أدب الطفل العربي يعيش في زاوية معتمة

الجسرة الثقافية الالكترونية – وكالات -رضاب فيصل -شكّل أدب الطفل منذ نشأته في مجتمعاتنا العربية، عنصراً مهماً في نشوء الأطفال وبلورة شخصياتهم، كونه يحمل بين أقسامه المتنوعة والتي يأتي في مقدمتها القصة والمسرحية، أفكاراً تربوية وأخرى اجتماعية وفلسفية، ما جعل بعض الكتاب والمؤلفين، يتخصصون به، ساعين في كتابتهم له إلى زرع بذور الأخلاق والسلوكيات الإيجابية، وبالتالي تحوّل إلى أدب ملتزم هدفه الأساسي، إلى جانب المتعة والترفيه، الإعداد التربوي السليم للطفل العربي.

لكن، وبالاطلاع العام على هذا الأدب في الوطن العربي، نتلمس ارتباطه بدايةً مع المناهج المدرسية في المدارس الابتدائية، والتي ركّزت على الشعر منه والقصة، ضمن ما تستوعبه الدروس، وبالتحديد دروس اللغة العربية. وهنا جاء أدب الطفل يدعو إلى المثالية في تجسيد الأخلاق وإلى الفضيلة، وفي أحيانٍ كثيرة إلى إتمام الواجبات الدينية والسلوكيات التي يفرضها الدين الإسلامي، حيث يعيب البعض عليه وإلى جانب إيجابياته الكثيرة، أنه لم يقترب كثيراً من طبيعة الطفل، وظلّ رهين إشكاليات كثيرة.

وتتمثل الإشكالية الأساسية في بعد المسافة بين ما هو مكتوب وبين ما يعيشه الصغار في العصر الحالي، فترى بعض الكتاب يخاطبون الطفل من خلال شخصيات الحيوانات، ويبينون لهم جدلية الخير والشر بطريقة بسيطة يكاد الأطفال أنفسهم لا يصدقونها. مبتعدين عن الوعي الحقيقي لهم. أيضاً لطالما ارتبط أدب الطفل، بالشكل السياسي العام للدولة، ما يعني أنه جاء في نواحٍ كثيرة ممجداً لرموز وقادة الدولة، خارجاً بهذا عن الإطار المنطقي لمنهجه الأساسي، ومهتماً بما هو فوق طاقتهم، ولكن بشكل مبسط.

وبشكلٍ عام، يرى الكاتب المسرحي والروائي ضاهر عيطة، وهو الحاصل على الجائزة الأولى عن نصه “براءة بحار” الموجه للطفل من الهيئة العربية للمسرح لأدب الطفل للعام 2012، أن هذا النوع من الادب يحظى باهتمام من نوع خاص لدى الدول الغربية التي أدركت، بالفعل وليس بالقول، مدى أهمية ثقافة الطفل وتنشئته، متطلعةً إلى حصد ثمار نتائجها في المستقبل القريب والبعيد.

أما حالنا نحن في الدول العربية فيكاد الموضوع بمجمله يكون حدثاً جديداً تستوعبه بضع مؤسسات وجهات وهذا لا يشكل توجه عربي عام. أي أن أدب الطفل في مجتمعاتنا عموما يعيش في زاوية معتمة إلى هذه اللحظة، وغالبا عندما يتم تسليط الضوء عليه لا يكون الدافع من وراء ذلك إضاءة القضية بحد ذاتها إنما تلميع صورة الجهة التي تتبنى هذا الامر”.

  
  
  
ويضيف: “نكاد لا نجد اهتماماً لدى المؤسسات الرسمية تجاه أدب الأطفال بحيث يكون كفيلاً بجعل الأمر يشكل استراتيجية بعيدة المدى. وإن وجدت المحاولات، تتخذ من منظورنا نحن الكبار اللغة التي تخاطب من خلالها الصغير، وبالتالي يحدث نوع من الاغتراب بين الطفل وما ينتج له من أدب. ومن جهتي لا أنكر أن هناك محاولات فردية استطاعت الاقتراب من عقلية الطفل لكن تلك المحاولات لا يمكن أن تفي بالغرض على الإطلاق ولا يمكن لها سد الهوة بين وعي الطفل في وقتنا الحالي ووعينا نحن، حيث يبدو لي أن الوعي الاول أصبح يضاهي وعينا وإدراكنا للواقع”.

هي نقطة أساسية أن نفهم عقلية الطفل ونسعى إلى مخاطبة وعيه وإدراكه في القصة والشعر والمسرح، فطفلنا اليوم وكما يشير عيطة، هو ليس كما كنا، مشيراً إلى أنه تخطى طفولاتنا بمراحل شاسعة غير أننا مازلنا ننظر له ونتعامل معه انطلاقا من رؤيتنا القديمة، الشيء الذي يضاعف الهوة.

ومن الضروري التسليم عملياً، وليس بالقول، أن الأطفال المعاصرين بحساسيتهم وذكائهم وانتباههم وبأحلامهم الكبيرة، يحتاجون منا دراسة منطقية وجادة لدى كتابتنا لهم.

ويقول: “عند توجهي للكتابة للأطفال أمارس حالة من التطهر، أغادر فيها العالم المحيط بي وأحاول جاهدا أن أنسف ذاتي المتحجرة والمتلبدة، لأتشابه مع طفل ما، أتسلل إلى عقله، إلى حلمه لأعرف ما يفكر به، وكيف هي نظرته لي؛ أفلح أحيانا وأخفق أحيانا. لكنها لعبة جميلة وساحرة بالتأكيد. ونظراً لحساسية عالم الطفولة، هي عملية صعبة جداً”.

ربما حتى اللحظة، يعجز أدب الطفل لدينا، عن مجاراة أطفال اليوم باهتماماتهم، وله هنا من الإيجابيات، تماماً مثلما له من السلبيات. فتراه يصرّ على غرس الأخلاق الحميدة من خلال قصص قديمة تستحضر أبطالها وأحداثها من التاريخ أو قصص لم تعد تناسب الانفتاح الذي يعيشه صغارنا في العصر الحالي، وهم الذين باتوا اليوم أعرف وأدرى من الكبار في أمور التكنولوجيا المتطورة، والتي تكاد تكون الشغل الشاغل لهم في حياتهم اليومية. بالإضافة إلى تفتح أبصارهم على إشكاليات وقضايا هي أكبر منهم بكثير. وإنما الإيجابيات في هذا، تكمن في المحافظة على بعض مما هو قديم، ليس في أسلوب الكتابة، بل في روح القصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى