«أسبوع النقد».. بلا كلام وبالإشارات ورحلات مختلفة

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير
باتت النسخة اللبنانية لـ«أسبوع النقد» مطلباً «سينيفيلياً» بامتياز. إحدى التظاهرات الأبرز في مهرجان «كانّ» السينمائي الدوليّ، إلى جانب المسابقة الرسمية والاختيارات الرسمية وغيرها من التظاهرات الرديفة (أسبوعا المخرجين، نظرة ما، إلخ.)، تُشكّل حالة ثقافية ـ فنية لبنانية مستقلّة بحدّ ذاتها. سبب ذلك؟ العمق الثقافي للتظاهرة نفسها، المتمثّل باختيار الأفلام الأولى أو الثانية لصانعيها، وحثّ المُشاهدين المحتَمَلين على خوض مغامرة اكتشافها. العمق الفني المُكمِّل للعمق الثقافي: التجربة السابقة، على المستوى اللبناني على الأقلّ، كاشفةٌ لاشتغالات مثيرة لمتعة المُشاهدة، ولنقاش متنوّع. الدورات اللبنانية السبع مرآة خصبة لابتكارات شتّى. هناك وعودٌ بكون الأفلام المُشاركة في الدورة الـ53 (النسخة اللبنانية الثامنة) لـ«أسبوع النقد» (التي أقيمت أثناء الدورة الـ67 لمهرجان «كانّ» بين 14 و23 أيار 2014) امتدادٌ لهذه الابتكارات، سواء بحسب كتابات نقدية موثوق باللغة التحليلية لكاتبيها، أم بحسب أقوال زملاء لديهم حدّ كبير من مصداقية النقد والمُشاهدة.
هذا لا يكفي. المُشاهدة المباشرة كفيلة بإقامة علاقة ما بين الصنيع ومُشاهِده أولاً، وبين المُشاهِد ومبتكر الصنيع ثانياً. لذا، وبدءاً من مساء اليوم الاثنين 30 حزيران 2014، تُمكن متابعة وقائع النسخة اللبنانية الثامنة لـ«أسبوع النقد»، التي تُنظّمها «جمعية متروبوليس» بالتعاون مع «المعهد الفرنسي في لبنان»، وبالشراكة مع «البنك اللبناني للتجارة». نسخة جديدة تنتهي في 9 تموز 2014، بعد عرض 10 أفلام قصيرة و7 أفلام طويلة، 8،30 مساء كل يوم، في صالة «سينما متروبوليس» («مركز صوفيل»، الأشرفية). بدءاً من مساء اليوم، تُمكن مُشاهدة تنويع سينمائي لمخرجين قادمين إلى السينما بخطوات أولى أو ثانية، حاملين معهم قراءات ومعاينات وتحدّيات سينمائية موزّعة على نمطين روائيين شكلاً (قصير وطويل) ومتنوّعي المضامين والحكايات، يعكسان ملامح المقبل من الأيام بالنسبة إلى هؤلاء المخرجين الجدد. بدءاً من مساء اليوم، تنطلق نسخة لبنانية جديدة، بالتزامن مع الدورة الـ20 (12 حزيران ـ 13 تموز 2014) لبطولة كأس العالم في كرة القدم، ومع شهر رمضان أيضاً.
الافتتاح معقودٌ على فيلمين اثنين: قصير بعنوان: «قصّة حبّ حقيقية» (الهند، 19 د.، من دون حوارات) لجيتنجالي راوو، وطويل بعنوان: «تنفَّس» (فرنسا، 91 د.، بالفرنسية المرفقة بترجمة إنكليزية) لميلاني لوران: لا يُلغي الصمت المعتَمد في الفيلم القصير جمالية الرحلة السينمائية في الأزقّة «الفاتنة والماكرة» في آن واحد لبومباي، المدينة الملقّحة بأحلام بوليوود، التي يكشف الفيلم امحاء المتخيّل فيها أمام قسوة الواقع المسيِّج حضورها. «قصّة حبّ حقيقية» موصوفٌ بكونه «نشيدا ملوّنا بالحبّ». الفيلم الفرنسي مختلفٌ تماماً، مع أن فيه ملامح «قصّة حبّ» قد تكون «حقيقية» أيضاً. مرتكزٌ هو على علاقة ناشئة بين شابتين متناقضتين في أحوالهما الذاتية والانفعالية والفكرية، ومتكاملتين في بحثهما عن أجوبة متعلّقة بالمرحلة الأولى للشباب.
غداً الثلاثاء مخصّص بفيلم واحد فقط: «القبيلة» (أوكرانيا، 130 د.، لغة الإشارات) لميروسلاف سلابوشبيتسكي. هذه تجربة تتجاوز الفعل السينمائي نفسه إلى سؤال علاقة الصنيع بمشاهديه. «لغة الإشارات»، على مدى ساعتين و10 دقائق؟ تجربة تُخاض. بالإضافة إلى الحبكة: سيرغي، الأصمّ الأبكم، معرّض لاختبار قاس. في المدرسة الداخلية، يعاشر عصابة ذات قواعد صارمة، تعمل في مجالَي الدعارة وتجارة المخدّرات. المأزق منبثق من وقوعه في غرام الصبيّة آنّا المنتمية إلى العصابة، التي تبيع جسدها من أجل العيش والبحث عن سبل للخروج من أوكرانيا. ما الذي سيفعله سيرغي؟ هل يستطيع مواجهة العصابة/ القبيلة من أجل حبّه آنّا، وخلاصه هو؟ هل هو منذورٌ لافتعال الانقلاب الحقيقيّ في حياة آنا، كما في حياته؟ هذه رحلة في الذات وجغرافيا الروح، قد تطرح أجوبة، لكنها بالتأكيد تكشف بعض المبطّن في السيرة الحياتية لأناس وحكايات.
بعد غد الأربعاء، فيلمان اثنان: «سفاري» (إسبانيا، 15 د.، بالإنكليزية المرفقة بترجمة فرنسية) لجيراردو هيرّيرو، و«عندما تحلم الحيوانات» (دنمارك، 84 د.، بالدنماركية المرفقة بترجمة فرنسية) ليوناس ألكسندر آرنبي. الأول ذاهبٌ إلى إحدى الكليات الأميركية الشمالية، حيث التلامذة يعيشون حياتهم بشكل طبيعي جداً، باستثناء «هذا اليوم» تحديداً (ما الذي سيحصل؟ هل تتبدّل أحوالهم، أم أن هناك «حيلة» درامية تعيد إنتاج صُوَر سينمائية متلاحقة عن مسار يوم واحد فقط في حيوات تلامذة شبان؟). الثاني منضو في نوع سينمائي جامع بين شيء من الغرائبيّ وبعض الأسطوريّ المفتوحين على حقائق ووقائع: عندما تلاحظ الشابّة ماريا أن تبدّلات غريبة تُصيب جسدها، هي التي تعاني اضطهاداً من قِبل البيئة التي تقيم فيها مع والدتها المقعدة لأسباب متعلّقة بماض قديم، تبدأ رحلة البحث في الماضي القديم هذا الخاصّ بالأهل والعائلة، كَشْفاً لأسرار لم تكن تعلم بها.
هذه نماذج. «أسبوع النقد» يقترح عناوين أخرى متفرّقة. يقترح «رحلة» تُشبه تلك الرحلات المختلفة التي يقوم بها أناس مُصوَّرون في أفلام تتعمّق في أسئلة الذات والعلاقة والهوية والانتماء.