أدباء ونقاد يرفضون تقسيم الأجيال الإبداعية

الجسرة الثقافية الالكترونية
صُنف الأدباء لعقود كثيرة إلى أجيال، فهناك من أُطلق عليه أديب الستينيات، وآخرون أدباء السبيعنييات والثمانينيات، بالإضافة إلى جيل الألفين، واقترن إبداعهم بالمراحل الزمنية والفترات التاريخية التي كتبوا عنها، وبرزت أسماء على الساحة الثقافية لأنها تنتمي إلى جيل أدبي معيّن، إلا أن بعض الأدباء يرفضون هذا التصنيف، مؤكدين أن التقسيم يدمر كل جهد أدبي نازع للارتقاء، وأن فكرة الأجيال المرتبطة بالعقود أحد مظاهر بيروقراطية الثقافة، مشيرين إلى أننا لم نعد نعيش مرحلة الأجيال بل في مرحلة الاتجاهات، وأن كُتّاب السبعينيات ليسوا كاتباً واحداً ولا تجربتهم تجربة واحدة، موضحين افتقار الأدب إلى العناية باللغة والقدرة على الغوص في أعماقها، لأن الأجيال القديمة دخلت في السياسات وشهدت على الحروب والثورات على عكس الأجيال الجديدة التي تكتب واقع الحياة اليومية.
الناقد د. محمد عبدالمطلب، يشير إلى البعد التاريخي والزمني لتقسيم الأجيال، موضحاً أنها ظاهرة تراثية منذ القدم، حيث قسّم الشعراء العرب إلى طبقات مرة حسب البعد الزمني ومرة حسب التاريخ، مؤكداً أن النقد الأدبي يكون مواكباً للإبداع، وهو ما جعل القسمة واضحة.
ويضيف: جيل السبعينيات عاصر أزمة هزت الواقع العربي حيث نكسة 67، مما جعلت المبدعين يفتقدون الثقة في كل المبادئ والنظم، وتمردوا على الحصار على مستوى الشكل والمضمون، وبعد السبعينيات جاء التابعون الذين تأثّروا بالسابقين واقتدوا بهم وبكل ما عندهم من القيم والأعراف، ولم يعد لديهم هم مشترك ولا أشياء ممنوعة أو محرمة، وأجيال الثمانينيات لم يملكوا موهبة أبناء السبعينييات وثقافتهم، فهم يقلدونهم دون أن يملكوا ما لديهم من قدرات ومواهب وثقافة، مُعبّراً عن أسفه لما جاء به السبعينيون من تفكيك لتقاليد النص الشعري والروائي، وأتاح لفاقدي الموهبة أن يكتبوا أي شيء ويُسمّى شعراً أو نثراً، وما تقرأه الآن من كُتّاب الأجيال الجديدة في النثر والقصة والرواية ترى أنهم يعتمدون فيه على النشر الإلكتروني، وهو نشر خادع تؤخذ عليه الجوائز وليست له قيمة.
مصطفى عبدالله
• حكم معياري
الناقد مصطفى عبدالله يقول: أهم رأي أعجبني في هذا السياق هو رأي الناقد د. يوسف نوفل في كتابه عن طه حسين ونجيب محفوظ ؛ فهو يؤكد أن الأديب الواحد يمكن أن ينتمي إلى جيلين مختلفين حسب نوع الابداع الذي يكتب. ولعل هذا يعتبر نظرة موضوعية لما يتعلق بموضوع الأجيال وتقسيمات الأدباء إلى أجيال زمنية.
ويرى عبدالله أن مسألة الأجيال تستخدم أحيانا لتحقيق الوجود الأدبي والعصبية الثقافية، وهذا ما فعله جيل الستينيات على سبيل التحديد حينما قال أحد أبنائه “نحن جيل بلا اساتذة” في حين أن أبناء هذا الجيل نفسه أخذوا يتمسحون بنجيب محفوظ بعد ضوء نوبل الباهر عليه، وهو الذي قالوا عنه في البداية إنه يكتب بأسلوب نقرأ نعيه عن فرجيينا وولف وأدباء الغرب السابقين عليه، وجيل الستينيات نفسه هو الذي أقصى ما قبله من مبدعين كبار، فهو جيل لا يعترف بإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي وثروت أباظة ورشاد رشدي ومحمود البدوي ومحمد عبدالحليم عبدالله وعبدالحميد جوده السحار. وقد نجح هذا الجيل في سحب الأضواء من هؤلاء الأساتذة الكبار وغيرهم. ولكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح.
فأنت ترى الآن بعد مرور نحو سبعة عشر عاما على رحيل إحسان عبدالقدوس يحتفي به ناشرو القطاع الخاص الذين يعتمدون مؤشرات القراءة الحقيقية، فتصدر له طبعات جديدة من رواياته “أنا حرة” وأخواتها ويجتمع صفوة من النقاد لتدشين هذه الروايات.
ومن ناحية أخرى، يرى الناقد د. حسين حمودة، أن فكرة الأجيال المرتبطة بالعقود أحد مظاهر بيروقراطية الثقافة، فكُتّاب السبعينيات ليسوا كاتباً واحداً ولا تجربتهم تجربة واحدة، وكذلك جيل الستينيات، فهذا كله في حاجة إلى دراسات موضوعية متعمقة لا تقوم فيها مثل هذه الأحكام بشكل مطلق.
ويضيف: لم نعد نقرأ الآن عملاً أدبياً باللغة المكتوبة لكاتب فرنسي أو كوري أو إسباني، وقد افتقر الأدب إلى العناية باللغة والقدرة على الغوص في أعماقها للعودة للوراء، وطالما استمعنا إلى فاروق شوشة في برنامج “لغتنا الجميلة” يقول إن كل اللغات لها مستويات من المعاني، والمبدع هو الأجدر بالعمل في تلك المنطقة، ويحاول الاجتراء على اللغة بفهم وليس بادعاء التفكير عن جهل، عندئذ نشعر بأن ثقافتنا عربية.
• اختفاء العدالة
وفي رأي الروائية سلوى بكر: إن مسألة الأجيال شاعت وتفشت زمناً ولم يعد يتذكرها أحد لفرط سخافتها، وباتت عصا مسننة تُستخدم للضرب والإيذاء والإبعاد وتحطيم الروح، وتدمير كل جهد أدبي شريف نازع للارتقاء والتجويد، استناداً إلى الخباثة الإعلامية السرطانية.
وتضيف: تقسيم الأدب وفقاً لأجيال لم يسفر إلا عن انتعاش “الشلل”، وصعود القبائل وبروز الفتور وغياب الموضوعية، واختفاء العدالة في التقييم والتقدير وتراجع الضمير، والمسألة ليست جيل الستينيات، فكُتّاب هذه المرحلة هم أبناء ظروفهم، ولهم عيوبهم الإنسانية، ولا يمكن أن يوضعوا جميعاً في سلة واحدة، فالإبداع وفقاً للتعريف القاموسي إنشاء على غير مثال، أما لعبة الأجيال والسلطة فهي لعبة تخصّ الجميع إن صحت فكرة الجيل، فهناك المثقف الذي باع أخيراً روحه للشيطان بعد خمسة عشر عاماً قضاها في السجون والمعتقلات.
وترفض الكاتبة لنا عبدالرحمن، فكرة تقسيم الابداع إلى أجيال فهو تصنيف غير منصف للكاتب نفسه، لأنه يجبره على البقاء ضمن جيل معين، فيما الإبداع الحقيقي عابر لفكرة الزمن والتقسيمات الداخلية، لأن ما يبقى من الكاتب هو نصه فقط، وأحيانا يكون العمل الإبداعي من حيث المضمون يتناول حقبة زمنية ما، فهل هذا يعني أن الكاتب ينتمي لتلك الحقبة فقط؟”
لنا عبدالرحمن
وتطرح لنا عبدالرحمن تساؤلا آخر حول تقسيم الكُتاب إلى أجيال قائلة: هل انتماء الكاتب إلى جيل أدبي معين يتعلق بانتاجه الأدبي في ذاك الجيل، أم بمرحلته العمرية؟ لو أن كاتبا أصدر أول عمل ابداعي له مثلا وهو في الخمسين من عمره أو أقل أو أكثر، على أي جيل من الممكن أن نحسب نتاجه الأدبي؟ هل ينتمي مثلا إلى ما يسمى بأدب الشباب، رغم أنه عمريا تجاوز تلك المرحلة؟ في النتيجة من وجهة نظري أن الإبداع عمل محض فردي وكل إنتاج يحمل خصوصيته التي لا يمكن عزلها ضمن أي تصنيف.
وتؤيد الرأي السابق الكاتبة أمينة زيدان، وتؤكد أنها ضد تقسيم الكُتّاب إلى أجيال، لأن التقسيم يجعل الكتابة في جزيرة بعيدة عن العالم، والكاتب لا يرتبط بفترة زمنية ولا بأحداث تاريخية، فروح الإبداع تعتمد على الوعي الجمعي، فمثلاً كُتّاب الستينيات والسبعينيات والتسعينيات كلهم يعرفون نكسة 67 وتأثّروا بها، وقد يكون كاتب من جيل التسعينيات أقدر في التعبير عن النكسة من كاتب في السبعينيات، مشيرة إلى أن مقولة “تقسيم الأجيال” مقولة غير صحيحة خاصة في الفترة الحالية، لأنها تكرّس للانشقاق والانقلاب داخل الأدب، وتؤدي إلى تبادل الاتهامات.
وتضيف: الكتابة تُعبّر عن تجربة مرّ بها الكاتب واستوعبها بشكل كامل، فهي لا تنفصل عن الواقع المعيش، والكُتّاب الذين عاصروا حرب 73 كانت كتاباتهم مدفوعة بعناصر عاطفية جعلتهم يُعبّرون عنها بطرق مختلفة عن الطرق التي تتم بها الكتابة في الوقت الحالي.
المصدر: ميدل ايست اونلاين