أدب الطفل يعاني من غياب الجانب الإبداعي

الجسرة الثقافية الالكترونية-الراية القطرية-
أقامت جائزة الدولة لأدب الطفل ندوة نقاشية صباح أمس انقسمت لمحورين، قدم في قسمها الأول الدكتور العيد جلولي محاضرة بعنوان “أدب الطفل في الوطن العربي”، بينما تضمن قسمها الثاني مناقشة الأعمال الفائزة بالجائزة في الدورة الخامسة بمجالات: النص المسرحي، والقصة، والدراسات الأدبية، وأدار الندوة الدكتور وليد الحديثي المستشار الثقافي بالوزارة.
في بداية الندوة وبعد كلمة تعريفية عن محاوريها قدم الدكتور وليد الحديثي مقدمة حول الفائزين بالجائزة ثم ترك الكلمة لأمين سر الجائزة عائشة جاسم الكواري التي عبرت عن سعادتها بالنتاج المتميز الذي أسفرت عنه هذه الدورة، مؤكدة أن هناك خطة تطويرية للدورات المقبلة في طريق الإصرار على مواصلة النجاح وزيادته في كل دورة عن سابقتها، وأشارت إلى أن المجالات التي ستتضمنها الجائزة في دوراتها المقبلة ستكون مفاجأة حيث إنها سيتم طرحها لأول مرة.
إشكاليات أدب الطفل
ثم انتقلت الكلمة إلى الدكتور العيد جلولي ليقم بدوره محاضرة حول أدب الطفل في العالم العربي، وأبرز في البداية الإشكاليات التي رأى أن من شأنها إعاقة التقدم في هذا المجال، ولفت إلى أن أدب الطفل مر في عالمنا العربي بمراحل متعددة انطلقت من الجيل المؤسس الذي لم يخرج أدب الطفل من أحضان التربية على مر عقود حيث ظل حكراً على المناهج الدراسية فاعتمد على الشق التربوي على حساب الجانب الفني، إلى أن ظهر بعض الكتاب الذين حاولوا الجمع بين المعايير التربوية والشكل الفني، مؤكداً أن الطفل العربي ظل يعاني من فراغ أدبي يهتم به ويعنى بمناقشة قضاياه الخاصة به، حيث اعتمد العديد من الأدباء على معالجة قصص التراث التي لم تكن موجهة من الأساس للطفل، إلا أن الكتاب وجدوا فيه مادة خصبة لتقديم أدب للطفل.
واشترط المحاضر مراعاة الأديب المعني بالطفل مجاراة مستحدثات العصر في وقت بات يحاصر الطفل من كل اتجاه، بالتكنولوجيا الحديثة بتطبيقاتها المتطورة المتمثلة في الشاشات والألعاب التفاعلية، مؤكداً على ضرورة استخدام وسائل أكثر حداثة تتناسب معهم، وتندمج مع المنظومة العالمية، ويتم تسويقها عبر وسائط جذابة، مع ضرورة عدم التسلط في تقديم المعلومة أو النصيحة ومحاولة تقديم ذلك في إطار شيق يجذب إليه الطفل ولا ينفره، وطرح موضوعات جذابة تجعله حريصا على متابعة هذا الشكل المستحدث من الأدب الموجه له.
ترجمة بصرية
وانتقل بعد ذلك الحديث إلى الحضور لإبداء رأيهم فيما ذكره الدكتور العيد في محاضرته وتعليقهم على الأزمات التي تواجه أدب الطفل وتحدث في البداية سعد بورشيد رئيس قسم المسرح بوزارة الثقافة والفنون والتراث، لافتاً إلى أن هناك خلطاً أتلف مسرح الطفل حين لم يستطع البعض التفرقة بينه وبين المسرح المدرسي ومسرحة المناهج، مؤكداً أن ما ذكره الدكتور العيد على إشكاليات أدب الطفل بشكل عام ينطبق تماماً على مسرح الطفل، وأبرز ضرورة ترجمة الأعمال المسرحية إلى أعمال تلامس الأطفال وتتواصل معهم من خلال التقنيات الحديثة.
إيقاظ الوعي
كما علق الدكتور عبد القادر فيدوح من جامعة قطر على إشكاليات أدب الطفل مشدداً على أهمية تفعيل دور المؤسسات لإحداث نهضة في هذا القسم الإبداعي وإيقاظ الوعي الثقافي به وهو ما سيسهم بطبيعة الحال في دفع الخيال لدى الأطفال وحثه على أن يكون شخصية مبتكرة في المستقبل ومتذوقا للفنون والإبداع بشكل عام.
دور التراث
كذلك علقت الروائية الدكتورة حصة العوضي على قضية وسائل تطوير أدب الطفل مؤكدة على ضرورة ترجمة الأعمال الأدبية لصورة مرئية مشيدة بمبادرة تعاون قسم المسرح بالوزارة مع الجائزة في ذلك الشأن، وأوصت بضرورة الاعتماد على موضوعات تناسب مجتمعاتنا في الأعمال الأدبية الموجهة للأطفال، لافتة إلى أن التراث العربي مليء بالقصص المفيدة التي يمكن تطويعها مع حاضرنا، ورأت أن الاعتماد على تلك الحكايات التراثية وسيرنا الإسلامية ستكون بديلاً أمثل لأطفالنا عن أفلام الكرتون المدبلجة عن اليابانية أو الأمريكية والتي لا تتماس مع ثقافتنا وعادتنا وديننا الإسلامي.
مستقبل الطفولة
كما أكد الفنان محمد البلم على أهمية تلقف الأعمال الفائزة للساحة المسرحية الموجهة للطفل، لافتاً أن جائزة الدولة لأدب الطفل بيدها إثراء المكتبة العربية وتطوير الموضوعات الموجهة للأطفال وهو ما سيمثل بطبيعة الحال قيمة هامة تضاف إلى مسرح الطفل الذي ظل يعاني في عالمنا العربي من قلة الأعمال المقدمة لهذه الفئة العمرية التي تمثل مستقبلنا.
الأدب التكنولوجي
ودعا الدكتور ربيعة الكواري في كلمة تعقيبية له على المحاضرة على ضرورة الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في أدب الطفل بما يتماشى مع مستحدثات العصر، واقترح أن يضاف محور جديد لجائزة الدولة لأدب الطفل حول دور التكنولوجيا في الأدب الموجه للأطفال.
الفائزون
وفي القسم الثاني من الندوة تم مناقشة الأعمال الفائزة بالجائزة في الدورة الخامسة بمجالات: النص المسرحي، والقصة، والدراسات الأدبية، حيث قدم في البداية الدكتور وليد الحديثي الفائزين وهم: الكاتب السوري نور الدين الهاشمي، والكاتب المصري محمد فتحي الشرقاوي اللذان فازا مناصفة بجائزة مجال النص المسرحي، والباحث المصري أحمد عادل القضابي، والباحثة الجزائرية نسيمة سعيد عمر التي أعتذرت عن الحضور وقد فازا مناصفة بجائزة مجال الدراسات الأدبية، والقاص التونسي يوسف بن علي رزوقة، والقاص السوري حسان عبدالباسط الجودي اللذان فازا مناصفة بجائزة مجال القصة، ثم قدم كل فائز عمله.
شعوذات
في البداية قام القاص يوسف رزوقة بالحديث عن قصته “أطفال القمر وقصص أخرى” قائلاً: هذه القصص أردتها تعويذة للطفل ضد الشعوذات، حيث أردت تقديمها للطفل الذي ما عاد يقنع بالخرافات أو بما ترويه جدتهم عن الأهوال والغيلان في الزمن السحيق، كتبتها وأنا أعود إلى الطفولة عودة الطفل الفضولي المحب لعصره، عصر من التعقيد والفتح العظيم، بحيث يستدعي المفاتيح التي في حوذة الطفل الجديد لفك شفرته، مضيفاً أن هذه القصص هي بمثابة مشروع مفتوح على المستقبل.
أدب علمي
بينما قام د. حسان عبد الباسط بالحديث عن قصته “كيف تصبح عالماً” مؤكداً أنه تأثر بالكتاب الشهير “الفيزياء المسلية” ليكوف بيرلمان، وقال: غير هذا الكتاب حياتي جوهرياً، كما أن أسلوب الكتاب السلس والطابع المسلي لمحتوياته جعلني أحلم بكتابة عمل إبداعي مماثل، وأضاف: هنا أعتقد أن مجموعتي القصصية “كيف تصبح عالماً” هي خطوة مهمة على هذا الطريق الطويل الذي اخترت أن تكون خطواته موجهة للأطفال في مرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخرة، آملاً أن تسهم في تغيير حياتهم نحو الأفضل، اعتمدت في مجموعتي أسلوب القص لطرح بعض الأفكار العلمية التي رأيت أنها في غاية الأهمية للأطفال.
أهمية الكلمة
وجاء دور الكاتب المصري محمد الشرقاوي مؤلف مسرحية “حرف وكلمة” الذي قال في كلمته التعريفية لعمله إن النص يحاول ترسيخ مفهوم الكلمة وأمانتها في وجدان الطفل من خلال مفرداته هو، في جو من المرح والإثارة والكوميديا المحببة له هرباً من الملمح التعليمي الإرشادي الجامد، وأبرز أن الهدف خروج الطفل من هذا العمل المسرحي أو بعد قراءته نصاً مدركاً أهمية كلمته، وما لها من تأثير رهيب سلباً أو إيجاباً، وأوضح أنه تأثر في هذا العمل بمسرحية “الحسين ثائراً” لعبد الرحمن الشرقاوي حيث حاول أن يصل رغم فخامة الكلمات للطفل.
درامية الأغاني
ثم قدم نور الهاشمي عرضاً لمسرحيته “ساحة الأحلام” مؤكداً أن هناك بعض القيم قصد تقديمها للطفل، يأتي على رأسها أن الأحلام الصغيرة يمكن أن تتحول إلى إنجازات كبرى، مع ضرورة التأني فيما يخططه الطفل لمستقبله، فعليه أن ينظر إلى ما فعل ليحرص على فعل الأفضل في المستقبل، ولفت إلى أنه اهتم بالأغاني في هذا العمل من نابع إدراكه لقيمتها الدرامية في مسرح الطفل فضلاً عن جذبها لوجدان الأطفال ومساعدتهم على التواصل مع العمل الموجه لهم.
صناعة الوعي
كما تحدث أحمد عادل الفائز بجائزة أفضل دراسة أدبية في مجال أدب الطفل قائلاً: دور هذه الدراسة هو صناعة الوعي بأهمية العنوان ودوره الفعال في عملية التلقي وعلاقة العنوان بالنص الذي يتعنون به خاصة لدى الأطفال العنوان يؤدي دوراً مركزياً في عملية تنبيه القارئ بمعنى العمل ودلالته، مشيراً إلى أنه أراد أن يكسر خلال تلك الدراسة جمود دراسة أدب الطفل معتمداً على مناهج من إعداده على غرار التأطير الذي يصيغه نقاد الغرب، وأكد في ذلك أنه قد آن الأوان أن يأخذ الناقد العربي مكانه على تلك الساحة التي انفرد فيها النقاد الغربيون سنوات طويلة.