مدن الخوف” لا تنتصر

الجسرة الثقافية الالمترونية-العربي الجديد-

 

*محمد الأصفر

 

 

ليست “مدن الخوف”، التي يعنون عاطف الأطرش فيلمه الوثائقي بها، إلا مدن بلده التي تحترق. الشريط الذي عرض أخراً في “مهرجان أيام بنغازي الثقافية”، يسلّط الضوء على الآثار السلبية للحرب القائمة في ليبيا، ومعاناة المدن المتضرّرة منها.

وقد أثار العرض آراء متباينة وسجالاً واسعاً في الصحافة الليبية. وقد رأى بعضهم أنّ الأطرش (1978) الذي يُعتبر من الفريق المناصر للثورة، مصابٌ بتأنيب الضمير، ويمارس جلد ذات، لأن الحلم لم يتطابق مع الواقع.

لا يتغنّى الفيلم بانتصارات “ثورة 17 فبراير” كمعظم الأشرطة المنتجة أخيراً، بل يركّز على الجانب المظلم من الثورة، وخصوصاً في ما يتعلّق بالأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في عشرات المدن والقرى الليبية، مثل بنغازي وسرت وبني وليد ومصراتة وتاورغاء، وبالمواطنين المسالمين فيها. الشريط الذي تبلغ مدته 55 دقيقة، تتنوع صوره بين شهادات حية، ولقطات من الأرشيف، راوياً، بشكل رئيسي، واقعاً مظلماً لناس قادت الظروف العاثرة مدنهم إلى الوقوف إلى جانب القذافي.

في حديث مع “العربي الجديد”، يصرّ مخرج الفيلم، عاطف الأطرش، على الإشارة إلى استقلالية شريطه، واستناده إلى الجهد الشخصي للمشتغلين عليه، فحسب، بهدف تجنب الإملاءات.

 وأما في ما يخص الزاوية “السلبية” التي تناول منها الثورة، هو الذي شارك فيها واعتقل أثناءها، فيقول: “ما دفعني لفعل ذلك هو توصّلي إلى خلاصة أن المشهد العام الليبي ليس إلا حرباً أهلية بين أبناء البلد أنفسهم. هناك مدن وقرى اصطف سكانها إلى جانب الثورة؛ وفي المقابل، ثمة مدن وقرى اصطفت إلى جانب القذافي. وبالتالي، فإنّ مجريات الحرب بين الطرفين لن تنتهي بإعلان الانتصار على عدو يجمع عليه الشعب الليبي. لا معنى لانتصار تُدك فيه مدنٌ بأكملها ويتوه سكانها في غياهب الصحراء، يشردون ويعاقبون استناداً إلى هويتهم وانتمائهم، ولو لم يقترفوا شيئاً. هذا الجانب المظلم من الثورة تحاشى العاملون في الإعلام الخوض فيه، واكتفوا ببث الأغاني والأهازيج الثورية التي لم تختلف عما كان الليبيون يتابعونه في حقبة القذافي. ولهذا أردت الذهاب بشريطي في هذا الاتجاه”.

وعن توقعه لاستمرار الخوف في هذه المدن، وإن كانت الحرب ستنتهي فيها ليعم السلام، يرى الأطرش أن “القضية لا زالت شائكة، ولا يبدو أنها ستنتهي قريباً”. ويضيف: “يمكن القول إن دائرة مدن الخوف بدأت تتسع لتكاد تشمل مساحة ليبيا كافة؛ فانتشار السلاح بشكلٍ مرعبٍ شجّع من استحوذ عليه على تكرار ديكتاتورية عهد القذافي، بشكل أقبح وأبشع أحيانا”.

وعن رأيه حول الفرق بين “مدن الخوف” في فيلمه، ومقترح “المدن المنتصرة” الذي أدلى به الإعلامي محمود شمام، قائلاً إنها لا بد وأن تفرض إرادتها، يقول الأطرش: “يمكن اعتبار هذا الفيلم، على هذا المستوى، رداً مباشراً على تورّط شمام (وهو صديق شخصي) بتبنيه واعتقاده أن المدن المنتصرة هي من تفرض إرادتها على المدن المهزومة. كان يمكن تقبل فكرة كهذه لو كانت الحرب بين ليبيا وبين دولة عدوة وطامعة في أرضنا، لكن أن يجري تبني مثل هذا المفهوم لتعميق الهوّة بين الليبيين، فهنا الطامة الكبرى”.

من جهة أخرى، لا يرى المخرج والصحافي الليبي أن فيلمه ينكأ جراح المدن المدمرة التي نزح عنها أهلها عنوة، بمقدار ما يقرع ناقوس الخطر، كي لا نعيد التجربة القذافية. وفي المقابل، يشير الأطرش إلى عمله، حالياً، على فيلم وثائقي آخر يسلط فيه الضوء على آثار مدينة ليبيا مطموسة لا يعلم عنها الليبيون الكثير: “في ليبيا، ليس ثمة مدن خوف فحسب، بل كذلك مدن طمأنينة مجهولة، ولا بد أن تخرج إلى النور قريباً”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى