الطويلة للشخصيات بأخرى قصيرة،ذات دلالة.
كما استخدمنا مفردات البيئة من شباك صيد وصواري وأفرع أشجار لتكون الديكورات المناسبة لعمل مثل”طفولة بحر”وكان من الجميل أن تتم البروفات المبدئية على مسارح المدارس الصغيرة، فإذا صعدت العروض لمستوى أعلى جرت التدريبات من جديد على مساحات واسعة كما تم استخدام الأقنعة بنجاح خاصة في تلك العروض التي أبطالها حيوانات مثل : الأسد، البقرة، الغزالة، الدبة، الحمار الوحشي المخطط، وطائر الببغاء.
كان الأطفال سُعداء للغاية وهم يُشكِّلون لوحات مترعة بالجمال ويُدربون أجسادهم على الحركة الحرة مع تلوين أصواتهم بنبرات تختلف من شخصية إلى أخرى.
أما عن رد فعل الجمهور وهم الأطفال أنفسهم، وأسرهم : آباء وأمهات، أعمام وأخوال، وأخوة، فقد كان شيئًا مُشجعًا. ولفت نظري وقتها أن اقتطاع أوقات من الطلبة لم يكن على حساب تفوق الأطفال بل على العكس فقد زادتهم التجربة ثقة بالنفس وقدرة على مواجهة الأخطاء، والعمل في ظل فريق مُتجانس.
وحسب تأملاتي فقد كان هناك أطفال مُتعثرون في النطق، حين دخلوا في مجموعات للإنشاد تغلبوا على ترددهم وخجلهم، وانطلقوا ليحرروا ألسنتهم من التردد والضعف.
كما أن المشاركة الجماعية في تجهيز المسرح، وتحريك الستارة، واستخدام المكياج بشكل بسيط منح الأطفال الذين لا يشاركون في التمثيل الفرصة ليضعوا جهدهم لصالح التجربة ككل.
يُطلق على المسرح دائمًا أنه “أبو الفنون”، هذا صحيح، غير أن الأكثر صحة أن مسرح الطفل بالذات هو المجال الحيوي لتنشئة الأطفال على قيم نبيلة تتمثل في تحمل المسئولية، وغرس روح الانتماء، والتعلق بالجمال : فنًا، وأداء، وعطاء حيث المتعة تتولد عبر مشاركة حية في تقديم فن رفيع يسمو بالوعي ويُعمِّق الإدراك.

مجلة الجسرة الثقافية – العدد 60

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى