«آرت دبي» التاسع.. جماليات التكنولوجيا

الجسرة الثقافية الالكترونية
*حمد بزون
المصدر: السفير
لا يزال «آرت دبي» مستمراً بتطوره واندفاعه، فالنهضة التي استعادتها الإمارة في السنوات الأخيرة تردفه بالكثير من فيضانها المالي والثقافي، على أن حضور النخب فيها، يساهم في تأمين جمهور نوعي ومكثف لهذا المعرض العالمي الذي يضم كل التنوع الكوزموبوليتيكي الذي يملأ أبراج دبي الشاهقة.
هو موسم ثقافي يتجدد في هذا الشهر من السنة، قبل أن تبدأ رياح الحر غزو دول الخليج العربي. موسم يمتد من مهرجانات أبو ظبي، إلى فنون دبي وبينالي الشارقة وأيام الشارقة المسرحية وعدد من الأنشطة التي تعم باقي الإمارات العربية المتحدة.
موسم دبي الثقافي تحديداً بدأ بمعرض فنون العالم ومهرجان الشرق الأوسط للأفلام والقصص المصورة ومعرض دبي للخط العربي ومعرض سكة الفني وأيام التصميم، وكان آخر افتتاح فيه لمعرض «آرت دبي» الذي نحن بصدده (18 ـ 21 آذار الجاري)، والذي يقام برعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وتستمر بعض فعاليات هذا الموسم حتى 28 الجاري.
النسخة التاسعة من «آرت دبي» شهدت تدفقاً كبيراً من رواد الفن المقيمين في دبي، والذين يحضرون خصيصاً من أجل متابعة هذا المعرض الاستثنائي، الذي استطاع منذ البداية أن يستقطب العديد من الغاليريات والفنانين والنقاد وعشاق الفن. 92 غاليري من 40 دولة شاركت في هذا المعرض، حاملة معها أعمالاً لأكثر من 500 فنان، ركزت معظمها (82 غاليري) على الفن المعاصر، فكانت لها المساحة الرئيسة والأوسع في «آرت دبي» الذي حمل منذ تأسيسه شعار المعاصرة، وإن أضاف صالة منفصلة في دورته السابقة وهذه الدورة تحت مسمى «آرت دبي مودرن»، ضمت هذا العام 15 جناحاً، وقد تحددت هذه الأجنحة بمشاركة أعمال رواد الحداثة (1940 ـ 1980)، من الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا.
أجنحة الفن الحديث كان للبنان فيها حصة وافرة، إذ من بين 15 جناحاً كانت أعمال أحدها للفنان الراحل شفيق عبود من «غاليري أجيال» تركزت على الفترة القديمة من حياته الفنية، وجناح آخر للفنان جميل ملاعب من «غاليري جانين ربيز» تركز على أعماله القديمة أيضاً وشملت تنوعه الفني، في حين عرضت «غاليري ذا بارك» أعمالاً للفنان الراحل عارف الريس، فكانت حصة لبنان بتقديم ثلاثة من كبار أعلام فنه لافتة. وصدف أن عرضت غاليري فرنسية (كلود ليمون) أيضاً أعمالاً لشفيق عبود، فكان خيرا على خير. وخارج لبنان كان حضور بارز لأعمال فريد بلكاهية ومروان وحاتم المكي ومحمد المليحي ومحمود حماد.
ما قبل التاريخ
وقبل أن نسوق الكلام إلى صالات الفن المعاصر، تطالعنا عند مدخل الصالات الرئيسة في «آرت دبي» أعمال الفنانة المغربية أيطو برادة التي حازت جائزة مجموعة أبراج للفنون، وهي جائزة سنوية، قيمتها مئة ألف دولار (كتكليف فني)، تمنحها «مجموعة أبراج» الداعمة للمعرض للسنة السابعة على التوالي. كما يضم المعرض أعمال فنانين آخرين وصلوا إلى اللائحة القصيرة في المسابقة، وهم سارناث بارنجي وستارة شهبزي ومن لبنان منيرة الصلح. وكان الموضوع المحدد لهذه المسابقة «ما قبل التاريخ»، يتضمن استكشاف طبقات الزمن، فحمل عمل أيطو عنوان «بداية زائفة»، كشفت من خلاله زيف التاريخ الذي تحدده بعض المتاحف، فالتاريخ يتغير باستمرار، يدفن وينقب عنه في الوقت ذاته، أما موضوع الصلح فكان فيديو القناة الواحدة بعنوان «اللسان الأبكم»، تنطلق فيه من الأمثال العربية لتحدد احتمالات الأداء المتغيرة.
وعلى هامش المعرض الأكبر (الفن المعاصر) معرض «ماركر» الذي ضم أعمال 35 فناناً من أميركا اللاتينية هذه السنة، بالإضافة إلى كتب وعروض أداء وأفلام وفنون صوتية. و «منتدى الفن العالمي» الذي اهتم بوقع عالم التكنولوجيا على الفنون والثقافة، وفي البرنامج أيضاً مشاريع تعتني بالإقامة الفنية لفنانين في منتصف العمر تشكل دفعاً ودعماً لمسيرتهم الفنية، ولا تنتهي الأنشطة التي ترافق هذا الحدث عند هذا الحد، لتشمل العديد من الورش الفنية وسواها من الأنشطة التربوية.
فن الكومبيوتر
العرض الأساسي تخصص بالفن المعاصر كما هو معروف، أي ذاك الذي أتى بعد الفن الحديث، والذي تمثل بالابتعاد عن اللوحة والمنحوتة التقليديتين، أو إلغاء ضرورة وجود لوحة أو منحوتة في الفن التشكيلي، أو تقديم أعمال تتحاور فيها اللوحة أو المنحوتة مع فعل إلغائها، فيكون الحل الوسطي التشابكي التفاعلي هو الغالب، بل يختلط في عدد من الأعمال الواقعي مع الافتراضي. وأهم من ذلك كله نجد أنفسنا أمام غليان التكنولوجيا الذي من شأنه أن يفيض على الفن التشكيلي أيضاً، فلا يقتصر على تقديم مواد لونية جديدة، ولا على أدوات ومواد نحت جديدة أيضاً، إنما يتعدى ذلك ليدخل في صميم العمل الفني. وقد رأينا أعمالاً يدخل فيها الكومبيوتر كلاعب أساسي في تصميم المفردات البصرية، وأخرى عرض فيديو يشكل مستوى إضافياً آخر للوحة، لتصبح اللوحة عبارة عن عرض بصري يختلط فيه المشهد اللوني الطبيعي مع الألوان الافتراضية التي تتحرك فوق مسطح اللوحة الأساسي أو على شاشة شفافة تسمح بمشاهدة مسطحين في آن معاً، وقد يستقل العرض البصري المتحرك فنرى لوحة على شاشة تتبدل وتتغير كل لحظة. واللافت للنظر في هذا المعرض وجود الكثير من الأعمال التي تستخدم مواد لونية صناعية وأخرى كالمسامير والأسلاك على أنواعها والحبال وحتى الشَّعر، والملاعق والآجر والفخار والمواد المعدنية والحجرية وكل ما لم نكن نفكر يوماً ما أنه سوف يدخل في عمل فني.
المهم في عدد من الأعمال أن تكسر سطح اللوحة، أو الجماليات المعتادة للمنحوتة، حتى لو كان الأمر شكلياً فقط، أو تفاجئ المشاهد باستخدام مواد جديدة غير منتظرة، أو تُدخل إلى العمل التشكيلي فناً آخر، خصوصاً فنون العرض الضوئي، أو تذهب إلى الفن المفاهيمي منفذاً فكرة من الأفكار بأقل ما يمكن من الجهد التقني الفني وبعيداً عن الجماليات المعروفة في التشكيل، فالجمال المقصود هنا جمال الفكرة وحسب.
تبتهج لرؤية بعض الأعمال، وتأخذك بالفعل إلى أثر التكنولوجيا الذي لا بد منه في الفن التشكيلي، امتداداً لأثرها في الحياة عموماً… وتجد سخافة في البعض الآخر الذي يبتغي أصحابها التغيير من أجل التغيير فقط، فيكسر التشكيل التقليدي ليكسره وحسب، من دون أن يكون مقنعاً ومفيداً، ومن دون أن يكون التغيير مصوباً على هدف تطوير الفن.
برزت المشاركة اللبنانية في هذا المعرض مع الفنان أيمن بعلبكي، الذي أثبت حضوراً مميزاً في المعارض والمزادات الفنية في دبي، من خلال «غاليري أجيال» في حين تستمر «غاليري تانيت» و «غاليري زيملر صفير» بحضورهما السنوي في هذا المعرض، وبرزت في «غاليري أيام» السورية أعمال الفنان نديم كرم.