آخر حجر في الجدار

الجسرة الثقافية الالكترونية
*مي فاروق
طبقا للمقولة الشعبية (الباب الذي يأتي منه الريح سده واستريح) تأتي سياسة الجدران العازلة التي تتبناها الدول العربية حاليا بين حدودها كسياسة احترازيه تنتهجها ضد الإرهاب. ويبدو أن السبل تقطعت للوصول لحل إلا من لغة المحاصرة والمقاطعة والعزل. والجدران التي تنطوي على الخوف والشكوك والكراهية لتخلق كائنا بائسا مطحونا يسمى مواطنا عربيا يعيش في بؤر من الفقر والجهل والشر والمحاصرة والقمع والاكتئاب لينتج ما يسمى بإلارهاب.
هل يعقل ونحن في عصر العولمه والقريه الكونية والعالم المسطح يزداد البشر نأيّا؟ ويختبئون وراء جدران حقيقية؟
تجزم بأن العولمة ليست سوى أسواق تجارية، وأن البشر ليسوا مساجين وراء جدران العزل الطائفي والعنصري والفكري فهل نتذكر بغداد في عهد الرشيد, عاصمة الدولة الاسلامية والتي كانت مفتوحه على كل الملل والنحل والحضارات دون خوف لتستوعب حضارة الفرس واليونان الاتراك.
اليوم, اتخذت من الجدران الكونكريتيه العازلة بين احيائها وسيلة لعزل السكان السنة عن باقي مكونات الشعب (الشيعي والكردي وغيرهما) فبغداد اليوم تحت الأسر الخرساني والعزل الطائفي.
وتظل الجدران نهجا تتبعه الدول العربية، فتعلن السعودية في يناير/كانون الثاني الماضي البدء في بناء جدار عازل يمتد لأكثر من 600 ميل لعزل نفسها عن التنظيمات الإرهابية ليضم المشروع ستة قطاعات مزودا بكاميرات تعمل بالاشعة فوق البنفسجية مرتبطة عبر الألياف البصرية بثمانية من مراكز القيادة والسيطرة ليكون هذا ثاني جدار تقيمه بعد السياج الحدودي مع اليمن كما لا يمكن ان تغفل ذلك الجدار الفولاذي الذي أقامتة الحكومة المصرية على حدودها مع قطاع غزة والذي بدأ العمل به من 2009 متضمناّ بوابات الكترونية بتكلفة حوالي 2 مليار دولار، وانه وفقا لما وصفته كارين ابوزيد المفوضة العامة للأونروا أن الجدار أكثر متانة من خط بارليف.
ونجد تركيا أيضا بصدد بناء جدار عازل على طول حدودها مع سوريا بهدف منع تسلل المسلحين وعمليات التهريب للحيلولة دون عبور مقاتلي داعش لأراضيها وأنها ستزود الصور بسياج من كاميرات المراقبة بتكلفة تعادل 10 ملايين دولار.
ومؤخرا تعلن تونس من عدة ايام مضت انها بصدد بناء جدار عازل على حدودها مع ليبيا بعد هجمات (باردو) والتي اودت بحياة 21 سائحا، فكم من جدار سيحمينا؟
صحيح أن المنطقة تمر بتحولات استراتيجية وحدودية تتوازى مع استمرار التهديدات الامنية والإرهابية الامر الذي تنامت على اساسه فكرة صناعة أمن الحدود أو الحدود الصلبة الآمنة.
لكن السؤال هنا هل تلك الجدارن كفيلة بمكافحة الإرهاب؟
أليست هذه الجُدُر تفرض نمطا إرهابيا آخر؟
هل تلك الحواجز قادرة على عدم انتاج فصائل إرهابية محلية؟ هذا لو افترضنا ان داعش انتاج مستورد.
أليس هناك فرق بين الحماية والمراقبة؟
هذه الجدر تجعلنا اليوم ممن قال فيهم الحق تبارك وتعالى في سورة الحشر:
“لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لّا يَعْقِلُونَ”.
فما انطوت هذه الجدران الا على مأساه حقيقية.
وتقطيع أوصال الكيان العربي الجغرافي
“آه ما أقسى الجدار
عندما ينهض في وجه الشروق”
(أمل دنقل)
وبرغم تحطيم جدار برلين في نوفمبر/تشرين الثاني 1989 مسجلا بذلك نهاية عصر وبداية آخر، فإن عقلية الجدار لم تتحطم فينا، وذكرتني بأغنية آخر حجر في الجدار التي أصدرتها فرقة yed pink flo في ألبومها الغنائي the wall :
لا أحتاج لأذرع من حولي
لا أعتقد اني احتاج أي شيء على الإطلاق
كنتم مجرد طوبات في الجدار
لم تكن الاغنية الا فكرة احتجاجية في وجه العنصرية والانعزال والقمع التعليمي رددتها المانيا حينما امتزجت الأجساد الالمانية الشرقية بالغربية في احتفالية سيريالية بعد ما تحطم سور برلين مرددين:
tearn down the wall
tearn down the wall
وأقول في النهاية: إذا باتت الجدران ظاهرة عربية دائمة فأرجو أن نكتب على بواباتها الفولاذية: “مرحبا بكم في عصر الجاهلية”.
المصدر: ميدل ايست اون لاين