القاهرة.. العصر الذهبي الذي كان

يزور الناس القاهرة للعديد من الأسباب، فهي لدى الكثيرين بوابة مصر الفرعونية بروعتها وغموضها، ولدى آخرين مثال لمدن الشرق بغرائبها المثيرة للعين والأذن والذائقة، وهي لدى البعض عاصمة الفن والثقافة العربيين والمكان الذي ظهر فيه للمرة الوحيدة في التاريخ العربي الحديث زعيم ذو كاريزما طاغية وهو جمال عبد الناصر الذي حاول تكوين وطن عربي تقدمي وحديث، إلا أنه فشل في نهاية الأمر. كما أنها لدى البعض الآخر منارة دينية تاريخية بجامعها الأزهر العريق، والموالد والأذكار العديدة التي تُقام في مساجدها المختلفة على مدار العام.

المباني الرائعة التي تعاني من إهمال ولا مبالاة شديدين تُشكِّل الذكرى الباقية لصفحة مضيئة في تاريخ العاصمة المصرية، مرحلة يطلق عليها تحببًا اسم “العصر الذهبي”

على الرغم من كل البشر الذين يرتادون ميادينها وشوارعها وحواريها ما بين زائرين ومعجبين، فإن قلة منهم فقط هي التي تُقدِّر أو ربما حتى تلحظ كنوزها المعمارية العظيمة والمتنوعة، والتي تغطي من الزمن أكثر من ألف عام. هذا حقًا أمرٌ مثيرٌ للشفقة، فالقاهرة واحدة من أغنى المدن في العالم من حيث التنوع الفريد في الطرز المعمارية، حتى عندما يتعلق الأمر بعمارتها القريبة العهد والتي تعود لفترة تمتد منذ نهايات القرن الـ19 وحتى الثلاثينيات من القرن الـ20. فالمدينة زاخرة بالقصور الفخمة والفيلات والمباني السكنية الراقية والمحال الكبرى، والكنائس والمعابد والنوادي والمقاهي التي تعود لهذه الفترة والتي لا بد وأنها جميعًا قد شهدت في الماضي أيامًا أفضل ومُلاكًا أكثر ثراءً وأكثر اهتمامًا والتي على الرغم من هذا لازالت تحمل ملامح الفخامة والعظمة.


تلك المباني الرائعة التي تعاني من إهمال ولامبالاة شديدين تشكل الذكرى الباقية لصفحة مضيئة في تاريخ العاصمة المصرية، مرحلة يُطلق عليها تحببًا اسم “العصر الذهبي”.
تنتشر نماذج عمارة العصر الذهبي في القاهرة في جميع انحاء المدينة وضواحيها ولكنها تتركز بشكل أوضح في منطقة وسط البلد وامتداداتها القديمة في مناطق المنيرة والحلمية وعابدين وجاردن سيتي وبولاق وشبرا والزمالك، هذا فضلًا عن ضاحية مصر الجديدة شمالًا وضاحية المعادي جنوبًا، وكلاهما تتميز بالتفرد والرقي. تزخر تلك المناطق المختلفة جميعًا بالعديد من التحف المعمارية الرائعة، والتي تتنوع من حيث الطراز، فهناك قصور وفيلات إسلامية الطراز أو كلاسيكية أو باروك تنتمي إلى النصف الأخير من القرن الـ19 ومبانٍ أخرى طراز ArtNouveau وArtDeco وColonial هي بمعظمها بنايات سكنية وإدارية تنتمي لبدايات القرن الـ20، هذا غير بعض الفيلات والمباني السكنية التي يرجع تاريخ بنائها لمنتصف القرن الـ20، بالإضافة إلى بضعة مبانٍ تنتمي إلى طراز Rococo وItalianRenaissance وNeo-Pharaonic.
لا يوجد في الأدبيات المعاصرة ما يفي برغبة القارئ بمعرفة المزيد عن هذه العمارة المتميزة. بل ولا يوجد هناك سوى عدد قليل من المطبوعات السياحية التي تمر عليها مرور الكرام وعدد أقل من الدراسات البحثية التي تهتم مباشرة بهذه الثروة المعمارية المنتمية لتلك الفترة الزمنية القصيرة بالنسبة لعمر ثقافة يُقاس تاريخها بالآلاف من السنين وليس بالقرون أو بالعقود ويرجع تاريخ العمارة فيها إلى 3000 عام قبل الميلاد.

عمارة الأرستقراطية

واقع الأمر أن المرحلة الذهبية للعمارة القاهرية لم تحظ سوى بكتابين مصورين وعدد محدود جدًا من الدراسات الجادة، غير أن الاستثناء الوحيد هو العمل الدؤوب للأستاذ سمير رأفت الذي أَلّف كتابين وكتب عددًا كبيرًا من المقالات عن العمارة أيام مجد القاهرة الحديث، كما أنه أسس موقعًا ثريًا على شبكة الإنترنت عن هذا الموضوع.

الدراسات الجادة عن عمارة العصر الذهبي بالقاهرة نادرة باللغات الأوروبية، فإنها أكثر ندرة باللغة العربية

إذا كانت الدراسات الجادة عن عمارة العصر الذهبي بالقاهرة نادرة باللغات الأوروبية، فإنها أكثر ندرة باللغة العربية، اللغة الأم لسكان المدينة. ولكن محدودية الاهتمام هذه بعمارة العصر الذهبي فضلًا عن ندرة المكتوب عنها باللغة العربية لا تثير أي دهشة بالحقيقة. فبالنسبة لمعظم المصريين المعاصرين، يعد هذا التراث المعماري أجنبيًا ودخيلًا، فهو ينتمي للطبقة الأرستقراطية الحاكمة لعهد بائد، بُني من أجل أقلية تركية وشركسية حاكمة وعدد من المستشرقين وكبار الشخصيات الأوروبية الذين أتوا لمصر كمغامرين ونهازي فرص وانتهوا بأن أصبحوا يتحكمون في اقتصاد مصر في ظل حكم استعماري. وكان هؤلاء الأرستقراطيون المستوردون منهم والأصليون يزدرون سكان القاهرة الشعبيين الذين مثلوا بالنسبة لحكامهم رعاعًا ثقافيًا، والذين انتهوا بالتالي إلى أن يعتبروا أن التحف المعمارية التي خلّفها أرستقراطيوهم السابقون لا تمت بصلة لتراثهم هم.

عمارة العصر الذهبي بقلب القاهرة

أما بالنسبة للأجانب المقيمين في القاهرة أو أولئك الذين يزورونها لفترات مُطولة فالمدينة بالدرجة الأولى تنتمي للعصور الوسطى. فهي مدينة شرقية ساحرة ولى عصرها الذهبي منذ قرون وانتهت أيام مجدها منذ بداية القرن الخامس عشر. إنها مدينة الألف مئذنة ومئذنة، ومدينة الشوارع والحواري الضيقة والملتوية والبيوت الكبيرة التي تُزيّنها المشربيات والتي خلد مظاهرها وملامحها نجيب محفوظ في رواياته المتجذرة في أرض وتراث القاهرة. أما القاهرة الحديثة فهي لا تعني لهؤلاء القاهريين الطارئين سوى مدينة تعاني من ازدحام مرور فظيع ومبانٍ مُهملة ومتشعثة وبعض فنادق الخمس نجوم والنوادي المتميزة والمطاعم الفاخرة التي توفر ملجأ يهربون إليه بين حين وآخر. وهم في هذا يضربون صحفًا عن فترة رائعة من تاريخ المدينة قريب العهد. فما بين خروجها المتعثر من خمول مرحلة القرون الوسطى مع بدايات القرن الـ19 وتحولها إلى مدينة شاسعة المساحة من بين مدن العالم الثالث بفقرها وميولها الاستهلاكية في نهايات القرن الـ20، شهدت القاهرة في نهايات القرن الـ19 وحتي منتصف القرن الـ20 مرحلة من النهضة في أوجه عديدة عُرفت بالعصر الذهبي مازالت مظاهرها متجلية فيما خلّفته من روائع معمارية مازالت تزين، وإن على استحياء، شوارع مركزها المكتظ وأحيائها السكنية القديمة.

بالنسبة لمعظم المصريين المعاصرين، يعد هذا التراث المعماري أجنبيًا ودخيلًا، فهو ينتمي للطبقة الأرستقراطية الحاكمة لعهد بائد

اتساع حدود القاهرة

شهدت القاهرة ما بين عامي 1870 و1952 مرحلتين وصلت فيهما العمارة إلى أُوج ازدهارها. المرحلة الأولى كانت في عهد الخديوي اسماعيل (1863-1879)، والمرحلة الثانية في فترة الاستعمار البريطاني الذي امتد منذ عام 1882 وحتى ثورة يونية 1952. ابتدأت المرحلة الأولى عندما شرع الخديوي اسماعيل في تنفيذ حلمه بتطوير مصر من خلال تطوير مدينتيها الرئيسيتين، القاهرة والإسكندرية، وطموحه بتحويلهما من مدينتين أفريقيتين إلى مدينتين أوروبييتي الطراز والمظهر. وقد نجح اسماعيل بالفعل في خلق قاهرة جديدة اسماها “الإسماعيلية” تحمل ملامح مدينة باريس التي أعاد تخطيطها البارون هوسمان في ستينيات القرن التاسع عشر والذي أعجب به الخديوي اسماعيل أيما إعجاب عندما قام بزيارة المعرض العالمي في فرنسا عام 1867، ولأنه كان في عجلة من أمره فقد أراد الخديوي أن يكون مشروع تطوير المدينة متزامنًا مع حفل افتتاح قناة السويس عام 1969 الذي أراد من خلاله أن يباهي ملوك وأمراء أوروبا المدعوين لحضور الحفل. وعليه فقد استعان الخديوي بكبار المصممين المعماريين من أوروبا وإستانبول وأنفق مبالغ طائلة استدان معظمها بفوائد كبيرة.


اختار اسماعيل تصميمًا متطورًا للمدينة ومزودًا بكل ما تحتاجه الحياة العصرية آنذاك، فبنى الكباري والشوارع الواسعة التي تزينها الأشجار على الجانبين والميادين المصممة على شكل نجمة على الطريقة الباريسية. وبنى القصور ذات الحدائق الغنّاء، كما بنى دارًا للأوبرا وسيركًا ومسجدًا ضخمًا هو مسجد الرفاعي، وبنى فنادق وعدة مبانٍ حكومية. لم يتبق اليوم من تلك البنايات سوى بعض القصور التي تغيرت بعض عوالمها وبعض الأضرحة المملوكة لعائلات ذات أصول أرستقراطية، بالإضافة لمسجد الرفاعي.
أما المرحلة الثانية في تطور القاهرة الحديثة فقد أخذت شكلًا أكثر تدرجًا. فقد ابتدأت بعد خصخصة ملكية الأراضي في المدينة والتي تلت بيع الدائرة السكنية (الشركة القابضة لإدارة الأملاك الخديوية)في نهاية القرن الـ19 لسداد ديون الدولة المصرية وأيضًا بهدف دمج مصر في شبكة التجارة العالمية آنذاك. أدت الفرص الاقتصادية التي نشأت في تلك المرحلة والتي دعمتها القوانين التفضيلية لغير المصريين التي أدخلها المستعمرون البريطانيون إلى جذب عدد كبير من الأوروبيين والشوام من المستثمرين والمغامرين، فضلًا عن بعض الصعاليك لانتهاز تلك الفرص والإثراء من ورائها والذين انتهى بهم المطاف إلى الاستقرار في المدينة التي وجدوا فيها رزقهم.
كان الناجحون منهم –وهم كُثُر-الى جانب عدد من الإقطاعيين الزراعيين من طبقة الأرستقراطيين المصريين وأعضاء الأسرة المالكة، هم المسؤولين عن النهضة المعمارية والنماذج الإنشائية الرائعة التي يصعب تواجدها مجتمعة في مدينة أخرى حتى إذا قارنا قاهرة القرن التاسع عشر بمدن مثل: فيينا أو براغ أو حتى باريس في عصورها الذهبية التي تزامنت إلى حد كبير مع عصر القاهرة الذهبي.
ولكن تراث العصر الذهبي لمدينة القاهرة لا يقف عند حدود القصور والمباني بسكانها شديدي الثراء. فالمدينة الجديدة التي أسسها الخديوي اسماعيل إلى الغرب من المدينة التاريخية التي عاشت في حالة ما قبل الحداثة لقرون، قد تطورت بسرعة إلى مدينة ضخمة جمعت بين شطريها، الحديث والتقليدي، في كلٍ متكامل تربط بين أطرافه التجارة والبنية التحتية وحركة البشر. خلق نمو المدينة الموحدة نهضة لجميع أنواع المعمار بدءًا بتشييد القصور الكبيرة ذات الحدائق الواسعة في نهايات القرن التاسع عشر، الأمر الذي تراجع لصالح تشييد المباني الحكومية والبنوك التي تعني بإدارة الأموال والاستثمارات في بدايات القرن العشرين، بالإضافة لانتشار بناء الفيلات والمباني السكنية الراقية ليعيش فيها أبناء الطبقة البرجوازية المصرية والأجنبية الناشئة. وقد تطورت حول هذه الأحياء السكنية الراقية كل الخدمات اللازمة لسكانها العصريين. فقد أُنشئت المدارس الأجنبية والمصرية والجامعة لتعليم أبنائهم، والمحال الكبرى ودور السنيما والنوادي والحدائق والمقاهي لتلبية جميع احتياجاتهم. هذا فضلًا عن السفارات لتأمين صلتهم بالدول الأم، والمساجد والكنائس والمعابد ليقيموا فيها شعائرهم، والمدافن لموتاهم. وبطبيعة الحال، كانت المناطق والأحياء الشعبية التي يقطنها معظم المصريين، والتي نشأت حول هذه الأحياء الراقية، تتطور، لكن بمعدل أبطأ.

انكماش المدينة

تغيَّر الأمر تغيرًا جذريًا عندما قامت ثورة يوليو 1952 التي أتت بمجموعة من الضباط المصريين المنتميين للطبقة المتوسطة ليتولوا الحكم لأول مرة في تاريخ الدولة المصرية. تم طرد الإنجليز وإنهاء الحكم الاستعماري، وسرعان ما تقلص نفوذ الأجانب والطبقة الأرستقراطية بفعل هذه التحولات. ثم انكمشت الثروات المحلية بفعل القوانين الاشتراكية التي طبقتها الطبقة الحاكمة الجديدة، خاصة قوانين الإصلاح الزراعي، وبفعل المصادرة المباشرة لأملاك أبناء الطبقة الأرستقراطية الحاكمة من القصور والعزب الكبيرة.
ولكن الأقليات الأجنبية لم تشعر بوطأة النظام الجديد إلى أن شنت انجلترا وفرنسا واسرائيل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 إثر تأميم قناة السويس، فتم إثر هذا العدوان طرد معظم الأجانب من البلاد وتأميم ممتلكاتهم، واستخدامها كمبانٍ حكومية، أو كمساكن خاصة لأتباع النظام الحاكم الجديد أو تم تأجيرها وإسناد إدارتها لجهات حكومية.

على الرغم من كل البشر الذين يرتادون ميادين القاهرة وشوارعها وحواريها ما بين زائرين ومعجبين، فإن قلة منهم فقط هي التي تلحظ كنوزها المعمارية العظيمة والمتنوعة

أما أولئك الأجانب والأرستقراطيون الذين لم يُطردوا إثر العدوان الثلاثي، فقد خاف معظمهم من أن يكون الدور آتيًا عليهم، فقام الكثيرون منهم ببيع منازلهم وأملاكهم على عجل وبسعر بخس لأناس ينتمون لطبقة أدنى ولديهم أذواق وعادات مختلفة، كما أن أسرهم كبيرة العدد. وترك آخرون ممن قرروا الهجرة مؤقتًا بيوتهم مغلقة وخالية ربما لأنهم لم يجدوا مشتريًا مناسبًا، أو ربما أملًا في أن تتبدل الأحوال لصالحهم يومًا ما ويعودوا إلى سابق امتيازاتهم. قلةٌ قليلة فقط من العائلات العريقة ظلت في مساكنها، والأقل منهم بقيت لديهم الإمكانيات المادية الكافية للاعتناء بتلك المساكن.
وهكذا تحولت غالبية مباني العصر الذهبي بشكل أو بآخر إلى مساكن للإيجار إلى أبناء طبقات لم تبن هذه المباني بالأساس لها. وأدت قوانين الإيجارات التي سنتها حكومة الثورة ما بين 1952-1962 إلى تجميد إيجارات المساكن عند مستوى إيجار الأربعينات بمبالغ مثيرة للسخرية، الأمر الذي أدى إلى سخط ملاك تلك العقارات الرائعة وإهمالهم إياها إهمالًا زائدًا بالإضافة إلى الإهمال الذي عانته المباني أصلًا من سكانها الجدد.

أبراج العامية

غير ان الضربة الكبرى التي قصمت ظهر عمارة العصر الذهبي لم تأت من النظام الاشتراكي الناصري على رعونته وتخبطه السياسي، وإنما أتت من السياسات الاقتصادية المتهورة والمرتبطة بسياسة الانفتاح التي بدأت في عصر الرئيس السادات واستمرت إلى يومنا هذا والتي فتحت شهية الراغبين في الثراء من المقاولين محدثي الثراء وعديمي الثقافة لهدم جميع المباني القديمة وبناء أبراج سكنية أكثر ربحية محلها دون احترام القيمة التاريخية أو الجمالية للمباني التي يقومون بهدمها. وبكل أسف فقد نجح هؤلاء في مهمتهم التخريبية والتي أفقدت المدينة الكثير من رونقها. فمنذ عام 1970 حتى الآن، فقدت القاهرة نسبة كبيرة من كنوز عمارة عصرها الذهبي، والبقية الباقية منها مُهددة بالهدم والزوال. القليل القليل فقط مازال يقف شامخًا بعضه يُصان بعناية محبيه والآخر يتم ترميمه وتهيئته من قبل مستثمرين متنورين لإعادة استخدامه لأغراض أخرى كمطعم فاخر أو محل راقٍ أو بنك.
وبرغم العدد الضئيل من تلك الكنوز المعمارية المتبقي اليوم، إلا أن وجودها وشموخها كافيان لتخيّل تلك المرحلة والشعور بعظمة إنجازاتها العمرانية والاقتصادية. بل إن بعضها قد جرت إعادة تمثله ثقافيًا فاصبح يمثل موئلًا للحنين بالنسبة للمفكرين والمرممين وأحفاد الطبقة الأرستقراطية السابقة الذين يرون في أبهتها وثرائها ذكرى لأيام أفضل وأذواق أرقى مقارنة بما يرونه حولهم الآن. ولكن بعضها الآخر قد أصبح يثير الرثاء لما آل إليه من إهمال وتدهور بطلائه المتساقط ونوافذه المكسورة وسكانه المتواضعين الذين لا يمتون بصلة لملاكه الأصليين ولا يعرفون شيئًا عن تاريخ مايسكنونه، (راجع ما كتبه علاء الأسواني في “عمارة يعقوبيان” وما كتبته رضوى عاشور في “قطعة من أوروبا” في هذا الصدد). ولكن هذه المباني كلها، القائم منها والمرمم والآيل للسقوط، مازالت مع ذلك بمجموعها تُسطّر في فضاء المدينة قصة تلك اللحظة التاريخية عندما كانت القاهرة في الآن نفسه تستلهم في عمارتها عمارة مدن مثل باريس وروما وإسطنبول وفيينا وتتنافس معها في أبهتها وثرائها.

مجلة الجسرة الثقافية – العدد 60

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى