أسماء الزرعوني: هامش كبير من الحرية في الماضي

الجسرة الثقافية الالكترونية-الخليج-

ليت أيام طفولتنا الرمضانية تعود، هكذا تحدثت الكاتبة والشاعرة الإماراتية أسماء الزرعوني في معرض الإجابة عن ذكرياتها الرمضانية بين الأمس واليوم، وهي تتحسر على هاتيك الأيام الساحرة، التي تعد من أجمل الأيام التي عشناها، ولا تزال عالقة بالذاكرة، بتفاصيلها، وألقها، ووهجها، بل إن مثل هذه الذكريات هي المهد الأول لحياة أي منا، “ولذلك فإني أكرر دائماً، كلما استذكرت أيام طفولتي-تلك- قائلة: ألا ليت الأيام تعاد” تقول .

قالت الزرعوني: لرمضان حضوره العميق في روحي، فهو محطة نمر بها مرة في كل عام، بل هي علامة فارقة في سجل تاريخ كل منا، حيث إن الحياة تكاد تنقسم إلى ما قبل رمضان وما بعده، أما بالنسبة لتفاصيل ذكرياتي الرمضانية، فإنني مازلت تحت سطوة طقوسه التي تعرفت عليها في منطقة الشويهين في السوق القديمة في الشارقة قرب مسجد جدي، حيث كانت تلك الساحة ملعب الطفولة .

وتقول: “قبل أن يحل شهر رمضان بأسابيع، يبدأ الاستعداد من قبل الأسرة، حيث إعداد ما يلزم من مؤونة، وهي مؤونة لها خصوصيتها وتختلف عن المؤونة العادية أو العامة، لأن شهر رمضان هو شهر غير عادي، هذه الاستعدادات المسبقة من قبل الأهل كانت تدخل البهجة في قلوبنا الصغيرة-كأطفال- مايجعلنا نحلم باختصار الزمن، وما إن كان رمضان يحل، حتى ألح على أمي بأن توقظني في وقت السحور، وقد كانت وجبة السحور تلك فريدة، لاسيما أن لها طقوسها الخاصة، كما أن للحظات الإفطار طقوسها الخاصة .

وتقول الزرعوني: مساحة الفرح التي كانت تتم في الفترة ما بعد الإفطار، بل وفي الفترة الموازية لصلاة التراويح كانت شاسعة، فهي كانت كافية لنتجول كأطفال، في الحي، بشكل جماعي، حيث كان الناس كلهم يعرفون بعضهم بعضاً، ومن الألعاب التي نلعبها “الكوك” أو “اليوريد” حيث تتخفى إحدانا وتبدأ الأخريات بالبحث عنها، إلى أن يجدنها، لتبدأ أخرى بالاختفاء، وهلم دواليك، إضافة إلى لعبة “الصقلة” حيث كنا كطفلات صغيرات نذهب إلى ساحل البحر نبحث عن الصدفات، وكان يساعدني على ذلك قرب محل أبي من البحر .

وتضيف الزرعوني: كان هناك هامش كبير من الحرية لنا، حيث توجد الساحات الواسعة، نلعب في “السكيك” بعكس أطفال اليوم الذين يظلون أسرى بيوتهم، يكادون لايبرحونها، وهم بين الجدران الأربعة، غارقون في عوالم التكنولوجيا التي باتت تؤثر عليهم، وهناك مخاطر جدية تهددهم .

وعن الأطعمة التي كانت سائدة آنذاك، تقول: “الهريس” و”الثريد” كانا من الأطعمة السائدة، كما أن “الكستر” والقيمر والحلويات كانت تقدم لنا، ونشعر بمتعة في تناولها، بل وكان لنا كأطفال دور آخر، إذ كان يتم الاعتماد علينا في الغالب في إيصال صحون الطعام إلى من حولنا . وكان الأطفال يتجمهرون حول الديوانية، حيث يعد طعام الهريس في قدور كبيرة، وكانت صحونهم في أيديهم، يأخذ كل حصته، وتعلق الزرعوني هنا قائلة: أجل، وجبة الهريس كانت يومية، على امتداد الشريط الزمني لشهر رمضان الكريم .

وحول القصص والحكايات التي كانت تروى للأطفال في تلك الأيام، تقول: كان “المنام” يجمعنا إلى جانب أمهاتنا، وكانت بعض النساء يقصصن علينا الحكايات الغريبة، وأغلبها مستقى من عوالم الأساطير والخرافات، بيد أنها كانت ممتعة، تتوق إليها نفوسنا، وكأنه كانت تروى بها، لاسيما أن التلفزيون “الأسود والأبيض” لم يكن منتشراً بالشكل اللازم .

وفي ما يتعلق بطبيعة تلك الأيام تقول: ذات يوم رمضاني كنت أكتب بقطعة فحم قرب الأثافي التي يوضع عليها قدر الطعام، وبدأت أكتب على الجدار، فمر أحد جيراننا، ووجه إلي ملاحظته بأن أكف عن الخربشة على الجدار، وقد قام بذلك من موقع دور أننا كلنا أسرة واحدة، حيث كان الآباء والأمهات جميعاً يحسون بمسؤولياتهم تجاه أسر بعضهم بعضاً، حيث كانت الروح الجماعية مهيمنة حقاً .

وكدليل آخر على مثل هذه الروح أن الآباء عندما كانوا يذهبون إلى الحج أو العمرة، كانوا يعودون بالهدايا لجميع من حولهم، وهو ما نفتقده الآن، لأن هناك من يحج، ويعود لبيته، من دون أن يسمع به أحد خارج حدود بيته . 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى