عمارة تحكي تاريخًا عريقًا

معالم قطر التاريخية على قائمة "الإيسيسكو" للتراث الإسلامي

تزخر دولة قطر بالعديد من المواقع التاريخية والإسلامية، التي تعكس هويتها الوطنية، وتفردها عبر الزمن، وهو ما توجته لجنة التراث لمنظمة العالم اﻹسلامي للتربية والعلوم والثقافة “الإيسيسكو”، بضم ثلاثة مواقع تراثية قطرية جديدة إلى قائمة الإيسيسكو للتراث في العالم الإسلامي، هى:”بيت الخليفي، وأبراج برزان، وقلعة الركيات”.
هذا الإنجاز المميز، يضاف إلى إنجازات مماثلة سبق أن حققتها متاحف قطر، بانضمام معالم ومواقع تاريخية وإسلامية إلى لائحة التراث في العالم الإسلامي، وذلك في ديسمبر 2019 وشملت هذه المواقع: قلعة الزبارة، وموقع الجساسية، والقصر القديم (قصر الشيخ عبد الله بن جاسم في متحف قطر الوطني) ومسجد الرويس، وبذلك يرتفع عدد المواقع القطرية المدرجة في لائحة التراث في منظمة العالم الإسلامي إلى سبعة مواقع أثرية.

أرض قطر كانت مأهولة منذ الألف الرابعة قبل الميلاد، فضلًا عما تتسم به هذه المواقع من عمارة فائقة، تعكس تفرد الشخصية القطرية

وتكتسب المعالم الأثرية والتاريخية المدرجة على قائمة “الإيسيسكو” أهمية متعادلة مع قائمة لجنة التراث العالمي في “اليونيسكو، حيث يكسب إدراج هذه الآثار على قوائم التراث الإسلامي والعالمي أهمية أثرية واقتصادية، إذ يسهم في ترديد أسماء هذه المواقع عالميًّا، وتعريف الزائرين بها، وبالتالي تدفعهم إلى زيارتها، وتحقيق عوائد اقتصادية.
وفي هذا السياق، تستهدف لجنة التراث بالعالم الإسلامي حماية المعالم التاريخية والحضارية والطبيعية والعناصر الثقافية في دول العالم الإسلامي، إذ سبق أن دعت اللجنة الدول الأعضاء إلى تقديم المزيد من ملفات المواقع التراثية وعناصر التراث غير المادي، لتسجيلها على قائمة التراث في العالم الإسلامي، وحثت المنظمات الدولية وجميع دول العالم على الانضمام لدعوة “الإيسيسكو” ولجنة التراث في العالم الإسلامي لتجنب الإضرار العمدي وغير العمدي بالمواقع التراثية والمتاحف في حالات النزاع المسلح، باعتبار أن هذا التراث هو تراث للإنسانية جمعاء(1).

وعليه، فإن الأهمية التي تكتسبها المواقع التاريخية والأثرية القطرية بالانضمام إلى قائمة الآثار الإسلامية، تتمثل في التعريف بالتراث الثقافي الغني للدولة، وتعزيز مفهوم السياحة الثقافية في البلاد وإبراز أهميتها، وهو ما يترافق مع الجهود الرامية لاستضافة بطولة كأس العالم قطر 2022، فضلًا عما يعكسه هذا الانضمام من الجهود التي تبذلها دولة قطر تجاه إحياء التراث القطري والنهوض بمختلف المواقع التراثية، حيث تعتبر المواقع التراثية الثلاثة التي أضيفت إلى قائمة “الإيسيسكو” للتراث في العالم الإسلامي، إرثًا تاريخيًّا وحضاريًّا مهمًّا للشعب القطري وللعالم الإسلامي ككل، وهو ما يعزز من مكانة ثقافة دولة قطر وتراثها الإسلامي على خريطة السياحة الإسلامية والثقافية.
ولم يكن لدولة قطر أن تزخر بهذا الكم من المواقع التاريخية والأثرية، من دون أن يكون لها تاريخ عريق تتمتع به على مر السنين، على نحو ما تدل عليه الاكتشافات الأثرية والحفريات والنقوش ومجموعات من القطع الفخارية النادرة التي تم العثور عليها في مناطق متفرقة من البلاد، والتي تشير إلى أن أرض قطر كانت مأهولة منذ الألف الرابعة قبل الميلاد، فضلًا عما تتسم به هذه المواقع من عمارة فائقة، تعكس تفرد الشخصية القطرية.

ارتفاع عدد المعالم القطرية على لائحة التراث الإسلامي إلى سبعة مواقع تشمل: بيت الخليفي، وأبراج برزان، وقلعة الركيات

وفي هذا الإطار، يذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد، أن أول من سكن قطر هم القبائل الكنعانية التي اشتهرت بفنون الملاحة والتجارة البحرية، كما أن عالم الجغرافيا الإغريقي بطليموس ضمّن خريطته المسماة (بلاد العرب) ما سماه (قطرًا) وهو ما يعتقد أنه إشارة إلى شهرة مدينة “الزبارة” القطرية التي كانت قديمًا بين أهم الموانئ التجارية في منطقة الخليج(2).
كما تروي مصادر التاريخ العربي الإسلامي أن قطر لعبت دورًا مهمًّا عندما شارك سكانها في تجهيز أول أسطول بحري لنقل الجيوش خلال الفتوحات الإسلامية، وأنها شهدت مرحلة من الرخاء الاقتصادي في ظل الدولة العباسية، إبان القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) ويُستدل على ذلك من المدونات المكتوبة في قلعة (مروب) الموجودة على الساحل الغربي والتي تمثل الطابع المعماري العباسي.

بيت الخليفي

من المواقع القطرية التي انضمت لقائمة “الإيسيسكو” للتراث في العالم الإسلامي، بيت الخليفي، والذي يجسد العمارة القطرية بكل ما تتمتع به من تفرد وتميز، جعلها تعبر عن الشخصية القطرية الأصيلة، التي أبدعت هذه العمارة، فعززت خصوصية البيت القطري، بكل ما يتميز به من أصالة وإبداع، ما جعله صامدًا أمام كل التحديات التي واجهته، على مدى العقود الماضية.

بيت الخليفي

هذه العراقة، التي يحظى بها بيت الخليفي، أهلته ليكون مقرًّا سابقًا للمقهى الثقافي، وذلك خلال العشرية الأولى من القرن الحالي، بهدف احتضان المواهب الشعرية الشابة، من خلال تقديمه للمحاضرات، وورش العمل، إضافة إلى المشاركات المختلفة، وخلال هذه الفترة شهد إقامة العديد من البرامج الثقافية المتنوعة، باستضافة المفكرين والأدباء والكتاب من داخل وخارج قطر، والذين ناقشوا العديد من القضايا الثقافية والفنية المتنوعة.

أبراج برزان

ومن المواقع القطرية التي انضمت إلى قائمة “الإيسيسكو” أيضًا، أبراج برزان، والتي تتسم بتاريخ عريق، إذ شُيّدت بأمر من الشيخ محمد بن جاسم آل ثاني- طيب الله ثراه- مؤسس قرية أم صلال محمد، ويقف الزائر أمام هذه الأبراج بانبهار شديد، لما تتمتع به من عمارة فائقة، حيث يعد البرج الشرقي نموذجًا رائدًا لهذه العمارة، حيث بُني بالحجارة وكُسي بالطين، ويتخذ شكل المستطيل، فيما يبلغ ارتفاع البرج الغربي 14 مترًا ، ويتشكل من ثلاثة مستويات.

تروي مصادر التاريخ أن قطر لعبت دورًا مهمًّا عندما شارك سكانها في تجهيز أول أسطول لنقل الجيوش خلال الفتوحات الإسلامية

و”برزان” هو الاسم الذي يُطلق على البرج الغربي، ويتميز بشكله الذي يشبه حرف “T” وهو ما يجعله من الأبراج المتفردة في قطر ودول الخليج العربية. وتشير الدراسات إلى أن أبراج قطر شُيِّدت لحماية الوديان، حيث تجمع مياه الأمطار الثمينة، ولمراقبة السفن القادمة، فيما ترجح دراسات أخرى أن هذه الأبراج استخدمت أيضًا كمراصد لتحديد التقويم القمري.

قلعة الركيات

ومن المواقع القطرية أيضًا، والتي أصبحت على قائمة التراث الإسلامي، قلعة الركيات، والتي تعتبر واحدة من أكبر القلاع التاريخية والمهمة في قطر، وتعد من القلاع الصحراوية، وهي قلعة تاريخية تقع في بلدية الشمال شمالي غربي قطر، تم بناؤها في القرن التاسع عشر، فيما تذكر بعض المصادر الحديثة أن تاريخها يعود إلى الفترة الواقعة ما بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر الميلادي.
وتُعد قلعة الركيات واحدة من عديد القلاع الصحراوية، ويعني اسم “الركيات” “بئر”، والقلعة نموذج للقلاع الصحراوية(3). وتقع بالقرب من قرية الركية لحماية مصادر المياه في المنطقة، وكانت تُستخدم كهيكل دفاعي في أوقات النزاع، ما يعني أن تشييدها كان بهدف الحفاظ على مياه المنطقة، وخلال أعمال التنقيب التي شهدتها القلعة، وتمت مطلع العام 1988، تم العثور على العديد من الآثار، ما يعكس تاريخ هذه القلعة، وما شهدته من حياة للسكان آنذاك.

بيت الخليفي

ولوحظ من خلال أعمال التنقيب، أن أرضيات بعض الغرف الموجودة في وسط فناء القلعة وتحديدًا حجرة المطبخ بالزاوية الشمالية الغربية منها (أمام قنوات المدبسة)، بها عملة نحاسية عباسية، وبعد تنظيف هذه العملة، اتضح أنها “فلس” كُتب على أحد وجهيه “لا إله إلا الله وحده لا شريك له”، بينما كُتب على الوجه الآخر “محمد رسول الله”، ويرجع الفلس إلى عهد الدولة العباسية الأولى (132-232 هجري).
وترجح بعض الدراسات أن هذه العملة ربما تكون من مقتنيات سُكَّان القلعة الذين قطنوها في القرن السابع عشر الميلادي، ما يعكس أنها كانت مأهولة بالسكان خلال هذه الفترة، وربما يفسر هذا أيضًا الهدف الذي شُيدت من أجله القلعة، وهو حماية مصادر المياه للسكان، نظرًا للارتباط الوثيق بين تواجد السكان في مكان ما ، وبين ضرورة توفر أحد مصادر الحياة لهم ، وهو المياه، ما يجعلهم يحافظون عليها، وقد يلجؤون إلى تشييد القلاع لحمايتها من أي اعتداء.
المدخل الرئيسي للقلعة، يقع في الجهة الجنوبية، أما البئر التي تتميز بها، فهي عبارة عن بئر للمياه العذبة، وتقع داخل القلعة. أما القرية التي كانت تحيط بالقلعة، فهى تقع بالقرب منها، غير أنه لم يتبق منها سوى أطلال.

جانب من قلعة الركيات

وتتميز القلعة بعدد من الأبراج يصل عددها إلى أربعة أبراج، ثلاثة منها دائرية الشكل، بينما البرج الأخير، مستطيل الشكل، بينما تقع الغرف التي تضمها القلعة ضمن الفناء المركزي، وهى ليست بالغرف الممتدة المساحة، والملاحظ عليها، عدم وجود نوافذ أو أبواب بها.

———
* إحالات:

(1) جريدة الشرق الأوسط اللندنية، 6 يوليو 2021، المملكة المتحدة.
(2) Rosemarie Said Zahlan, The Creation of Qatar London: Croom Helm, 1979
(3) متاحف قطر، الموقع الإلكتروني:
https://bit.ly/3ARumfL

مجلة «الجسرة الثقافية» – العدد (61)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى