«أشاطرك الألم…» لفادي العبدالله.. نثر الروح

الجسرة الثقافية الالكترونية
حسن نصور
مجموعة الشاعر اللبنانيّ فادي العبد الله، الصادرة مؤخرا، معجمٌ للّروح. نتكلّم عن حقل من الالفاظ التي تتصل بذاتياتٍ تقترب أحيانا من حدّ التأمل الصافي. إننا، عمليا، أمام نصوص تتفاوت لناحية قدرتها على الإدهاش وإقناع المتلقّي بالمزاج الشعريّ الخالص. نقصد المزاج الذي من المفترض أن تتجاوز فيه النصوص فكرة كونها شذرات وجدانيّة.
مزاج القصائد، في هذا الحيّز، يكون متّكئا على تلك الصور الشعريّة التي تعدّ، في مستوى معين، مزيجا من الصور والمجازات الخاطفة البسيطة التي تلائم عدة تعبيريّة عليها أن تتخلّص إلى درجة بعيدة من التجريد. نتحدّث عن صور شعرية آمنة، إذا صح التعبير، وتعكس مناخات ذاتية غائرة وعميقة غير أنها تنحو، بأدوات الكتابة النثريّة إلى درجة من الحسيّة التي تناسب حساسية هذا النوع من النصوص. «لا أحدَ يسمع رنينَ نظرتكِ في قعر عيني» (ص17)، «ما يلي من الحياة، أعمال تطبيقية» (ص58)، «السنة تسيل كقلم حبر/ وتترك بقعا على الورقة/ وعلى الجلد» (ص89)، «لا شكّ، هنالك بهو ضخم/ للمنسيّات»(ص62)، «بكفّ/ تمسّين، ساهمة، شفتيكِ/ وبالآخَر/ تمسّدين تعب الأرض»(ص55)،»تمتلئ الروح بالنعم/ كالقربة بالماء»(ص38)، «ثمّة أرواح حبلى بالحداد/ وليس الموت سوى القابلة»(ص29)، «يخترع العشق طرقا/ يضيئها/ بلهيب الأدمة»(ص22)،» تلك الساعة، الكلمة/ لم تنبت لها أنامل/ بتراء/ ولا تحللت أصداءً/ تحت الجلد» (ص119)، «كالماء يتعرج في ثنايا الظهر/ أحمله أربيه» (ص75)، «حيث نعصر ما صرناه/ من حبيبات الوقت المتلاصقة/ ونذيبه في تجاويف الأذن» (ص46).
يبدو صاحب «غريب وبيده كاميرا» (1999) مهجوسا بالمواءمة بين توظيف مستويات من البلاغة تعابير وألفاظا في نسيج المقطع الشعريّ، وبين الحفاظ على مناخات قصيدة النثر المعروفة. مناخات لا تطيعه، غالبا، إذ يمرّر لغويات فصيحة، من شأنها أن تعكر، بدرجة، صفو هذا النمط من الكتابة. لغويّات ربما تؤثر، بدرجة، سلبا على مجمل النبرة وقد لا تلائم حساسيّة المقاطع التي من المفترض أن تنحو للإقامة، بحسيّتها، في صورٍ شعريّة مجانية، خاطفة. صور تلمع بالمجازات ولا تعيقها، وجدانيات تأمّلية أو تكرارات رتيبة أو فصاحات لفظية قد تصب في التعقيد. «ويح شعري ما تكون الأخيرة» (ص46)، « كل غور أسود/ مدلهم/ فذرك من عمق الروح» (ص118)، «منقبضا..منتفضا..منقبضا… منتفضا..إلى النهاية» (ص17)، سأحفره في جلدي/ وفي النقا مثوى/ عساني أصير لكم جميعا/ نصبا وسكنا» (ص74).
لمصدر: السفير