«أخبار الأدب» تحتفي بـ«كتاب الانفعالات» الصادر حديثًا عن نادي الجسرة

احتفت مجلة «أخبار الأدب» المصرية في عددها المؤرخ في (21 أغسطس 2022)، بـ«كتاب الانفعالات» الصادر حديثًا عن نادي الجسرة الثقافي الاجتماعي بقطر.
وقد أشارت المجلة إلى أن الكتاب يُعتبر باكورة إصدارات نادي الجسرة ضمن سلسلة تحمل اسم «كتاب الجسرة»، وهو للفيلسوف وعالم النفس الإيطالي أومبرتو جاليمبرتي، ومن ترجمة نجلاء والي الأستاذ بجامعة تورينو.
وأضافت المجلة أن الكتاب يُناقش قضية الانفعالات والمشاعر التي أصبحت مثار اهتمام كبير في مختلف مجالات الدراسات الإنسانية، بينما كانت في الماضي مثار ريبة، نظرًا لما يمكن أن ينتج عنها من مخاطر وأضرار، بينما يكشف جاليمبرتي أهميتها التي فاقت أهمية العقل في حفاظها على الحياة الإنسانية في بعض المنعطفات التاريخية.
وأضافت: يتتبع جاليمبرتي قضية الانفعالات والمشاعر منذ أفلاطون إلى اليوم، لكن الأهم من الإحاطة التاريخية بالفهوم أن الكتاب ينتهي إلى دراسة حالة المشاعر والانفعالات في ظل المستحدثات الجديدة في الاتصال وأثر شبكة الانترنت ورقمنة المناهج الدراسية على المشاعر من جهة وعلى القدرة على التحصيل الدراسي من جهة أخرى، مما يجعل الكتاب رسالة لا غنى عنها لخبراء التربية وأولياء الأمور.
وتابعت: يعتقد أومبرتو جاليمبرتي أن الانفعالات لم تزل شأنًا غامضًا ومنطقة مجهولة، نظرًا لأنها تضرب بجذور عميقة في الجزء الأقدم من عقولنا، كما تظهر آثارها في الجزء الأكثر نبلًا في نفسيتنا وفي مشاعرنا وحياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية، بل أيضًا في تركيبنا العقلي الذي أعطته ثقافة الحقب الماضية سلطة السيطرة على الانفعالات وقمعها. ولاكتشاف هذه الأرض التي لا تزال نواحي منها مجهولة، ينبغي النظر إلى الانفعالات من زوايا متعددة من خلال علم الأعصاب وعلم النفس وعلم التربية وعلم الاجتماع وصولا إلى تكوين التفكير المنطقي العقلاني والذي يتخذ أشكالًا شتى تتغير بتغير الثقافات.
وأشارت إلى جاليمبرتي (مؤلف الكتاب) يبدأ بالحديث عن الأسس النظرية التي يعتمد عليها في وصف ومعالجة عالم الانفعالات والمشاعر. لذلك لا يكتفي بالحديث من وجهة نظر العالم النفسي أو عالم الأعصاب أو الاجتماع أو التكنولوجيا أو الاقتصادي، معتبرًا أن كل هذه العلوم تتكامل لخلق المفهوم الفلسفي للانفعالات.
وقد أوضحت أن الجزء الأول من الكتاب يشرح فيه جالمبرتي ما يصفه بـ«الغرس الأول» الذي وضعه أفلاطون منذ أكثر من الفي عام ولا يزال حيا قائما حتى اليوم. وكان مفهومه أن الإنسان روح وجسد وانطلاقا من ذلك نظر إلى الانفعالات و نسبها للجسد حسب اتفاقها أو اختلافها مع الروح. وهذا أصبح أساس النظرة العلمية التي تقصد بالجسد “الكائن” وبالروح التي أثقلها الفكر الديني بالمعاني المختلفة التي تسميها مجموعة الصفات العقلية والنفسية”.
هذا النموذج الذي وضعه أفلاطون، تبناه وصقله ديكارت، ورفعته النظريات العلمية من بعد ديكارت إلى القمة، لكن ظهرت في منتصف القرن العشرين المدرسة «الظاهراتية» أو ما يُطلق عليه اسم الفينومولوجيا، وهو المذهب الذي يشرح ظواهر الوجود كما نراها وليس طبقًا للفرضيات العلمية المسبقة. وقد رأى النموذج الظاهراتي الإنسان كجسد (ولا يخلط ذلك بمفهوم الكائن) ليس له علاقة بالروح ولكن بالعالم الذي يحثه ويشغله ويلزمه. الفرق بين النموذجين يشبه الفرق بين المشاعر التي تنتابنا عندما ننظر إلى منظر طبيعي فوق خريطة جغرافية (نموذج أفلاطون) ورؤية ذلك المنظر في الطبيعة (الظواهرية).
وبعد إيضاح النموذجين ينتقل جاليمبرتي إلى الجزء الثالث، والذي يستعرض فيه واقع الانفعالات في الوقت الراهن الذي تطغى فيه باطراد العقلانية التقنية والتي تفرض ازدواجية عاطفية، فمن ناحية تجري محاولة محو الانفعالات والإيغال في العقلانية، ومن ناحية أخرى يوجد رد فعل ضد هذه العقلانية ويتمثل في العزلة العاطفية التي تصبح ناموس الحياة الوحيد.

أجمل فصول الكتاب

من أجمل فصول الكتاب ما يتأمل فيه جالميرتي الظواهر المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي من حب الظهور وإظهار التجارب العاطفية و الانفعالية على الملأ، ورغبة في لفت الأنظار والشهرة من خلال تصوير كل لحظة مميزة يمر بها الإنسان: في مطعم، في مكان سياحي، أو في جلسة عائلية. بحيث صارت حياتنا الحميمة مكشوفة للجميع. وهذا ما يسميه تسليع الحميمية والمشاعر، التي أصبحت سلعة متداولة في الأسواق. الفرح صار تظاهرًا بالفرح لجلب المتابعين، فأصبح كل إنسان سلعة بالنسبة إلى غيره، وصار جميع المستخدمين سلعة لدى أصحاب الفيسبوك وتويتر، تباع اتجاهاتهم وتفضيلاتهم للمعلنين من منتجي السلع المختلفة.
ومن الاستخدامات الخطرة كذلك للمشاعر والعواطف استفادة الخطاب الشعبوي الذي يكتسح العالم الآن. يصف جاليمبرتي التظاهر على شبكات التواصل بـ «الزيف المتقن» الذي يجعلنا نظن أن التعبير عن عواطفنا هو المساحة الوحيدة التي تتجلى فيها حقيقتنا، بيد أننا لاحقا ندرك أننا لم نعد نملك هذه المساحة وأنها صودرت منا منذ زمن، وتم برمجتها لتلبية احتياجات تحقيق الشهرة والنجاح والتسويق.
من هنا يدعو أومبرتو جاليمبرتي إلى حماية مستقبل “جيل الديجيتال” الذي لم يدرك بعد أن الشبكة الإلكترونية ليست “وسيلة” تحت تصرفهم يستخدمونها كما يشاءون ولكنه “عالم” (ينتمي إلى فئة ومفهوم يختلف عن فئة الوسيلة) ينغمسون فيه تماما. وهذا العالم يقوم بقولبتهم دون أن يدروا، ويغير من طرق تفكيرهم ومشاعرهم ويسبب ما يسمى بـ”تبدد الواقع” فيصبح من الصعب التمييز بين العالم الواقعي والافتراضي الذي يعيشونه فيه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي مما يؤدي إلى ” انفصام عن المجتمع” نتيجة للعزلة الجماعية لمن يحيا ويعمل ويتواصل فقط عن طريق القنوات لإلكترونية و في ظل مجتمع يتعقد باستمرار، يفقد هذا الجيل المهارات الاجتماعية التي لا يمكن الحصول عليها التحميل من موقع إلكتروني.

آثار رقمنة المعرفة بالمدارس

ويختتم الكتاب بجزء يناقش آثار رقمنة المعرفة في المدارس على عملية النمو الانفعال وتربية مشاعر الأطفال، انطلاقا من التحول الإنثروبولوجي الذي أحدثه “الكومبيوتر” وغلبة الإنسان المشاهدعلى الإنسان العاقل. لم تعد المدرسة التي ينحصر دورها في “تلقين المعلومات“ قادرة على “تربية” لأسباب ذاتية وموضوعية فلا تضع في الحسبان هذا التحول وليست لديها القدرة على إدراك الإختلافات والخصائص الفردية للطلاب ولا تفهم أن ذكاء الطالب لا يتطور دون تربية مناسبة للانفعالات والمشاعر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى