آنّ دوفورمانتيل فيلسوفة فرنسية تموت لإنقاذ ولدين من الغرق

أنطوان أبو زيد

حملت لنا الأيام الأخيرة خبراً، فيه من الأمل بالإنسان والرجاء فيه، مقدار ما فيه من الأسف والأسى لفقدان فيلسوفة فرنسية وباحثة في علم النفس التحليلي هي آنّ دوفورمانتيل عن ثلاثة وخمسين عاماً، غرقاً في البحر وهي تنقذ ولدين كانا يتخبطان في المياه ويوشكان على الغرق.
أن يتفلسف المرء، بمنطوق الفيلسوفة آن دوفورمانتيل يعني أن يخاطر بما يؤديه من أعمال. ذاك أن حياة المرء، وفق الفيلسوفة الفرنسية الراحلة، هي بذلٌ وتضحية في سبيل من يستحقونهما. وبالفعل لما كان صودف مرورها على الشاطىء المسمى فار، في منطقة راماتويل، شاهدت بأم العين ولدين يصارعان الأمواج ويستغيثان لأنهما يهمان بالــغرق، لم تتردد عن مساعدتهما للفور، فرمت بنفسها لإنقاذهما وسط رياح هوجاء وأمواج عارمة، ولم تأبه لما قد يصيبها من قفزة المروءة هذه. وبينما أُنقذ الولدان، فإنّ البحر الهائج أبى إلاّ أن يواريها في لججه العميقة، لتترك صدى فعلها يطفو ويغمر ويبني نفوساً تواقة إلى الخير، نعم الخير.
تقول الفيلسوفة آن دوفورمانتيل في أحد أبحاثها: «حين يواجه المرء خطراً داهماً يوجب عليه الردّ. يكون ثمة حثٌّ على الفعل بالغ الشدّة، بل يكون ثمة نوعٌ من التفاني وتجاوز الذات». وذلك في معرض حديث كانت أجرته معها جريدة «ليبراسيون» الفرنسية، حين جعلت من هذا التفاني عنواناً لمبحث فلسفي هو «دعوة الفلسفة النبوية». وفي هذا الكتاب تستعيد الفيلسوفة الأفكار التي عرضت لها في أطروحتها للدكتوراه والتي ناقشتها عام 1994، وكانت بإشراف جان فرنسوا ماركيه، وفيها أطالت الباحثة الوقوف على الشخصيتين الأسطورية والتوراتية على التوالي: كاساندرا (ابنة الملك بريام، والتي يُزعم أنها كانت من ذوات التنبؤ) وشخصية يونان النبي التوراتية.
ولدت الفيلسوفة الفرنسية في باريس عام 1964، في محيط شديد التأثّر بالعلوم الإنسانية، وهي ابنة أحد رجال الأعمال السويسريين المقرّبين من الاتّجاه السياسي البيئي الذي التزمه إيفان إيلّيتش، وكانت والدتها تلميذة لكارل غوستاف يونغ، وقضت زمناً طويلاً من شبابها في إسبانيا وأميركا الوسطى.
لم تكفّ الفيلسوفة الفرنسية عن الكتابة والتأليف حتى أربت أعمالها على العشرين كتاباً في عناوين مثل:»قوة النعومة» أو «مديح المخاطرة» حيث جعلت تخلط ما بين التأملات الفلسفية وبين التحليلات النفسانية العميقة. حتى أنها أصدرت رواية بعنوان «مقلب النار» وهي كناية عن أحداث متسلسلة ومضطّردة عنفاً وذات طابع نفساني، ومفادها أنّ شاباً أميركياً مهووساً بامرأة ينجرّ إلى متاه من المشكلات لا يقوى على الخروج منها.
ولئن كانت العالمة النفسانية هذه،»آن دوفورمانتيل» الآتية من عالم الفلسفة كما كان يحلو لها أن تسمّي نفسها، قد شرّعت البابَ على الفعل الإيجابي حيال الآخر، حتى المخاطرة بالذات، فإنّ الكثيرين من المفكّرين والمبدعين، في كلّ صنف وأمة ونوع ولون، والعرب منهم، يأبون المخاطرة بالخروج من قوقعة ذواتهم، أو مجرّد التفكير بوجود آخرين عرضة للخطر أو الاضطهاد أو الموت جوعا أو غرقاً أو عدواناً أو جهلاً أو بغير هذه الأسباب جميعاً.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى