أحمد محمود الخليل: روعة الحياة تتسلل من حياتنا مع الأيام

الجسرة الثقافية الالكترونية-الخليج-
يركز الناقد والمؤرخ د . أحمد محمود خليل على الجماليات الرمضانية، التي يستقرئ بعض خطوطها الرئيسة، على نحو سريع، بما يتسع له فضاء هذا الحوار، وهو مدرس في جامعة العين وصدرت له عشرات الكتب حتى الآن منها: ظاهرة القلق في الشعرالجاهلي 1989 – في النقد الجمالي – 1996 الشعرالجاهلي – قراءة سيكولوجية 2004 – الميثولوجيا والهوية في شعرالهنود الحمر – ترجمة ودراسة 2004 الكون الشعري – مدارات ومسارات في التذوق الجمالي 2008 – موسوعة الميثولوجيا والأديان العربية قبل الإسلام 2006 – حكمة الأجداد في تراث مجتمع الإمارات – دراسة سوسيولوجية في الأمثال الشعبية – 2012 .
لايفتأ د . أحمد يربط بين الحاضر والأمس، من خلال خيط الذاكرة الحريري الذي تنتظم فيه الصور، وكأنها عقد، تشع حباته المتداخلة بالألق والنوستالجيا، والروحانيات، ليصل بروح الكاتب المتعمق، والباحث الممتلك لأدواته إلى جواهر الأمور، مقدماً رؤاه، وهو يقوّم خط السير الذي هو جزء من سيرته .
يقول د .أحمد: “المناسبات محطّات رائعة، تعني الخلاص من النمطية، والارتماءَ في أحضان التجديد، تصوّروا لو أن المناسبات حُذفت، كم ستكون الحياة بائسة ومملّة . صحيح أن المناسبات هي هي، لكن دلالاتها في القديم غيرُ دلالاتها في الحديث، وجمالياتها في المدينة غيرُ جمالياتها في الريف، ونكهتها عند الكبار غيرُ نكهتها عند الصغار .
أجل، كان رمضان يحلّ ضيفاً علينا، فيجدّد حياتنا الريفية البسيطة، وأكثر ما كان يسعدنا هو الأشربة اللذيذة التي كنا نحظى بها في هذا الشهر الضيف، كان الأهل يحرصون على ارتياد البازار (السوق الشعبية) التي كانت ومازالت تنعقد في مدينة عَفرين كل أربعاء، ويشترون منها ما يحتاجونه من مواد تموينية ضرورية .
ويتابع د . أحمد: “كان رمضان بالنسبة لنا شهر الترفيه، وما كان الترفيه يتحقق إلا بوجود التمر، والتمر الهندي، وقمر الدين (سائل المشمش المجفف) وشراب نبتة السوس، وأحياناً كثيرة كان شراب دبس العنب، وأحياناً قليلة شراب العسل، يكونان ضمن جوقة الأشربة اللذيذة، وكان الأهل يحرصون على أن تظهر على المائدة قبيل الإفطار بوقت قليل .
كان موعد الغروب أعزّ الأوقات على قلوبنا، ليس فقط لأننا سنعبّ الأشربة مع الأهل، وإنما لأننا سنشنّف آذاننا بصوت الطوب (المدفع) أيضاً، كان صوت الطوب يصل إلينا من مدينة عفرين إيذاناً بحلول موعد الإفطار، كان مدوّياً حقاً، وكنّا- نحن صبية القرى القريبة من عفرين- نعلو أسطح البيوت، ونتسلّق الأشجار العالية، ونرهف الأذن لسماع دويّه، ونهرع لنخبر الأهل بأن موعد الإفطار قد حلّ .
إن كثيراً من روعة الحياة في الصغر تتسلّل من حياتنا مع الأيام، ومنها جماليات مناسبة شهر رمضان في الريف البسيط، وتلك سُنّة الحياة” .