أعمال حسن خان بين فضاءات العمارة القاهرية

الجسرة الثقافية الالكترونية-الحياة-

ثمة تجارب ومحاولات، تهدف الى استغلال المساحات المعمارية في القاهرة وتوظيفها في صنع فضاءات فنية رحبة مفتوحة أمام الجمهور، بعيداً من أجواء القاعات والمساحات الفنية المُغلقة.

واعتمد «مهرجان وسط البلد» على تبني ذلك النهج في تقديم عروضه المتعددة منذ انطلاقه قبل سنوات في القاهرة. فقد خصصت أماكن غير تقليدية لنشاطات المهرجان من عروض راقصة وغناء وموسيقى وفنون بصرية. وفي ما يخص الفنون البصرية، كان هناك حرص من إدارة المهرجان خلال دوراته السابقة على خلق توليفة من العروض غير التقليدية مستغلاً تلك المساحات بما فيها واجهات العرض التجارية.

غير أن المهرجان قرر هذه السنة أن تقتصر تلك العروض البصرية على فنان واحد، هو المصري حسن خان الذي قدم نماذج مختلفة من أعماله السابقة في أحد الممرات الجانبية الفاصلة بين اثنين من أهم الشوارع الرئيسة في وسط القاهرة: «عدلي»، و»عبد الخالق ثروت».

وجُهّز الممر المواجه لأحد المعابد اليهودية الشهيرة، والمعروف بممر «كوداك» ليكون ملائماً لهذا الغرض. وخُصصت أربعة أماكن لعرض تلك الأعمال على جانب الممر، داخل الفراغات الموجودة أسفل بناية قديمة ذات طراز معماري مميز. في المساحة الأولى قدم خان مجموعة من النصوص المكتوبة على الجدران، بينما عرضت بعض العناصر المصاحبة في فضاء المكان المطل على الخارج عبر نوافذ زجاجية شفافة تعكس ما يدور في الخارج.

المساحة الثانية خصصت لعمله الذي جاء تحت عنوان «بنك بانستر» والذي عرض فيه خان مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي التقطت بواسطة هاتفه النقال، إضافة إلى القطعة الرئيسة في العرض، وهي نموذج «درابزون» سلم كان رآه خان داخل أحد فروع «بنك مصر».

أما المساحة الثالثة التي خصصت لعمله المعنون «دوم تك تك، دوم تك»، فقد اعتمد العرض فيها على تجهيزات الصوت، إذ علقت فيها مكبرات صوت تبث ألحاناً شعبية، بينما خصصت المساحة الرابعة لعرض فيديو يعكس حواراً بين شخصين التقاهما خان في أحد شوارع القاهرة.

عكست تلك الأعمال جانباً من تجربة خان المعتمدة على وسائط عدة، فهو فنان بصري وموسيقي، ودارس للأدب، وسبق له عرض أعمال أخرى في القاهرة قبل عشر سنوات تقريباً.

ويقول خان: «أرفض عرض أعمالي بطريقة غير ملائمة. البنية التحتية للفنون في القاهرة فقيرة للغاية». وهذا التبرير يليق بأحد متابعي الحركة الفنية المصرية من الخارج، وهو أمر يتنافى وطبيعة تجربة خان التي تعتمد في جانب كبير منها على الثقافة المصرية التي تتفاعل معها وتعكس مقداراً كبيراً من عمقها وضحالتها، كاعتماده على الموسيقى الشعبية على سبيل المثال، أو إشاراته البصرية المتعددة، والمستوحاة غالبيتها من الشارع والبيئة المصرية والقاهرية على نحو خاص».

هو إذاً ليس أحد «الخواجات» الذين يتحدثون من الخارج أو يراقبون المشهد من بعيد. فهناك العشرات من الفنانين الأجانب الذين يزورون القاهرة سنوياً لعرض أعمالهم وتجاربهم عبر تلك المساحات التي تفتقد التجهيز الملائم، وهم يتعاملون مع المتاح من أماكن ومساحات، ولا يضعون شروطاً مسبقة للعرض.

نعم هناك قصور في تجهيز المساحات المناسبة لعرض الأعمال، وهي في معظمها تفتقد بنية تحتية مناسبة لعرض الأعمال الفنية المعاصرة، إلا أنه بدلاً من الانسحاب على هذا النحو، كان على خان أن يبذل الحد الأدنى من جهده لتغيير مثل هذا الواقع السيء الذي يراه.

حسن خان ابن المخرج المصري محمد خان الذي لم يكن بحاجة إلى اعتراف من أجهزة الدولة البيروقراطية في مصر ليكتسب صفة «مصري» في خانة الجنسية، فهو اكتسبها أولاً باعتراف الناس وعشق جمهوره لأعماله، التي عبرت عن نبض الشارع المصري. وكان أجدى به وهو الذي لا تختلف فضاءات أعماله أيضاً عن ثقافة الشارع المصري، ولا تبتعد عناصره الفنية عن تاريخ الناس في مصر وذاكرتهم، أن يبدي شيئاً من الحرص على التفاعل مع هؤلاء التعساء الذين لا تتوافر أمامهم سوى تلك المساحات الفقيرة في تجهيزها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى