«أدب وفن وعالم معاصر» في اليسوعية: إحياء الذاكرة الجماعية

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-
قد يكون الأمر واحدة من سمات العصر: فعلى الرغم من كل شيء، لا بدّ من أن نلاحظ تلك الفورة الكبيرة في الأعمال الفنية في العالم بأسره، حيث لا يشذ لبنان عن ذلك. إذ تتراكم أعمال في كل المجالات وبعيدا عن أيّ حكم نقدي حول جودتها أم لا. ثمة إنتاج متشعب يلفنا، يجد البعض أنه إنتاج عشوائي أحياناً، ويجد بعض آخر أنه يقف على العكس من ذلك. إزاء ذلك ارتأت رئيسة قسم الأدب الفرنسي في الجامعة اليسوعية في بيروت، نايلة تمرز أن تطلق «الماستر المهني في النقد والتنظيم الفنيين» (منذ عامين) وهو منهج تمتد دراسته على مدى سنتين، يتلقى الطالب فيه العديد من الدروس التي تؤهله للعمل في «المهن» المتعلقة بالفن.
وبرعاية قسم الأدب الفرنسي في الجامعة و«ماستر النقد…» أقيم يومي الجمعة والسبت الماضيين، مؤتمر بعنوان «أدب وفن وعالم معاصر: سرديات، تاريخ، ذاكرة»، بإشراف تمرز، تبلورت فيه بعض ما يطمح إليه هذا الاختصاص الجديد التي أطلقته جامعة القديس يوسف، وذلك بمشاركة العديد من الباحثين اللبنانيين والعرب والأجانب، الذين عالجوا العديد من الموضوعات التي تستعيد التفكير في بعض الأعمال الفنية، لكنها أيضا ترتكز على رؤية نقدية تحاول أن تبين جودة العمل من خلال تحليله وتأويله. مؤتمر كما قالت المسؤولة عنه يأتي «تزامنا مع تطور النقد الأدبي الذي يعنى اليوم بالنظر إلى المادة الأدبية في إطار سياقها التاريخي والسياسي، يتجه أدب ما بعد الحداثة إلى بلورة قصص شخصية من خلال علاقاتها بالحوادث العامة. وكذلك يكمن الإنتاج الثقافي المعاصر عموماً باللجوء إلى التاريخ. ويتجلى هذا الاتجاه خصوصاً في البلدان العربية حيث الممارسات الثقافية مرتبطة بسياقات نزاعية. وفي لبنان خصوصاً، يسعى أدباء وفنانون وسينمائيون ومخرجون إلى إعادة إحياء ما يسمى بالذاكرة الجماعية لفهم ماضي الحروب من خلال الأدب والفن».
يومان من الأبحاث الجادة، التي عالجت الكثير من الموضوعات التي نجدها على تماس مع راهننا بكل أبعاده، فبعد «الدرس الافتتاحي» الذي قدمه البروفسور هنري لورنس (أستاذ في الكوليج دو فرانس) حول «المؤرخون وحرب لبنان»، توالت القراءات والمحاضرات، حيث ركزت ساندرا بارير في ورقتها في قراءة «الذي لا يقال» في كتاب المسرحي اللبناني الكندي وجدي معوض، بينما أخذتنا الباحثة في جامعة ليدز الانكليزية، كلير لوازييه إلى إعادة استنطاق «شعرية الدمار» مثلما تبدت في نص الكاتب الفرنسي جان جينيه «اربع ساعات في شاتيلا» لترسم عبره سيرة للحرب والاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. الحرب أيضا كانت حاضرة في كلمة غريغوري بوشاكجيان، لكن الحرب الأهلية، إذ استعاد عبر بعض الأعمال الفنية (تصوير ورسم) سيرة معركة الفنادق، وبخاصة معركة «الهوليداي إن» في بداية الحرب اللبنانية.
من الدراسات اللافتة، الورقة التي قدمتها كاتيا حداد (أستاذة كرسي سنغور للأدب الفرنكوفوني) عبر قراءتها لبعض نصوص المسرح الفرانكوفوني اللبناني منذ نشأته، لكنها تذهب إلى أبعد من ذلك، لتقدم عبر تأويلها للتراجيديا الإغريقية كما تبدت في هذا المسرح وارتباطها باللحظة السياسية اللبنانية الراهنة (مسرح مجلس النواب).
من السينما إلى الأدب، ومن المسرح إلى الشريط المصور واللوحة، ومن لبنان إلى فلسطين والجزائر وسوريا، تعددت الاهتمامات التي نقلتنا إلى إعادة التفكير باللحظة الفنية الراهنة. عديدة هي الأوراق التي قدمت، وقد يكون من الصعب تلخيصها كلها في هذه الأسطر. في أي حال، ستصدر الأبحاث قريبا في كتاب عن الجامعة اليسوعية، ومن دون شك ستمثل قراءة ثانية قد نعود إليها.